منع النقاب في فرنسا سيسري على السياح

انهيار في شعبية ساركوزي واستطلاعات تفيد بأنه سيهزم في الانتخابات المقبلة

منقبتان تسيران في أحد شوارع باريس أمس (أ.ف.ب)
TT

أثار القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية الفرنسية بتقدم الحكومة بمشروع قرار إلى البرلمان يمنع بموجبه ارتداء البرقع منعا تاما في كل الأماكن العامة في فرنسا بما في ذلك الشوارع، موجة من الجدل الساخن في الوسط السياسي والإعلامي، وضاعت الخطوط السياسية التقليدية بين اليمين واليسار.

ومما يزيد من سخونة الجدل أنه يأتي على خلفية «استدارة» ساركوزي في اتجاه خطاب أكثر تشددا ويمينية في موضوع أمن الضواحي والهجرة، وهي الموضوعات التي ضمنت له الفوز في الانتخابات الرئاسية الماضية. وبرز هذا التحول بوضوح عقب الهزيمة الكبيرة التي مني بها اليمين في الانتخابات الإقليمية وما ظهر من ضعف موقع الرئيس وبروز منافسين رئاسيين له من داخل حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» الحاكم؛ ومنهم رئيسان سابقان للوزراء: ألان جوبيه ودومينيك دو فيلبان، فضلا عن منافسة رئيس مجموعة النواب اليمينيين في «الجمعية الوطنية» جان فرنسوا كوبيه. وترافق كل ذلك مع انهيار شعبية ساركوزي بشكل حاد وظهور استطلاعات للرأي تفيد بأنه سيهزم في المنافسة الرئاسية وأنه لم يعد المرشح الأفضل لليمين التقليدي.

وهاجم الحزب الاشتراكي (المعارض) أمس عزم الحكومة في ما يخص موضوع النقاب. وكان أكثرهم عنفا رئيس الحكومة الأسبق لوران فابيوس الذي اتهم رئيس الجمهورية بانتهاج «سياسة التوتير» لأهداف انتخابية في حين أن دور الرئيس «ليس اختلاق المشكلات بل حل الموجود منها».

ويؤخذ على رغبة الرئاسة والحكومة على السواء 3 أمور أساسية؛ أولها أن القانون لن يمر حتى لو صوت عليه البرلمان لمخالفته نصوص الدستور الفرنسي. والأمر الثاني يتمثل في صعوبة تطبيقه عمليا حتى لو اجتاز العقبات الدستورية الفرنسية والأوروبية. أما المأخذ الثالث فيكمن في أنه «يستهدف» مجموعة دينية محددة، هي مسلمو فرنسا، الذي من شأنه التصويب عليها والحط من شأنها، علما بأن ظاهرة البرقع هامشية جدا، ولا تتعدى ألفي امرأة على كل الأراضي الفرنسية.

وقال فابيوس إن موقف ساركوزي «لا يتوافق مع أسس القوانين الفرنسية»، بينما أعلن الشيوعي بيار لوران أن القرار الرئاسي «يستهين بالرأي الذي عبر عنه مجلس شورى الدولة» في وقت سابق بناء على طلب تقدم به رئيس الحكومة فرنسوا فيون. وأفتى المجلس المذكور بأنه «لا أساس دستوريا لمنع مطلق» لارتداء البرقع على الأراضي الفرنسية، بينما بالإمكان إصدار قانون أو ترتيبات تمنعه في المكاتب العامة والأماكن الحساسة (المدارس، البنوك، المحطات، الإدارات الرسمية...) بحجة السلامة العامة والمحافظة على الأمن، الأمر الذي يفترض إبراز الوجه. ووصف لوران الخيار الرئاسي - الحكومي بأنه «موقف استفزازي» لا تحتاجه فرنسا التي تعاني من عشرات الصعوبات الحياتية والاجتماعية والاقتصادية. واتهم لوران الرئيس الفرنسي بالسعي لإحداث انقسامات داخل المجتمع الفرنسي لأغراض «سياسية».

وإذا ما أقرت فرنسا هذا القانون تكون ثاني بلد بعد بلجيكا يمنع النقاب بشكل جذري. اتهم فيلبان ساركوزي بـ«المزايدة الأمنية» وهو ما يعتبره «تصرفا استفزازيا خطيرا»، داعيا الحكومة إلى الاهتداء بـ«المصلحة العامة» مما يعني الابتعاد عن المصالح الفئوية أو السياسية الضيقة.

في المقابل انبرى أعضاء الحكومة للدفاع عن خيار ساركوزي؛ فاعتبرته نادين مورانو، وزيرة شؤون العائلة، مهما لحماية «كرامة المرأة». وكشفت مورانو أن القانون سيطبق حتى على النساء اللاتي يطأن الأراضي الفرنسية بما يعني أن ذلك سيشمل السياح. وكانت جهات كثيرة تساءلت عن كيفية التعامل مع النساء المسلمات والخليجيات على وجه الخصوص اللاتي يأتين إلى باريس والمدن الأخرى للسياحة أو للتبضع، خاصة في المحلات الفاخرة القائمة في محيط الـ«شانزليزيه». وتساءل المعلقون: «هل ستقبض الشرطة على هؤلاء النسوة وهل سيتم وضعهن في السجن أم ستتم إعادتهن إلى طائراتهن؟ وشددت مورانو على أن الغرض من القانون الموعود هو «احترام مبدأ العلمنة» وتطبيقه على الجميع على الأراضي الفرنسية. وقالت مورانو: «عندما نصل إلى بلد ما، علينا احترام قوانينه النافذة. وهذا ينطبق على الجميع». وتستعد الحكومة لتقديم مشروع قانون الشهر القادم. وبسبب تمتعها بأكثرية مريحة في مجلسي النواب والشيوخ، فإن القانون سيمر. لكن يتعين عليه لاحقا اجتياز عقبة مجلس شورى الدولة ثم المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان.