قادة وجنرالات ومديرون.. اضطرهم البركان إلى رحلات طويلة برا

رئيس أستونيا عاد من تركيا عبر 9 دول والجنرال مكريستال استقل حافلة 17 ساعة

TT

عندما وصل توماس إتش ألفيز، رئيس أستونيا، تركيا الأسبوع الماضي، كان يتهيأ لزيارة رسمية واحدة، لكن ما خاضه بالفعل كان رحلة رئاسية برية شملت تسعة دول خلال أربعة أيام، وذلك بسبب الرماد البركاني الناشئ عن اشتعال بركان في أيسلندا، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان الرحلات الدبلوماسية الطويلة لحقبة ماضية. غادر ألفيز اسطنبول الأحد الماضي، ويوم الاثنين تناول العشاء سريعا مع الرئيس بوريس تاديك في صربيا. وفي بولندا، توقف لوضع إكليل من الزهور على قبر الرئيس ليخ كاتشينسكي. وفيما بين ذلك، تناول هو وسيدة أستونيا الأولى القهوة وقاما بزيارة متاجر على الطريق. خلال محادثة هاتفية عبر هاتفه الجوال، قال ألفيز أثناء اقترابه من أستونيا: «أنا لست أوديسيس عائدا إلى بينيلوبي بعد 20 عاما، الأمر كله لم يتجاوز أربعة أيام». ووصل الرئيس إلى أستونيا في الوقت المناسب لاستضافة عدد من الشخصيات رفيعة المستوى على مأدبة عشاء. الملاحظ أن المطارات في مختلف أرجاء أوروبا بدأت تستعيد نشاطها، أول من أمس، بعد أن تسبب الغبار البركاني في تعطيل حركة النقل الجوي عبر القارة لمدة أسبوع، ولا يزال الركاب غير واثقين من مواعيد انطلاق رحلاتهم. في المقابل، اختار آلاف آخرون السفر برا أو بحرا، وسردوا تفاصيل رحلات ملحمية مروا بها في خضم ذلك، شملت الكثير من التفاصيل وبكثير من النفقات ونقص لبعض المستلزمات. فقد اصطحب إريك ساندويس، بروفسور بجامعة إنديانا، الذي يقضي عاما في لندن لدراسة التاريخ الحضري، زوجته وطفليه التوأمين (14 عاما)، في رحلة خلال عيد الفصح إلى شمال إيطاليا. وبعد إلغاء شركة «ريانير» رحلتها الجوية إلى الوطن القادمة من بيزا، السبت الماضي، كان أقرب موعد حجز في القطار تمكنوا من الحصول عليه الثلاثاء الماضي. ووصلت تكلفة الوجبات وإيجار مكان للمبيت والحصول على أربعة من التذاكر الشحيحة للقطارات 1600 دولار، وهو ما يفوق بكثير المبلغ الذي يتوقع استرداده من شركة الطيران. وعن ذلك قال ساندويس لدى وصوله محطة سانت بانكراس في لندن: «لم أكن أعلم أني سأهدر هذا المبلغ على السفر». أما زوجته، فتحلت بنظرة فلسفية أكبر، خاصة في حديثها عن الوجود في عالم لا تزال الطبيعة قادرة خلاله على إثبات أنها القوة الأولى المهيمنة. وقالت: «إننا ركاب لديها ولسنا أسيادها». في الواقع، لم يكن هناك استثناء لأحد في معظم أرجاء أوروبا. على سبيل المثال، شرعت أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، في رحلة استغرقت وقتا يقارب ما استغرقته رحلة نظيرها الأستوني، لكنها بدأت هذه المرة من سان فرانسيسكو. في أعقاب توقف حركة الطيران في داكوتا الشمالية والبرتغال وروما، انتقلت ميركل داخل سيارة ليموزين مضادة للرصاص من إيطاليا إلى ألمانيا. وبالمثل، سافر الجنرال ستانلي إيه مكريستال، قائد القوات الأميركية وقوات «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) في أفغانستان، داخل حافلة برية على مدار 17 ساعة من باريس إلى برلين، كي يتمكن من عقد اجتماع موجز مع مسؤولين ألمان، أول من أمس. في موسكو، أثارت الصفوف الضخمة في محطة بيلوروسكي ذكريات الاتحاد السوفياتي السابق. وقد ساعد ذلك في ازدهار سوق سوداء لتذاكر النقل، بعضها مشكوك في صحته، حسبما ذكر مسافرون. في خضم ذلك، ظهرت شابة وطرحت عرضا بدا جيدا للغاية لدرجة تجعل من المتعذر رفضه، حسبما أوضح الملحن سيرغي دريزنين، الذي كان يحاول الوصول إلى ألمانيا. كانت الشابة تملك حافلة تحت تصرفها وتمكنت من نقل 50 فردا معها إلى كوبنهاغن عبر برلين بسعر أدنى بكثير من سعر السوق السوداء. وأشار دريزنين إلى أنها كانت تحاول أن تعوض من عائد الأموال التي سيدفعها الركاب تكاليف سفرها بالحافلة إلى حفل زفافها. بدا الأمر أشبه بمعجزة صغيرة، خاصة أن المرأة الشابة تمكنت من العثور على سائقين لديهما التأشيرات اللازمة للمرور عبر معظم أرجاء شرق أوروبا. إلا أنه بعد أن شرعت الحافلة في عبور الأراضي الروسية الواسعة، تذكرت الشابة أنها نسيت الأوراق اللازمة لشهادة زواجها في محطة القطار. وعليه، اضطرت هي والركاب برفقتها إلى العودة ثانية. وعندما شرعوا مجددا في رحلتهم، استغرق وصولهم إلى برلين 30 ساعة، وهي محطتهم الأولى. وعلق دريزنين بقوله: «أعتقد أن أوروبا كانت بحاجة إلى مثل هذا الحدث لتذكيرها بصعوبة الحياة». ويبدو أن الدرس المستفاد استوعبه الكثيرون، ليس داخل أوروبا فحسب. أما فريق عمل يعنى بالتصنيع والمبيعات من شركة «3 إم» في مينيابوليس فانقسم على نفسه حول كيفية الوصول إلى الوطن عائدين من وسط إنجلترا. وعن هذا، أوضح فرانك كلينك، مدير أحد معامل الشركة، أنه «نعتمد حاليا على الخطة البديلة الخامسة، وربما تتضمن الخطتان البديلتان السادسة والسابعة السفر بحرا». لدى استعداده للسفر، حمل برنت ويست، المدير الأميركي العام لإحدى الشركات المعنية بصناعة الغاز الطبيعي، معه قميصا وملابس داخلية وزوجا من الجوارب فقط فيما ظن أنه سيقطع رحلة سريعة ليوم واحد فقط من مقر رئاسة الشركة في إنجلترا إلى فنلندا. في أعقاب ركوبه ثمانية قطارات وثلاث سفن وسيارة على مدار ثلاثة أيام، تولد لديه إعجاب جديد من نوعه بالقطع المترابطة المتداخلة من عالمه. وعلق بقوله: «يثير هذا الأمر في نفسك التساؤل حول ما إذا كنت بحاجة إلى إلقاء نظرة أعمق على أمور، مثل مصادر الغذاء التي تعتمد عليها». أما الرئيس الأستوني وزوجته والوفد المرافق لهما المؤلف من 14 فردا، فتمتعوا برحلة أكثر يسرا، لكنها لم تكن أقصر أمدا، حيث استأجر ألفيز والوفد المرافق له حافلة لنقلهم إلى الوطن من تركيا، إلا أن البروتوكولات الأمنية المتبعة في بعض الدول فرضت أن يركب وزوجته في سيارة منفصلة في معظم الوقت. في كل دولة مر خلالها، عمل على تقييم حالة الطرق ومدى توافر خدمة شبكة الإنترنت، وتوصل إلى أنها كانت أفضل في بعض الدول بصورة ملحوظة عن أخرى. لكن ألفيز حرص على عدم تسمية دول بعينها في هذا الصدد.

