نتنياهو يلغي زيارته إلى واشنطن.. والبيت الأبيض ينفي وجود «خطة أميركية» للسلام

جونز: لا ننوي مفاجأة أحد * ملف إيران سيثار في اللقاءات الجانبية على هامش قمة الأمان النووي

الرئيس الأميركي باراك أوباما يلوّح مودّعا بمطار روزين في براغ أمس بعد توقيع معاهدة «ستارت» لخفض الأسلحة النووية الخميس الماضي مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف (رويترز)
TT

جاء إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلغاء زيارته إلى واشنطن في وقت تثار تساؤلات حول الخطوات المقبلة لإحياء محادثات السلام مع رفض إسرائيل حتى الآن تقديم خطوات ملموسة لبناء أرضية إيجابية للمحادثات. وبينما دارت تكهنات في الصحافة الأميركية حول تطوير «خطة أميركية» للسلام، نفى البيت الأبيض وجود مثل هذه الخطة في الوقت الراهن، مبقيا التركيز على المحادثات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي ما زالت معلقة بعد إعلان إسرائيل بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية الشهر الماضي.

وحاولت الإدارة الأميركية أمس التقليل من شأن الإعلان عن قرار نتنياهو إلغاء زيارته إلى واشنطن، التي حتى يوم أول من أمس كانت مجدولة، لحضور «قمة الأمن النووي». وأفاد نائب مستشار الأمن القومي الأميركي للاتصالات الاستراتيجية بين رودز في مؤتمر صحافي أمس أن «الإسرائيليين استشارونا بشكل وثيق حول هذه القضية ونقدر ذلك». ويذكر أن وزير الاستخبارات والطاقة الذرية الإسرائيلي دان مريدور سيمثل إسرائيل في قمة الأمن النووي. واعتبر رودز أن مريدور «هو الشخص المسؤول عن هذه القضية، وستمثل إسرائيل من قبل وفد قادر».

وحول التقارير الإسرائيلية التي أفادت بان نتنياهو قرر إلغاء الزيارة بسب جهود دول مثل مصر وتركيا لإثارة قضية برنامج إسرائيل النووي غير الشرعي، اكتفى رودز بقوله إن «نتنياهو اتخذ القرار بعدم حضور هذه القمة» وإنه يتحدث باسمه.. وهذه القمة تركز على الأسلحة النووية والمواد النووية التي قد تكون عرضة للخطر، ولا تتطرق إلى نظام منع انتشار الأسلحة النووية.

وأوضح ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» أن «إسرائيل حليف قوي، ونحن ننطلق للعمل معها عن كثب حول قضايا متعلقة بالأمن النووي». ولكن هذه الزيارة كانت تتزامن أيضا مع انتظار واشنطن إجابة من إسرائيل حول الخطوات التي ستتخذها لتحسين الظروف التي تؤدي إلى محادثات سلام غير مباشرة بإشراف المبعوث الأميركي الخاص للسلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل.

ولكن مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال جيم جونز صرح للصحافيين بأن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل «مستمرة وعلى ما يرام ومتواصلة». وأضاف جونز خلال تصريحات على متن طائرة الرئاسة الأميركية خلال العودة إلى واشنطن مع أوباما من براغ التي وقع فيها اتفاقا لخفض الأسلحة النووية مع روسيا: «من الواضح أننا نود حضور رئيس الوزراء، لكن نائب رئيس الوزراء سيقود وفدا، وسيكون وفدا إسرائيليا قويا».

من جهة أخرى، أوضح جونز أنه «لا قرار» اتخذ حول إمكانية طرح خطة أميركية للسلام في الشرق الأوسط. وصرح جونز بأن «المناقشات جارية حاليا ولم نتخذ أي قرار للإقلاع مجددا مع تغيير كبير في الاستراتيجية». وتابع: «ما ينبغي أن نقوله بوضوح، في رأيي، هو أننا لا ننوي، في أي وقت كان، مفاجأة احد». وأضاف أن أي إجراء يتخذ يرمي إلى تعزيز أمن إسرائيل ودعم كل مطلب «مشروع» لتأمين سيادة الفلسطينيين.

وأشار جونز وعدد من المسؤولين الأميركيين أمس إلى أنهم يتفهمون أسباب رفض نتنياهو المشاركة في قمة الأمن النووي الاثنين والثلاثاء في واشنطن.

وفي إسرائيل نقلت صحيفة «معريب»، أمس، على لسان مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن «نتنياهو تهرب من السفر إلى واشنطن حتى لا يضطر إلى سماع محاضرة جديدة من وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، حول أضرار الموقف الإسرائيلي على عملية السلام».

وكانت مصادر أخرى في إسرائيل قد قالت في مطلع الأسبوع إن الرئيس أوباما لم يخصص وقتا للقاء نتنياهو، وأبلغ مساعدوه إسرائيل أن لقاء كهذا لن يتم إلا إذا قررت الحكومة الإسرائيلية التجاوب مع المطالب الأميركية التي تتضمن تجميد البناء الاستيطاني في القدس والضفة الغربية. واتضح أن الأميركيين خصصوا لنتنياهو لقاء مع كلينتون. وأوضحوا أن مضمون اللقاء سيتركز حول هذه المطالب.

