كلينتون: واشنطن تسير على مسارين في الشرق الأوسط.. استئناف المفاوضات وبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية

طالبت دولا عربية بعدم التهديد بسحب مبادرة السلام

TT

طالبت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الدول العربية بعدم التهديد بسحب المبادرة العربية، قائلة، إذا كانت المبادرة «العرض الصادق الذي تبدو عليه، فيجب ألا نسمع تهديدات من بعض الدول العربية بأنها ستنسحب كلما واجهت تراجعا» في عملية السلام. ودعت كلينتون الدول العربية إلى «دفع مبادرة السلام العربية بالأعمال وليس فقط الأقوال وجعل السعي وراء المفاوضات وتحقيق اتفاق من الأسهل للفلسطينيين»، مضيفة: «نحن نتطلع إلى حوار أعمق حول تطبيق المبادرة والنتائج الملموسة التي قد تجلبها إلى شعوب المنطقة».

وكانت كلينتون تتحدث بمناسبة افتتاح مركز جديد تابع لدانيال إبراهام باسم «مركز دانيال إبراهام للسلام في الشرق الأوسط» ومقره واشنطن. وأشارت كلينتون في حديثها إلى وزير الخارجية الأردني ناصر جودة الذي حضر الحفل، قائلة: «أنا وصديقي وزير خارجية الأردن ناصر جودة، نتحدث طوال الوقت عن أهمية دفع هذه (القضية) للأمام. ولكننا نعلم أن هؤلاء المنتفعين من فشلنا في القيادة يتاجرون بالكراهية والعنف ويعطون قوة لرئيس إيران المعادي للسامية ومتطرفين مثل حماس وحزب الله».

وحمل خطاب كلينتون رسائل عدة، فبالإضافة إلى مطالبة دول عربية بعدم التهديد بسحب مبادرة السلام، هناك رسالة أخرى تؤكد التزام الرئيس الأميركي باراك أوباما بأمن إسرائيل والتحالف بينهما. كما أكدت أن الصراع العربي - الإسرائيلي أصبح له «دور في البيئة الجيو - استراتيجية العالمية التي تحمل وزنا كبيرا». لكنها كررت كلام أوباما بداية الأسبوع بأنه لا يمكن أن يكون الأميركيون أو أي أطراف دولية يريدون السلام أكثر من الإسرائيليين والفلسطينيين، قائلة إن القرارات يجب أن تأتي منهم.

وبينما تواصل واشنطن سعيها لاستئناف المفاوضات، فإنها في الوقت نفسه ستواصل دعم المؤسسات الضرورية لإقامة الدولة الفلسطينية من دون انتظار مسار المفاوضات فقط. وقالت كلينتون: «الولايات المتحدة تدعم مسارين في الشرق الأوسط: المفاوضات بين الأطراف بهدف الوصول إلى حل الدولتين وبناء المؤسسات التي تضع الأرضية الضرورية لدولة مستقبلية للفلسطينيين والضمانات الأمنية التي تزود الأمن لدولة إسرائيل». ولكنها أردفت قائلة إن «جميع هذه الجهود، بغض النظر عن السعي لتحقيقها، لا يمكن أن تنجح إذا ما كسب المتطرفون النقاش».

وحاولت كلينتون من خلال خطابها إعادة وضع الحديث عن السلام في إطار الصراع بين «المتطرفين» الذين يدعمون «التعايش» السلمي بين كل دول المنطقة، من دون الإشارة خطأ إلى عبارة «المعتدلين» التي اعتمدتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. وقالت: «الفشل في السعي لسلام شامل يحدث وسط صراع أيديولوجي حول مستقبل الشرق الأوسط»، مضيفة: «هناك في المنطقة هؤلاء المعادون للسلام الذين يعارضون بشدة التنازل والتعايش ولا يريدون مصلحة إسرائيل ولا مصالح الفلسطينيين».

وحذرت كلينتون من أن «كل خطوة بعيدا عن طاولة السلام وكل إثارة للعنف تضعف اللاعبين الإيجابيين في المنطقة الذين يريدون طي الصفحة والتركيز على بناء شرق أوسط أكثر أملا وأكثر ازدهارا».

واعتبرت كلينتون أن الخلاف بين حماس وفتح في فلسطين دليل على هذا الصراع، قائلة إنهما يمثلان «النقاشين المختلفين حول كيفية تحقيق طموحات الفلسطينيين. فحماس تأخذ أي فشل في عملية السلام كتبرير لرأيها.. والسلطة لديها المهمة الأصعب ألا وهي إقناع شعب مشكك، بأن السلام ليس فقط ممكنا بل أفضل طريق لتحسين حياته وتحقيق طموحاته».