رغبة منه في قتل الوقت، شرع ألفيز في قراءة كتاب عن التاريخ الأدبي الأستوني ومجموعة من المقالات للفيلسوف إسايه بيرلين. وعكفت زوجته، إفلين، على القراءة أيضا. وفي الأوقات التي تمكن خلالها من الدخول إلى شبكة الإنترنت، عمد إلى تحميل مقالات صحافية لقراءتها. وأجرى الكثير من الاتصالات الهاتفية بمكتبه. وكان ألفيز مدركا تماما لتغير الفصول، حيث انتقل من الربيع في جنوب أوروبا إلى أستونيا، حيث كان الجو أكثر برودة. وذكره أحد أصدقائه بأن مصيره أفضل بكثير من مصير الملك تشارلز الثاني عشر، ملك السويد، الذي بعد سنوات من الحبس في أعقاب معركة خاضها ضد الروس في مطلع القرن الثامن عشر، احتاج إلى ستة أيام ونصف لقطع مسافة 870 ميلا إلى الوطن. وقد اضطروا إلى قطع حذائه من قدمه لدى وصوله أخيرا إلى السويد. وعلق ألفيز بقوله: «أعتقد أنهم لن يحتاجوا لفعل ذلك معي».

* ناديم أودي شاركت في التقرير من باريس، ودان بيليفسكي من وارسو، ورافييل مايندر من مدريد.

* خدمة «نيويورك تايمز»