تدخين ومزحة.. تحولا إلى تهديد إرهابي وحادثة دبلوماسية دولية

سفراء ودبلوماسيون عرب في واشنطن: حادثة الدبلوماسي القطري لم تكن ستأخذ هذا المنحى لو لم يكن عربيا

TT

استقل الدبلوماسي القطري الشاب محمد المدادي طائرة شركة «يونايتد إيرلاينز» 663 المتجهة من واشنطن إلى دنفر يوم الأربعاء الماضي، في مهمة روتينية لزيارة مواطن قطري في سجن أميركي، ولم تشهد الرحلة أي أحداث هامة إلى أن خرج محمد من مرحاض الطائرة.

وقال مسؤولو إنفاذ القانون إن المضيفة اكتشفت دخانا وواجهت المدادي (27 عاما) الذي حاول السخرية بالقول «إنه كان يحاول إشعال النار في حذائه»، لإخفاء الرائحة المنبعثة من مرحاض الطائرة قبل التوجه إلى مقعده. وواجهت المضيفة المدادي مرة أخرى وأعلمت ضابط الأمن على الطائرة عندما رفض طلبها بتسليم قداحته. عندئذ بدأت رحلة عمل المدادي إلى دنفر تتحول إلى حادثة دولية عرضية.

تحدث رجال أمن الطائرة إلى المدادي واحتجزوه في مقعده، وأطلقوا نظام الإنذار الوطني لكل الطائرات المسافرة عبر الطيار. وتم استدعاء طائرات مقاتلة وتحذير الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن تهديد إرهابي محتمل.

وبعد استجواب المدادي في المطار وثبوت عدم وجود أي متفجرات، قالت السلطات إنه لم توجه له اتهامات عدا التدخين غير القانوني، الذي تعفيه حصانته الدبلوماسية منه. وقال المسؤولون إنه كان يدخن غليونا صغيرا في دورة مياه الطائرة.

ولدى عودة المدادي إلى واشنطن الخميس الماضي مصحوبا بأعضاء السفارة القطرية، أبلغت وزارة الخارجية الأميركية الحكومة القطرية بأنها ستعلن المدادي شخصا غير مرغوب فيه وستطرده ما لم تسحبه الحكومة القطرية.

وقال المسؤولون الأميركيون إن قطر، أحد أقرب الحلفاء إلى الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي، ستعيده إلى البلاد.

يذكر أن زيادة الهواجس الأميركية ورفعها مستوى أمن الطيران ترجع إلى محاولة التفجير الفاشلة التي قام بها أحد أعضاء «القاعدة» من نيجيريا الذي حاول تفجير الطائرة عشية عيد الميلاد مستخدما متفجرات مخبأة في ملابسه الداخلية، حيث تم رفع حالة التأهب على الطائرات الأميركية وتمت إضافة المزيد من رجال الأمن على الرحلات الجوية. وتقول إدارة أمن المواصلات إن 33 رحلة تم تغيير مساراتها لأسباب أمنية خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الحالي، وهو ما يعد أعلى بنسبة 20% من النسبة السابقة خلال السنوات الخمس الأخيرة.

يذكر أنه في ديسمبر (كانون الأول) عام 2001 حاول ريتشارد ريد، المواطن البريطاني الذي تلقى تدريبات في معسكر «القاعدة» في أفغانستان، تفجير قنبلة مصنعة منزليا مخبأة في حذائه على رحلة كانت متوجهة من باريس إلى ميامي. ويقضي الآن عقوبة السجن مدى الحياة دون إمكانية لإطلاق سراحه.

وقد أثنت وزيرة الداخلية الأميركية جانيت نابوليتانو أول من أمس، على ضباط الأمن الذين كانوا على متن الرحلة، والذين لم تذكر أسماءهم، إنهم قاموا بالعمل الملائم والفوري لتأمين الرحلة والإبلاغ عن التهديد المحتمل للسلطات على الأرض.