وعددت كلينتون المشكلات في غزة، منها نسبة بطالة وصلت إلى 38 في المائة ومشكلات اقتصادية، معتبرة أن «حماس تعرقل الدعم الدولي وعمل المنظمات غير الحكومية الإنسانية وتفعل القليل لتطوير النمو الاقتصادي المستدام». وأضافت أن «حماس كشفت عن أنها غير مهتمة بالتنمية وبناء المؤسسات والسلام والتقدم». وفي المقابل قالت إن «منظمة التحرير الفلسطينية أثبتت نفسها شريكا ذا مصداقية للسلام»، مشيدة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ورئيس الوزراء سلام فياض.

وأشارت كلينتون إلى خطة السلطة لإقامة دولة فلسطينية خلال عامين، مشيدة بتلك الجهود ومؤكدة الدعم لها. ولكنها قالت إن هناك المزيد من العمل يجب القيام به، بما فيه «وقف العنف والتشجيع عليه ومواجهة الفساد وتثبيت ثقافة سلام وتسامح بين الفلسطينيين». وقالت إن على المجتمع الدولي والدول العربية دعم الفلسطينيين ماليا لبناء تلك المؤسسات. وكانت لهجة خطاب كلينتون مساء أول من أمس أقل شدة مع إسرائيل بعد خطاب كلينتون الشهر الماضي أمام مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية «أيباك» الذي طالب إسرائيل باتخاذ قرارات صعبة. وكررت كلينتون دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، قائلة: «منذ زمن أقررنا أن إسرائيل قوية وآمنة وناجحة، هو هدفنا المشترك ولكنه أيضا أساسي لمصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية، دولتانا وشعبانا مرتبطان بقيمنا المشتركة.. الحرية والمساواة والديمقراطية وحق العيش بحرية من الخوف وطموحاتنا المشتركة لمستقبل من السلام والأمن والازدهار».

كما ردت كلينتون على منتقدي أوباما في إسرائيل والتشكيك في التزامه باتجاهها، مشيرة إلى أن جده حارب في الحرب العالمية الثانية لمواجهة النازية بالإضافة إلى مشاركة عم والدته في تحرير معسكر «بوخنوالد» للنازيين. وأضافت: «أنا أعلم التزامه الصلب والثابت بأمن إسرائيل ومستقبلها ومنذ يومنا الأول في الإدارة جعلنا السعي للسلام الشامل أولوية لأننا مقتنعون بأن مستقبل إسرائيل البعيد هو الأمن، كدولة يهودية آمنة وديمقراطية تعتمد عليه».

وعلى الرغم من الخلاف الأميركي - الإسرائيلي حول أعمال إسرائيل الاستيطانية في القدس، فإن كلينتون لم تشر في خطابها إلى الأوضاع في القدس. مكتفية بالقول: «نشجع إسرائيل على مواصلة بناء التحرك تجاه سلام شامل من خلال إظهار الاحترام للطموحات المشروعة للفلسطينيين ووقف النشاط الاستيطاني ومعالجة الاحتياجات الإنسانية في غزة والامتناع عن الخطابات والأعمال الأحادية الجانب التي يمكن أن تضعف الثقة أو تهدد بتحديد نتيجة المفاوضات مسبقا».

ويأتي خطاب كلينتون قبل توجه المبعوث الأميركي الخاص للسلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل إلى المنطقة مجددا الأسبوع المقبل. وبعد لقائه عددا من المسؤولين الذين زاروا واشنطن الأسبوع الماضي لحضور «قمة الأمن النووي»، يستعد ميتشل للعودة إلى المنطقة لدفع الفلسطينيين والإسرائيليين إلى بدء مفاوضات غير مباشرة حول القضايا الرئيسية التي تسمح ببدء مفاوضات مباشرة بينهما. وبعد زيارة مسؤولين إسرائيليين إلى واشنطن بداية الأسبوع لبحث إمكانية التقدم في المفاوضات غير المباشرة، لم تخرج نتائج ملموسة بعد لبناء الثقة الكافية لاستئناف المفاوضات.

وشددت كلينتون على إيمانها بأن «السلام ممكن، ليس بناء على مثالية ليست في محلها أو بقايا سذاجة باقية في جسدي، بل لأنه يجب أن يحدث»، وأضافت: «... سنفعل كل ما بإمكاننا لنراه يتحقق».