بريطانيا: المحافظون والديمقراطيون الأحرار يتفاوضون على 3 سيناريوهات

غالبية المحللين يرجحون اتفاقا قصير المدى تعقبه انتخابات جديدة قبل نهاية العام

كاميرون يطلع على صحف الأحد أمام منزله في غرب لندن أمس (رويترز)
TT

استأنف حزبا «المحافظين» و«الديمقراطيين الأحرار» أمس مفاوضاتها من أجل التوصل إلى اتفاق حول تقاسم السلطة، ينهي الأزمة الدستورية الناجمة عن عدم إفراز الانتخابات التشريعية البريطانية غالبية مطلقة.

واجتمع المفاوضون المحافظون والديمقراطيون الأحرار صباح أمس في محاولة لتحقيق تقدم في المفاوضات التي انطلقت مساء الجمعة على أثر تقديم زعيم المحافظين ديفيد كاميرون «عرضا شاملا» للديمقراطيين الأحرار. وصرح عضو حزب المحافظين وليام هيغ المرشح لمنصب وزير الخارجية في الحكومة المقبلة أن المحادثات تجري «وفقا لاحترام مواقف كل فريق». واضطر المحافظون إلى تقديم هذا العرض بعدما فشلوا في الحصول على الغالبية المطلقة في انتخابات الخميس الماضي حيث فازوا بـ306 مقاعد نيابية متقدمين على حزب العمال بزعامة رئيس الوزراء غوردن براون (258 مقعدا)، إلا أنه ينقصهم 20 مقعدا للحصول على الغالبية المطلقة. وحل الديمقراطيون الأحرار في المرتبة الثالثة بحصولهم على 57 مقعدا، ما وضعهم في موقع «صانعي الملوك».

وهذه أول انتخابات منذ عام 1974 لا يفوز فيها حزب واحد بالسيطرة الكاملة. وجاء ذلك في وقت يزيد فيه العجز في الميزانية البريطانية عن 11% من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة لم تشهد البلاد مثلها من قبل في زمن السلم وأثارت التوتر في أسواق المال. وتريد الأسواق تشكيل حكومة مستقرة تبدأ في أقرب وقت ممكن العمل بكل جهد على خفض العجز.

وقال مايكل غوف المتحدث باسم المحافظين لشؤون التعليم وأحد أوثق حلفاء كاميرون لتلفزيون «بي بي سي»: «الأجواء جيدة. هناك استعداد للمحاولة وتسوية الخلافات بما يتفق والمصلحة الوطنية». وأضاف أن من المهم أن يظهر الجانبان تقدما بحلول (اليوم) الاثنين حين تفتح الأسواق، لكن أي اتفاق سيسمح لها بالشعور بالارتياح. وحين سئل عما إذا كان مستعدا للتخلي عن فرصته لشغل منصب وزاري ليفسح المجال لعضو من الديمقراطيين الأحرار والمساعدة في إبرام اتفاق، رد بالإيجاب دون تردد. وعدد غوف 3 سيناريوهات يجري التفاوض بينها، وهي: تشكيل حكومة أقلية للمحافظين يدعمها الديمقراطيون الأحرار بالبرلمان في قضايا أساسية معينة، أو ائتلاف ذي صبغة رسمية أكبر مع تشكيل حكومة تضم وزراء من الحزبين، أو وضع بين الحالتين.

واستؤنفت المفاوضات أمس بعد أن أجرى زعيم المحافظين ديفيد كاميرون أول من أمس، أول لقاء على انفراد مع زعيم الديمقراطيين الأحرار، نيك كليغ، منذ إجراء الانتخابات، وقد وصف الطرفان اللقاء بأنه «ودي وبناء». وكان النواب الديمقراطيون الأحرار «صادقوا» أول من أمس على «مقاربة نيك كليغ» الذي كان أعطى الجمعة «الأولوية» للمحافظين لتشكيل الحكومة الجديدة.

وكان محافظون استبعدوا إمكانية التوصل إلى اتفاق قبل اليوم الاثنين على أقرب تقدير، في استباق لإمكانية انعكاس الأمر سلبا على الأسواق التي تأثرت الجمعة بشكل كبير. ومن المقرر أن يجتمع النواب المحافظون اليوم.