لكن لم يتضح بعد ما إذا كان الحادث سيتخذ هذا المنحى، لو لم يكن رجال الأمن، الذين يسافرون على رحلات معينة، موجدين على متن الطائرة. ومعروف أن التدخين يعد انتهاكا لقواعد السفر في العالم أجمع لكن إحصاءات صناعة الطيران تشير إلى عدد قليل من الحوادث التي تدفع إلى تدخل رجال إنفاذ القانون.

وبحسب قواعد البيانات لنحو 10 آلاف راكب غير منضبط جمعها الاتحاد الدولي للسفر الجوي وجدت التقارير أكثر من 100 حالة في العالم أجمع منذ عام 2007 يشكل تدخين السجائر والمخدرات ثلثها، تدخل مسؤولو إنفاذ القانون في 17% منها وتمت إحالة 24 حالة إلى القضاء تم الحكم فيها بغرامة أو عقوبة مشروطة.

وبعد انتشار قصة الحادثة في الوسط الدبلوماسي في واشنطن كان رد السفارات العربية والإسلامية بأنها توافق على أن ما قام به المدادي تصرف أحمق، لكن الكثيرين عبروا عن اعتقادهم بأن الموقف ما كان ليصل إلى هذا النحو لو لم يكن المدادي عربيا.

قال أحد السفراء: «نحن جميعا نتشارك نفس المخاوف بشأن صورة العرب والأميركيين العرب في وقت التوتر الشديد، خاصة في صناعة النقل الجوي». وأشار إلى أن تعزيز الأمن يصب في صالح الجميع ونأمل ونتوقع أن يتم تطبيق الإجراءات الأمنية بصورة موحدة».

وكان سفير آخر أكثر حدة عندما أشار إلى أن الحادث: «ما كان ليقع على الإطلاق لو أن الدبلوماسي كان سويديا».

وقال كثير من دبلوماسيي الدول العربية والإسلامية إنهم منعوا من الصعود على متن الرحلات الداخلية في الولايات المتحدة وتعرض الكثير منهم لتفتيش إضافي معتقدين أن ذلك حدث بسبب أسمائهم وجنسياتهم. وقال رئيس أحد البعثات الدبلوماسية «لا يفترض أن يتعرض السفراء للتفتيش، لكن الخيار الأمثل هو المناقشة بشأن ذلك أو تقبله».

وقال دبلوماسي آخر إنه إضافة إلى الدولة التي يمثلها «يحمل جواز سفر أميركيا، لكنه مر بمواقف كان يسافر خلالها مع أشخاص ذوي بشرات بيضاء وعيون زرقاء، وكان هو الشخص الوحيد الذي يتعرض لتفتيش إضافي».

وقد أعلنت الإدارة الأسبوع الماضي أنها ستلغي شرطا كانت قد وضعته في أعقاب حادثة عيد الميلاد من التفتيش الشخصي والتفتيش الإضافي للركاب المسافرين إلى الولايات المتحدة أو المسافرين من 14 دولة ذات أغلبية مسلمة. وتأتي هذه الخطوة استجابة للاحتجاجات من حكومات ومنظمات إسلامية أميركية وجماعات حقوق مدنية.

المدادي، وهو ابن لدبلوماسي قطري، درس المرحلة الثانوية في قطر وتخرج في جامعة ماري ماونت ونال درجة الماجستير في أنظمة المعلومات من جامعة جورج واشنطن في 2008، ووصل إلى الولايات المتحدة في أواخر الصيف الماضي. وقال صديق له تحدث شريطة عدم ذكر اسمه: «إن المدادي أنهى تأسيس شقته واشترى كلب بولدوغ صغيرا وسيارة جديدة الأسبوع الماضي».

المدادي، الذي عمل في السفارة القطرية لأقل من عام في مهامه بالخارج، كان في طريقه لزيارة قنصلية لعلي المري، المواطن القطري الذي يقضي 8 سنوات على خلفية اتهامه في قضايا متعلقة بالإرهاب في سجن مشدد الحراسة في فلورنسا بولاية كولورادو.

* شاركت لورا بلومنفيلد وجولي تات في إعداد هذا التقرير

* «خدمة واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»