«الفوضويون» يستهدفون اليونان

مجموعات كثيرة تظهر وتخفت.. وأهدافها متعددة بتعدد أسمائها

متظاهران يحاولان تفادي الغاز المسيل للدموع خلال اضطرابات في أثنيا في 9 يناير 2009 (رويترز)
TT

عائلة أفغانية لم تطلها أعمال العنف في بلدها المضطرب على الدوام، لكنها فجعت بتعرض ثلاثة من أفرادها إلى انفجار، خلف قتيلا ومصابين، وقع لهم في بلد كانت تعتقد أنها لجأت إليه طلبا للسلم والأمان: اليونان. وفعلا، أعلنت سلطات الأمن اليونانية أواخر الشهر الماضي عن وقوع انفجار في ضاحية كاتوبتيسيا الشعبية القريبة من وسط أثينا، مما أسفر عن مقتل شخص، وإصابة امرأة وابنتها بإصابات بالغة. واتضح أن الضحايا الثلاثة من أسرة أفغانية تعيش في أثينا، تصادف مرورهم بمكان الانفجار. فقد شاهدوا حقيبة سفر بجانب صندوق القمامة، وعندما اقتربوا منها وحاولوا تحريكها انفجرت القنبلة مما أسفر عن مقتل الفتى (15 سنة) وإصابة شقيقته (11 سنة) بإصابات بالغة، ووالدته (44 سنة) بإصابات طفيفة.

ويحمل الانفجار بصمات الجماعات الفوضوية اليسارية التي تستهدف منذ فترة طويلة استقرار اليونان. ويشار إلى أن هذه الحركات كانت ظهرت مع زوال الحكم العسكري الديكتاتوري في البلاد عام 1974، وهي كلها تحمل أفكارا وسياسات مختلفة تماما عما تنادي به الحكومات المتعاقبة. ومن أبرز هذه المنظمات الجماعة اليسارية «17 نوفمبر»، التي استطاع أعضاؤها السطو على ترسانات عسكرية تابعة للجيش، واستولوا على صواريخ وأسلحة حديثة وقنابل، وكونوا مخابئ لهم في أحياء أثينا الضيقة لإدارة عملياتهم وتخزين المسروقات، إضافة إلى القيام بأعمال سطو كثيرة على المصارف. وكانت الشرطة قد توصلت إلى هذه المنظمة عندما فشل أحد عناصر الجماعة في تفجير قنبلة في ميناء بيريوس البحري (غرب أثينا) عشية 30 يونيو (حزيران) 2002، وعبر هذا الأخير توصلت الشرطة إلى بقية الأعضاء والمخابئ. واعتبر ذلك الانتصار الكبير للشرطة نهاية لمجموعة مسلحة قتلت وفجرت وهددت الأمن في البلاد لأكثر من عقدين، وكان ذلك بداية لظهور منظمات أخرى.

ينسب إلى جماعة «17 نوفمبر» اغتيال 23 شخصية بارزة أميركية وبريطانية ويونانية وتركية. وتدرج الولايات المتحدة الأميركية هذه المنظمة ضمن قوائمها السوداء، وكانت عرضت عام 1984 مكافأة بمليوني دولار لكل شخص يعطي معلومات تسمح بتوقيف واعتقال مسؤولين في المجموعة. ووفقا لتقارير أمنية أميركية، تأسست «17 نوفمبر» عام 1975 واتخذت هذا الاسم نسبة إلى تاريخ الانتفاضة الطلابية التي شهدتها اليونان في نوفمبر 1973 احتجاجا على الحكم العسكري. وتعد المنظمة مناهضة للمؤسسة السياسية اليونانية والولايات المتحدة وتركيا وحلف شمال الأطلسي. وهي تدعو لإزاحة القواعد الأميركية وإزالة الوجود العسكري التركي في قبرص، وعملت على قطع روابط اليونان بحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

بدأت «17 نوفمبر» عملياتها بحملة اغتيالات ضد كبار المسؤولين الأميركيين والشخصيات العامة اليونانية، إضافة إلى تفجيرات قنابل في الثمانينات، ثم اتسعت أهدافها عام 1990 لتشمل منشآت للاتحاد الأوروبي وشركات أجنبية لها استثمارات في اليونان، وصعدت من تكتيكات هجماتها لتشمل الهجوم بالصواريخ.

