بضغط بريطاني تركيا تستعيد من مالطا مصريا ينتظره حكم الإعدام في أنقرة

محمد عبد المنعم عباس علي ينفي إلى الآن تهشيمه رأس سائح بريطاني قبل 3 سنوات بإسطنبول

TT

سلمت السلطات المالطية أمس نظيرتها التركية مصريا، قصته غريبة وتثير الفضول. لا لأن أنقرة قد تحكم عليه بالاعدام، فيما لو ثبت قتله لسائح بريطاني باسطنبول، التي غادرها بعد يوم من الجريمة قبل 3 سنوات الى العاصمة المالطية، فالليتا، حيث اعتقل في أحد فنادقها بعد شهر من دخولها بجواز سفر مصري مزور، باسم أحمد أمين، بل لأن بريطانيا مارست ضغوطا لتسليمه الى تركيا.

ووصلت هذه الضغوط الى درجة أن أحد وزرائها الكبار شارك مرة بمظاهرة طالبت بالقصاص من الشاب الذي تابعت «الشرق الأوسط» قضيته منذ تحدثت الى السفير المصري لدى مالطا وعميد السلك الدبلوماسي فيها، يحيى الرملاوي، عبر الهاتف في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وعلمت أن السلطات التركية تشتبه بأن محمد عبد المنعم عباس علي قتل البريطاني المولود منذ 38 سنة كجامايكي الأصل بكينيا، إدغار فرنندس، بعد أيام من وصول الأخير في 9 أبريل (نيسان) 1998 لقضاء عطلة من أسبوعين باسطنبول، نظرا لمغادرة عبد المنعم المدينة بعد يوم من الجريمة الى مالطا، ولعثور شرطتها على بطاقة للسحب إئتمانية بحوزته، اتضح أنها للقتيل بضرب متكرر على الرأس بقضيب معدني، كما ظهر حين العثور عليه هامد الجثة قرب فندق كان ينزل فيه عند خليج البوسفور باسطنبول الأوروبية.

وكانت السلطات المالطية قد حكمت على محمد عبد المنعم، البالغ عمره 31 سنة الآن، بالسجن عامين و6 أشهر لدخوله بالجواز المزور، واستخدامه لبطاقة ائتمانية، يقول إنه سرقها من غرفة شاركه فيها فرنندس، العامل سابقا في مكتبة بلندن، بالفندق التركي «لكنني لم أقتله، بل لم أسمع بأنه قضى بجريمة قتل الا من الصحف المالطية» وفق قوله في «نداء استغاثة» وجهه قبل عام لمن كان يأمل في مساعدتهم، وسط رفض الحكومة المالطية تسليمه الى تركيا طوال أكثر من سنتين من المطالبة باسترداده، كي لا ينفذ فيه حكم الاعدام فيما لو ثبت ارتكابه للجريمة. لذلك كانت سلطات الجزيرة المتوسطية تطلب ضمانات بأنه لن يواجه الموت هناك، برغم أن الخارجية التركية زودتها بمعلومات واحصاءات من أن تركيا «لم تنفذ حكم الاعدام عن جريمة قتل منذ 18 سنة» وفق ما نقلته وكالة «توركيش ديلي نيوز» الأنقرية عن لسان ممثل عن الوزارة.

لذلك عقد اجتماع حاسم بمقر الخارجية البريطانية في لندن منذ سنة، بطلب من الادعاء المالطي العام، ونزولا عند رغبة عائلة القتيل، ومحاميها البريطاني الباكستاني الأصل، عمران خان، معززا بطلب مشترك من الخارجية البريطانية سفير تركيا لدى مالطا، قلطان جوفين، وفي حضور سفير الجزيرة في لندن. الا أن السفير الرملاوي لم يشارك «لأنني لم أتلق طلبا رسميا بذلك» وفق ما قاله وقتها لـ«الشرق الأوسط» من فالليتا.

كما لم يشارك السفير المصري لدى بريطانيا، عادل جزار، في الاجتماع الذي بحث بتسليم محمد عبد المنعم الى تركيا، أو تلبية طلبه بمنحه حق اللجوء في مالطا، أو قبول اقتراح من سفير مصر لدى الجزيرة بترحيله الى القاهرة، وهو ما رفضه منعم الذي كتب «نداء استغاثة» عبر محاميه المالطي، الدكتور جوزف برينكات، الى بابا الفاتيكان، يوحنا بولس الثاني، والى مطران الجزيرة، جوزف ميرسياكا، كما والى سلطاتها القضائية، ملتمسا عدم تسليمه لنظيرتها التركية «حيث سيحكمون عليّ بالموت عما لم أرتكبه، فأنا بريء من دم هذا البريطاني، وأستغيث بكم للتدخل» وفق ما نقله تلفزيون «سوبر وان» المالطي من رسالته، المتضمنة رغبة أبداها بالبقاء لاجئا في الجزيرة المتوسطية.

مظاهرات في شوارع لندن وفالليتا ولأن السلطات المالطية مالت لاقتراح السفير المصري لديها بترحيله الى الدولة التي يحمل جنسيتها، وهي مصر في هذه الحالة، باعتبار أن قوانينها لا تسمح بمنحه اللجوء كما طلب، ولأنه قد يحاكم في مصر، التي لا تسلم مواطنا الى دولة ارتكب فيها جرما، بل تحاكمه بطلب رسمي منها، اذا كان الطلب مرفقا بقرائن واثباتات، وهو صعب في حالة تركيا مع محمد عبد المنعم، فقد سارعت الخارجية البريطانية الى احتواء هذا الميل، عبر عقد اجتماع في مقرها بلندن، مارست فيه ضغوطا.

وأوفد القنصل المصري العام في لندن، محمد سعد، الى الاجتماع أيضا، مستشار القنصلية، أحمد طه، كمشارك مراقب «في قضية هي بين بريطانيا وتركيا ومالطا أساسا» طبقا لما قاله سعد لـ«الشرق الأوسط» قبل يوم من الاجتماع، الذي رسى على تسليم محمد عبد المنعم الى تركيا.

وكانت عائلة القتيل قد قامت بحملة ضغوط طوال عامين لتسليمه ومحاكمته في تركيا، كمظاهرات نظمتها مع جمعيات لحقوق الانسان في فالليتا ولندن، وشارك في احداها وزير الدولة السابق للشؤون الأوروبية، كيث فاز، وانتقل صداها في ما بعد الى لجنة في البرلمان البريطاني، اضطرت الى ملاحقة القضية حتى انتهائها امس بتسليم المطلوب بجريمة، لا تبدو أن لها دوافع سوى سرقة مبلغ، بالكاد يكفي الرمق.

=