الطيارون يفتقدون لمعايير محددة تمنعهم من التحليق وسط الغبار

دراسة أميركية: 80 طائرة تضررت بسبب السحب البركانية على مدى 15 عاما

TT

على مدار عقود كثيرة، كان من المعروف الخطر الذي يشكله الرماد البركاني على محركات الطائرات وجرت مراقبته. ومع ذلك، لم توضع حتى الآن معايير واضحة بشأن متى يسمح للطائرة بالتحليق عبر الغبار البركاني، ومتى يجب منعها.

وطبقا لما ذكره ريتشارد وندرمان، من «غلوبال فولكانيزم نتورك» التابعة لمعهد «سميثسونيان»، فإن علماء ومهندسين أجروا محاكاة لتأثير الرماد على محركات الطائرة أثناء وجودها على الأرض في مطلع تسعينات القرن الماضي، وتوصلوا إلى أنه ضخم. ويعد وندرمان عضوا في مجموعة عمل وطنية تعكف على دراسة القضية.

وخلال تقرير صدر عن هيئة المسح الجيولوجي الأميركية عام 1994، جرى وصف المشكلات المتعلقة بهذا الأمر، وحقيقة أن الكثير من طرق الملاحة الجوية المزدحمة تمر فوق مناطق تضم براكين نشطة، لكن التقدم جاء محدودا على صعيد توفير الأدوات التي يمكنها إطلاع الطيارين على ما إذا كانوا قد اقتحموا سحابة من الغبار البركاني، أو إنتاج أجهزة تنقية بمقدورها حماية المحركات، أو صياغة خطوط إرشادية ثابتة حول حجم الغبار البركاني الذي يعد مفرطا بالنسبة لقدرة محركات الطائرات، وبالتالي يجب تجنبه.

واعترف وندرمان أنه «للأسف، اتسم معدل التقدم على هذه الجبهة بالبطء. لا تزال الكثير من الجهود العلمية تبذل لتفهم طبيعة الرماد البركاني والحدود المميزة للطيران الآمن، ولكننا لا نزال نجهل أين يقع تحديدا الخط الفاصل هنا». واستطرد أنه في الوقت الذي تحسنت أساليب مراقبة الرماد البركاني بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة، لا تزال مسألة التعرف على وقت ظهور واختفاء سحابة الرماد البركاني في حكم المستحيل تقريبا.

يذكر أن الكثير من الحوادث شبه الكارثية بسبب الرماد البركاني نبهت العالم إلى خطورة المشكلة، وكان من بينها تعطل كامل لمحركات طائرات فوق إندونيسيا عام 1982 وألاسكا عام 1989، مما أدى إلى إنشاء نظام مراقبة عالمي لهذا الغرض. وتتولى «المنظمة الدولية للطيران المدني»، التابعة للأمم المتحدة، تنسيق عملية المراقبة وجهود التدريب على الاستعداد. وكان من المقرر عقد تدريبات في هذا الإطار في أوروبا هذا العام.

وقال وندرمان إن في إطار دراسة أجرتها هيئة المسح الجيولوجي الأميركية حول الرماد البركاني، جرى تفكيك طائرة طراز «كيه إل إم» كادت أن تتحطم في ألاسكا بسبب هذا الرماد لدراستها.

وفي مقدمته لهذه الدراسة، كتب توماس كاسادفال، المسؤول الأول عن الدراسة: «على مدار الأعوام الـ15 الماضية، تضررت أكثر من 80 طائرة نفاثة بسبب مصادفتها سحبا منبعثة من رماد بركاني في طرق جوية وداخل مطارات. وتسببت 7 من هذه الحوادث في فقدان قدرة المحرك على العمل أثناء الطيران، الأمر الذي كاد أن يسفر عن تحطم الطائرة».

وأشار وندرمان إلى أن الطائرات استمرت في اقتحامها سحبا من الرماد البركاني - مع وقوع أكثر من 100 حادثة على هذا الصعيد منذ عام 1970، طبقا لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية - لكن زيادة الموارد المالية الموجهة للتصدي لهذا التهديد «لم يشكل أولوية كبرى».

من ناحية أخرى، يتفهم المتخصصون على نحو كامل كيفية إضرار الرماد البركاني بمحركات الطائرات، حيث يتألف البركان، من بين عناصر أخرى، من قطع زجاجية صغيرة الحجم تكون تشكلت لدى ارتطام الصهارة البركانية بسطح الأرض الأقل في درجة الحرارة عنها بصورة بالغة. وتتصاعد هذه القطع الزجاجية شديدة الضآلة وبمقدورها المرور عبر محركات الطائرات، التي تتجاوز درجات الحرارة بها 2200 درجة أثناء تحليق الطائرة بأقصى سرعة لها. مرة أخرى، تصل قطع الزجاج إلى درجة من السخونة تبلغ حد الانصهار، وبالفعل تنصهر في صورة قطع وكرات كبيرة، ثم تتجمد ثانية في صورة زجاج عندما تلامس السطح المعدني الخارجي الأقل حرارة لصندوق المحرك.وتتمثل النتيجة النهائية في تكون مواد أكثر صلابة وأكثر حدة بمقدورها المرور عبر خط الوقود أو فتحات التهوية باتجاه توربينات المحرك. وقد يتوقف المحرك بسبب نقص الوقود أو التهوية، مما يتسبب في هبوط الطائرة بسرعة بالغة.

لحسن الحظ، فإن ديناميكيات التسخين والتبريد التي تخلق هذا الخطر البالغ أمام الطائرات هي ذاتها التي يمكنها إنقاذ الطائرة، ذلك أن المحركات التي توقفت عن العمل في خضم سحابات الرماد البركاني في إندونيسيا وألاسكا عادت للحياة مجددا بعد هبوط الطائرات إلى مستوى لم يصبح فيه السطح الخارجي باردا بما يكفي لمنع انصهار الحمم الزجاجية. حينئذ، يمكن للمحركات معاودة العمل.

داخل الولايات المتحدة، عادة ما تقع هذه المشكلة في ألاسكا وهاواي وشمال غربي المحيط الهادئ، حسبما أوضح ليس دور، المتحدث الرسمي باسم الإدارة الفيدرالية للطيران المدني. وتعكف مجموعات مراقبة تتلقى تمويلا من هيئة المسح الجيولوجي والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، علاوة على الولايات المتضررة، على دراسة سحب الرماد البركاني وتنبيه الكيانات المعنية لدى ظهور سحب الرماد على نحو يهدد الطائرات. وبعد ذلك، تصدر توجيهات للطيارين بتجنب مناطق معينة ويمكن أن تصدر أوامر لطائرة ما بالهبوط حال اقتحامها عن غير قصد سحابة من الرماد البركاني.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»