آلاف المسافرين مازالوا عالقين رغم 29 ألف رحلة جوية

«هيثرو» يتعافى ويحتاج إلى مزيد من الوقت ليعاود نشاطه بالكامل

ركاب في مطار كراتشي يقومون بإجراءات السفر أمس بعد أن بدأت الخطوط الجوية الباكستانية خططا لنقل 18،000 راكب عالقين في باكستان (أ.ف.ب)
TT

بعد أسبوع من الفوضى الناجمة عن ثوران البركان الآيسلندي أيافيول، استأنفت الملاحة الجوية نشاطها العادي تقريبا أمس، لكن الجدل مستمر حول كلفة هذا الشلل الذي عطل الشركات الجوية وأخّر المسافرين الذين لا يزال عشرات الآلاف منهم عالقين. وعلقت وزارة الدفاع البريطانية أمس الرحلات غير الضرورية لطائرات «تايفون» المقاتلة لإجراء فحوص تتعلق بالسلامة بعد العثور على غبار من بركان آيسلندا في بعض الطائرات.

وقالت المنظمة الأوروبية للملاحة الجوية (أوروكونترول) إن الملاحة الجوية استأنفت نشاطها بصورة طبيعية في أوروبا أمس عبر 28 أو 29 ألف رحلة. وأضافت أنه «من المتوقع إلغاء عدد صغير من الرحلات بسبب بعض القيود المحدودة على الرحلات (السويد والنرويج) ومشكلات لوجستية تواجهها الشركات التي تستأنف نشاطها». وأوضحت المنظمة أن النشاط «عاد إلى طبيعته» في مطار رواسي شارل ديغول الباريسي، لكن مطار هيثرو الذي يستقبل أكبر عدد مسافرين في العالم ما زال يحتاج إلى «بعض الوقت» ليستأنف نشاطه 100%.

وفي رواسي قالت المتقاعدة رايموند التي كانت تلهو مع رفيقاتها بالحديث عن «عودة الغيمة»، إنها تشعر بالاطمئنان، «ولو بقينا عالقين في الدار البيضاء فإن ذلك كان سيعتبر إجازة إضافية». واستمر الثوران البركاني في أي حال، كما قال الدفاع المدني الآيسلندي، إنما على المستوى نفسه الذي بلغه أول من أمس، عندما وصف حجم الرماد الذي يقذفه البركان بأنه «ضئيل».

وفيما لا يزال عشرات آلاف المسافرين عالقين ولم يصلوا إلى البلدان التي يسافرون إليها، فإن الرحلات المتوافرة لا تتيح تسوية الوضع على الفور، ويزداد الجدل المتعلق بالتعويضات التي قد تدفع أو قد لا تدفع، والمسؤولية عن توقف الملاحة. وأعلنت شركة «ريان إير» الأيرلندية «المتدنية الأسعار» أنها لن تدفع لمسافريها نفقات الإقامة والطعام إلا بسعر البطاقة التي اشتروها لرحلاتهم. وأعرب رئيس «ريان إير» مايكل أوليري عن استعداده للاحتكام إلى القضاء، فيما ينص قانون أوروبي، من حيث المبدأ، على أن تأخذ الشركات على عاتقها نفقات الإقامة الإضافية التي يضطر المسافرون إلى دفعها في انتظار أن يتمكنوا من السفر. وانتقد أوليري موقف السلطات الرسمية التي قررت منع الرحلات التجارية. وتساءل: «لماذا ننتظر بالتحديد من الشركات الجوية أن تدفع نفقات الفنادق والوجبات والمصاريف الأخرى، علما بأن الحكومات هي التي أوجدت هذه المشكلة؟». ومن جهة أخرى رأت هيئة مندوبي الشركات الجوية في بريطانيا أن «من الجائر» تطبيق قانون «يفترض أن يطبق على التأخير والإلغاءات الفردية للشركات، وليس على الإغلاق الشامل للمنظومة الجوية التي فرضتها حكومات من دون تحديد مهل زمنية».

ووجه أكبر شركتين للسفر في أوروبا «تي يو اي ترافل» و«توماس كوك» انتقادات حادة إلى تعامل لندن مع الأزمة، ونددا بحصول «فوضى حقيقية». وتحدثت بالنبرة نفسها الشركات الجوية. وقدرت الهيئة الدولية للنقل الجوي (اياتا) الخسائر الناجمة حتى الآن بمليار و700 مليون دولار، وانتقدت «البلبلة» الناجمة عن رد الفعل الأوروبي. وكان جيوفاني بيزينياني رئيس «اياتا» دعا أول من أمس الحكومات الأوروبية إلى «تحمل مسؤولياتها» ومساعدة الشركات التي وقعت ضحية «قوة قاهرة لا نستطيع حيالها شيئا». أما الحكومات الأوروبية فتذرعت في خضم الأزمة بأن الرماد البركاني يمكن في بعض الحالات أن يتجمد في محركات الطائرة ويعطلها، لكن لا توجد معايير دولية حول مستوى الخطر لتجمع الرماد، كما تقول المنظمة الدولية للطيران المدني.