وهناك مجموعة أخرى يعتقد أنها ثاني أكبر منظمة إرهابية في اليونان، وتدعى منظمة الكفاح الثوري (إيلا). وقد انبثقت هذه المجموعة عن المعارضة ضد النظام العسكري الذي حكم اليونان منذ 1967 وحتى 1974، وفي عام 1971، قامت بتشكيل (إيلا) وهي عبارة عن جماعة ثورية ضد الرأسمالية والإمبريالية، وأعلنت معارضتها ضد الهيمنة الإمبريالية والاستغلال والاضطهاد، كما أنها تظهر عداءها بقوة للولايات المتحدة وتسعى لإزاحة القوات الأميركية من اليونان. ومن أهم أنشطتها أنها قامت منذ عام 1974 بتفجير قنابل ضد الحكومة اليونانية وأهداف اقتصادية وأخرى أميركية، عسكرية وتجارية، وفي عام 1986 صعدت من هجماتها ضد مصالح الحكومة اليونانية والتجارية، وفي غارة على أحد مواقعها الآمنة عام 1990 تم الكشف عن مخزن أسلحة واتصالات مع جماعات إرهابية يونانية أخرى من ضمنها جماعة «الأول من مايو» و«التضامن الثوري»، وفي عام 1991 أعلنت منظمتا «الأول من مايو» و«إيلا» مسؤولياتهما عن أكثر من 20 عملية تفجير.

أما أسماء المنظمات التي تنشط حاليا، فهي كثيرة، وتحمل أسماء عدة مثل «نواة النار»، و«الفجر الذهبي»، و«الفوضويون»، والأول من مايو»، و«الجبهة الثورية النازية»، و«الجبهة الاشتراكية الوطنية الثورية»، و«مجموعة لامبروس فونتاس الثورية»، و«مجموعات كومباكت 18». وعلى الرغم من أن الشرطة تسجل كل هذه الأسماء فإنها لا تأخذها على محمل الجد، وتعتقد أنها جميعا مرتبطة بمجموعة واحدة.

وتكثفت في الآونة الأخيرة أعمال العنف في العاصمة أثينا ومدينة سالونيكي (شمال). ويقوم بهذه العمليات في الغالب شبان هوايتهم صناعة قنابل المولوتوف يدوية الصنع والأسطوانات الصغيرة من الغاز المضغوط مع المواد الحارقة والمشتعلة، وغالبا ما يسعون لزرع الرعب بين الناس بعد الانتهاء من قضاء سهراتهم الليلية.

لكن العنف المرتبط بالجماعة اليسارية تكثف منذ 6 ديسمبر (كانون الأول) 2008، عندما قتل فتى برصاص الشرطة في ضاحية أكسارشيا وسط أثينا. وكانت تلك الحادثة نقطة بداية جديدة لصراع طويل لا تزال تداعياته قائمة حتى الآن بين رجال الأمن من جهة والطلاب وتلاميذ المدارس من جهة أخرى. وغالبا ما يسقط ضحية هذا الصراع المواطنون من أصحاب المحلات والمتاجر المتناثرة في وسط أثينا وأصحاب السيارات المصفوفة.

وبعد نجاح قوات الأمن، على مراحل، في قمع مثل هذه الاعتداءات الجماعية، ظهرت اعتداءات من نوع جديد، يتم تنفيذها في الخفاء بعد منتصف الليل، ثم الفرار، وهذه الاعتداءات تطال المصارف والمصالح الحكومية والسيارات والمؤسسات الأجنبية والشركات التابعة للدول الكبرى وأقسام الشرطة ورجال الأمن ومقار الأحزاب ومكاتب السياسيين والبرلمانيين، وحتى المؤسسات الإعلامية غير المتعاونة مع المعتدين.

ويقول رئيس المباحث بوسط أثينا يوسيف زيمنوغلو لـ«الشرق الأوسط» إن أجهزة الشرطة لديها إدارة تحت مسمى «إدارة مكافحة الإرهاب» وهي تتعاون مع الدول الأوروبية الأخرى لمكافحة الجريمة، وعلى اتصال مستمر وتدريب مشترك مع الشرطة البريطانية «اسكوتلانديارد» والاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، ولذلك فالعمليات الإرهابية والتخريبية تنحسر داخل اليونان ولا تخرج منها. ويرى زيمنوغلو أن الإرهابيين هم عبارة عن جماعات سرية لها أفكار غير ناضجة، ولو أعلنوا عن أنفسهم فإن الشعب سيحاربهم. كما يشير إلى أن عمليات التفجيرات بالقنابل جديدة على اليونان وشعبها، ويشدد على التعاون الإيجابي بين الشرطة والمواطنين لمواجهة هذه الظاهرة.

وبالفعل هناك سخط كبير وسط المواطنين على منفذي هذه الاعتداءات. وتقول إيفجينيه كاريستينو وهي محامية في الستينات من عمرها، إن الإرهاب ليس له جذور في اليونان، ونشأ تزامنا مع ظهور منظمات إرهابية وتخريبية في بلاد أوروبية وأجنبية أخرى. وتعتقد أن الإرهاب ظهر في اليونان في فترة سابقة واختفى، ثم بدأ في الظهور مجددا بفرقعات بسيطة وفي حدود ضيقة.

أما يوانا داسكلوبولو وهي مواطنة يونانية تبلغ من العمر 50 سنة، فقالت لـ«الشرق الأوسط» إن الحياة أصبحت لا تطاق في وسط أثينا في الفترة الأخيرة، خصوصا مع تزايد الانفجارات أو المكالمات التحذيرية عن التفجيرات.