وذكرت مصادر مقربة من نتنياهو أن منظمي المؤتمر كانوا قد أبلغوا إسرائيل في الماضي بأن هدفه البحث في «خطر وصول السلاح النووي إلى أيد غير مسؤولة، وبالتالي وضعه تحت تصرف قوى الإرهاب في العالم». وفي هذه الحالة، يفترض، حسب المنطق الإسرائيلي، أن يتركز المؤتمر على خطر التسلح الإيراني. ولكن برنامج المؤتمر انحرف عن مساره وسوف يتاح فيه الحديث عن قضايا أخرى تتعلق بانتشار السلاح النووي. وأكدت هذه المصادر أن معلومات وردت إلى تل أبيب من واشنطن تقول إن مصر وتركيا وربما دول أخرى تنوي التطرق إلى التسلح النووي الإسرائيلي ورفض إسرائيل التوقيع على ميثاق تقليص السلاح النووي (NPT).

ويسعى أوباما إلى الحصول على دعم دولي لخطته لتأمين المواد النووية الخطرة التي يمكن استخدامها لتطوير سلاح نووي خلال السنوات الأربع المقبلة. ومع مشاركة 47 دولة في «قمة الأمن النووي»، 38 منها على مستوى رئيس دولة أو رئيس حكومة، تعتبر القمة التي دعا إليها أوباما أكبر اجتماع في التاريخ لبحث قضية «الأمن النووي»، كما أنها أيضا أكبر قمة يستضيفها رئيس أميركي منذ اجتماعات تأسيس الأمم المتحدة عام 1945. وتشكل هذه القمة أرضية لسياسة أوباما الجديدة لتخليص العالم على المدى البعيد من الأسلحة النووية، بالإضافة إلى مواجهة الدول التي تخرق معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، على رأسها إيران وكوريا الشمالية. ويركز البيت الأبيض على الطابع التاريخي للقمة التي تنعقد يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين ضمن جهود دعم أوباما كقائد مسؤول في ما يخص القضايا النووية، مع النظر إلى تداعيات ذلك على الدعم الدولي في مواجهة إيران بسبب برنامجها النووي. وأوضح نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية بن رودز في مؤتمر صحافي أمس أن «القمة مخصصة للأمن والتهديد النوويين»، مضيفا أن «القمة تبدأ باعتراف بالتهديد الخطير من محاولة الإرهابيين، ومن بينهم تنظيم القاعدة، الحصول على أسلحة نووية». وتابع أن «هناك خطرا مأساويا من إمكانية قيام الإرهابيين بهجوم بأسلحة نووية». وحذر رودز من أن «كمية مهمة من المواد النووية غير مؤمنة»، مشيرا إلى أن تلك المواد تشمل البلوتونيوم واليورانيوم العالي التخصيب وهي المواد الأساسية للأسلحة النووية. وعلى الرغم من أن القمة تركز على الأمن النووي وأن الجلسات على مدار اليومين تبحث إمكانية دعم كل دولة لتأمين المواد النووية، فإن الملف النووي الإيراني سيكون حاضرا في اللقاءات الثنائية التي يجريها أوباما مع عدد من قادة الدول، على رأسهم الرئيس الصيني هو جينتاو الذي ما زالت بلاده تعارض فرض عقوبات متشددة جديدة على إيران لعدم التزامها بقرارات مجلس الأمن حول برنامجها النووي. وأوضح رودز أمس أن «قضية إيران مختلفة عن أجندة القمة، لكن الولايات المتحدة ستواصل عملها مع شركاء في الدول الخمس زائد واحد لدفع إيران إلى الالتزام بواجباتها الدولية». وأضاف: «ستكون (إيران) ضمن نقاشات اللقاءات الثنائية التي يجريها الرئيس كما كان الحال في لقائه مع الرئيس (الروسي ديمتري) مدفيديف». وشرح رودز: «نريد أن نركز انتباهنا على الأمن النووي هذا الأسبوع، ولقد سعينا لتجنب القضايا الأكثر إثارة للجدل في الوقت الراهن». وأضاف: «نتوقع أن تثار قضايا عدة حول الملف النووي في اللقاءات الثنائية»، ولكنها لن تكون على الأجندة الرسمية للقمة من أجل ضمان التوصل إلى إجماع دولي على وثيقتين تخرجان من القمة للتعبير عن التزام واسع بالعمل على ضمان أمن المواد النووية. وبينما لا تريد الإدارة الأميركية أن تكون إيران القضية التي تطغى على اجتماعات الأسبوع المقبل، فإنها تواصل جهودها في الحصول على قرار جديد من مجلس الأمن لعقوبات ضد إيران. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية بي جي كراولي: «إيران ستكون موضوعا مهما في المحادثات» في واشنطن الأسبوع المقبل، مضيفا: «سنواصل عمل كل ما في وسعنا لإنتاج قرار مناسب بأسرع وقت ممكن». وحول تصريح أوباما برغبته رؤية قرار خلال الأسابيع المقبلة، قال كراولي: «نحن على علم بالهدف الذي وضعه الرئيس ونريد أن ننجز هذا الأمر بأسرع وقت ممكن، ونأمل أن ننتهي منه خلال أسابيع».

ومن المرتقب أن تشهد القمة التي تبدأ يوم الاثنين المقبل إعلان عدد من الدول اتخاذ خطوات أحادية الجانب تصب في مصلحة تأمين المواد النووية. ومن بين هذه الدول تشيلي التي أعلنت التخلي عن اليورانيوم العالي التخصيب لديها. وأعلنت «سلطة الأمن النووي الوطنية» الأميركية أمس أنها ستساعد تشيلي على ذلك، مشيرة إلى أن تشيلي خامس دولة تعلن عن التخلص من كل اليورانيوم العالي التخصيب منذ إعلان أوباما عزمه قيادة جهود دولية للتخلص من كل المواد النووية المعرضة للخطر حول العالم خلال 4 سنوات. ويذكر أن كمية غير معروفة من اليورانيوم العالي التخصيب نقلت من تشيلي بعد الزلزال المدمر التي ضربها في فبراير (شباط) الماضي إلى الولايات المتحدة.