وهذا ما أشار إليه أيضا هنري غودرو الخبير البركاني الفرنسي والمستشار التقني للأمم المتحدة. وقال: «لا يستطيع العلماء تقديم معلومات جديرة بالثقة عن تجمع الرماد في الأجواء ومتى تستطيع الطائرة أن تحلق ومتى لا تستطيع، في الداخل». وستكون العواقب الاقتصادية كبيرة في أي حال، حتى خارج القطاع الجوي والسياحي.

فقد اضطرت مصانع حتى في آسيا إلى تعليق إنتاجها لعدم توافر قطع الغيار، وفقدت منتجات قابلة للتلف، وسبب غياب ملايين العمال، كما يقول «رويال بنك أوف اسكوتلند»، بخسارة إنتاجية بلغت 500 مليون يورو يوميا في أوروبا وحدها. حتى إن وزير الاقتصاد الألماني راينر برودرل رأى أن توقف الأجواء الأوروبية «سيخفف» من قوة الانتعاش في البلاد.

من جهتها قالت وزارة الدفاع البريطانية أمس إنها علقت الرحلات غير الضرورية لطائرات «تايفون» المقاتلة لإجراء فحوص تتعلق بالسلامة بعد العثور على غبار من بركان آيسلندا في بعض الطائرات. وقالت متحدثة باسم الوزارة: «إنه إجراء احتياطي روتيني يتعلق بالسلامة. علقنا مؤقتا عمليات الطيران غير الضرورية». وحلقت الطائرات في طلعة روتينية أول من أمس. وقالت هيئة النقل الجوي الوطنية البريطانية إن القرار لم يؤثر على الرحلات المدنية التي استؤنفت مؤخرا بعد أسبوع من التأخير بسبب ثوران بركان في آيسلندا.

وقال باتريك هوروود المتحدث باسم الهيئة: «لم نجرِ أي تغيير على عملياتنا». وأضاف دون ذكر مزيد من التفاصيل أن «وزارة الدفاع تقوم بالطيران في مجال جوي مختلف». وأضافت المتحدثة باسم وزارة الدفاع أن بعض الطائرات التابعة لسلاح الجو الملكي تخضع لفحص للتحقق مما إذا كانت أضرار لحقت بمحركاتها. وتابعت: «في البداية كانت رواسب تشبه الغبار، لذا قاموا بفحصها وأكدوا أنها غبار بركاني.. ونحن الآن في انتظار نتيجة الفحص لمعرفة ما إذا كان هناك أي ضرر نجم عن ذلك».

إلى ذلك قال جهاز الحماية المدنية في آيسلندا إن ثوران بركان أيافيول تواصل صباح أمس، غير أن النشاط البركاني مستقر مقارنة بيوم الأربعاء. وأوضحت متحدثة باسم خلية الأزمة التابعة للحماية المدنية في ريكيافيك لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «الثوران مستمر، بيد أن النشاط (البركاني) مستقر وليس هناك أي مؤشر عن ثوران جديد». وأضافت أن سحب «الدخان تظل منخفضة ولم تزدد الهزات». بيد أن خبيرة الجيوفيزياء في مكتب الأرصاد شتينن ياكوبسدوتير قالت إن الهزات الناجمة عن البركان أقوى الآن من الوقت الذي كانت فيه سحب الرماد عند أعلى مستوياتها التي بلغت تسعة كيلومترات.

وأضافت في مؤتمر صحافي: «لا نعلم على وجه الدقة ما الذي يوحي به ذلك بالنسبة لنا. بالنسبة لي هذا يعني أن الأمر لم يتوقف بعد.. فالأمر بشكله الحالي يشي بأنه قد يستمر لبعض الوقت». وقالت خبيرة الزلازل برينديس براندسدوتير إن الهزات قد تكون مؤشرا على تجمع الحمم بالقرب من فوهة البركان. وأضافت لـ«رويترز»: «الحمم لا تتدفق من فوهة البركان. لا بد أنها تتجمع هناك».

وقالت إنه ما لم تجد تلك الحمم مخرجا لها من الفوهة فمن الأرجح أن تنساب عبر الجانب الشمالي للجبل، حيث حدثت فيضانات عندما بدأت ثورة البركان الأسبوع الماضي. وأضافت أن هذا الاتجاه يبعد غالبا عن الأماكن المأهولة. وقال عالم آخر إنه من الصعب التنبؤ بالأمر. وأضاف جوليانو بانسا مدرس علوم الزلازل بجامعة تريستي في إيطاليا: «مجال الاحتمالات واسع للغاية، فالبراكين يختلف بعضها عن بعض للغاية». وقال إن دراسة البراكين تشبه محاولة فهم ضربات القلب البشري. وتغير إيقاع النبضات قد يعني مشكلة بالنسبة لمريض وليس بالضرورة لمريض آخر.