من جهته، رفض كليغ صباح أمس الالتزام بموعد محدد مكتفيا بالإشارة إلى رغبته في «أداء دور بناء في هذه الأوقات التي تشهد تقلبات اقتصادية كبيرة». وحددت المهلة القصوى للتوصل إلى اتفاق في 25 مايو (أيار) الحالي، وهو الموعد الذي ستطرح فيه الملكة برنامج الحكومة الجديدة التي يتم تقليديا التصويت على منحها الثقة.

في غضون ذلك، يبقى مصير رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون معلقا. وهو - براون - أبدى في اليوم التالي للانتخابات استعداده للحوار مع الديمقراطيين الأحرار في حال فشلت محادثاتهم مع المحافظين. كما أجرى براون السبت، بناء على طلبه، اجتماعا مع نيك كليغ. إلا أن هذا اللقاء لن يحول دون تقارب الحزب مع المحافظين، حيث أكد متحدث باسم الحزب أن «الديمقراطيين الأحرار سيواصلون المقاربة التي أرادها نيك كليغ».

ويرى عدد من المحللين أن الاتفاق بين المحافظين والديمقراطيين الأحرار يجب أن لا يتحول إلى ائتلاف وإنما يقتصر على تحالف آني. في حين يرى ديمقراطيون أحرار أن «زواجا» بين المحافظين وحزبهم يبدو مخالفا للطبيعة. فالحزب الوسطي يميل أكثر إلى اليسار ونقاط الاختلاف كثيرة وفعلية مع المحافظين لا سيما في مجال إصلاح قانون الانتخاب الذي يصفه الديمقراطيون الأحرار بالجائر.

ويطالب الديمقراطيون الأحرار بالنسبية بدلا من نظام الغالبية الأحادية القائم، بينما يقترح المحافظون البحث في الموضوع. وقد يكون عرض حزب العمال أكثر إغراء بالنسبة إلى الديمقراطيين الأحرار، حيث وعدهم براون باستفتاء حول إصلاح النظام الانتخابي. وقال النائب في حزب الديمقراطيين الأحرار سايمن هيوز، وهو أحد الوجوه اليسارية في الحزب، إن المحافظين «ليسوا تقدميين»، مضيفا أن «نجاح المفاوضات ليس مضمونا. وإذا فشلت يجب اللجوء إلى خيارات أخرى»، مشيرا إلى «إمكانية» التفاهم مع حزب العمال.

وجاءت رسالة داخلية لحزب المحافظين لتوسع الهوة مع الديمقراطيين الأحرار بشأن نقطة حساسة أخرى: وهي أوروبا. فالوثيقة التي حصلت صحيفة «الأوبزرفر» على نسخة منها تدعو إلى التشدد حيال الاتحاد الأوروبي، وتكرر التأكيد على عدم التخلي «أبدا» عن الجنيه لمصلحة اليورو. في حين يضع الديمقراطيون الأحرار هذا الخيار (اعتماد اليورو) هدفا لهم «على المدى البعيد».

ومع استمرار المفاوضات بين المحافظين والديمقراطيين الأحرار لليوم الثاني على التوالي، تحدث محللون عن وجود عقبات هائلة أمام الديمقراطيين الأحرار لإبرام اتفاق سواء مع المحافظين أو العمال. ويرجحون بدرجة أكبر تشكيل المحافظين حكومة أقلية تحكم دون اتفاق رسمي لاقتسام السلطة. لكن عودة زعيم المحافظين ديفيد كاميرون إلى الناخبين لطلب تفويض أقوى لن تكون بعيدة. وقال أندرو راسل المحاضر السياسي الكبير بجامعة مانشستر: «الاحتمالات هي أن تكون هناك انتخابات (جديدة) خلال العام ما لم يستطيعوا إبرام اتفاق شراكة مجد». واتفق معه مارك ويكهام جونز أستاذ العلوم السياسية بجامعة بريستول في أن إجراء انتخابات أخرى خلال عام يكاد يكون أمرا مؤكدا. وقال إن أقرب انتخابات أخرى قد تجري الخريف المقبل. وأضاف «يجب أن يكون هناك وقت معقول يفصلنا عن الانتخابات» المقبلة.

كما يرى نورمان تيبيت الوزير بحكومة المحافظين السابقة أن احتمال إجراء انتخابات جديدة بات قريبا. وقال لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): «الناخبون يوم الخميس قالوا بشكل أساسي لزعماء الحزب: انظروا نحن لا نعتقد أنكم كنتم صريحين وصادقين معنا، والشيء الأفضل سيكون انتخابات جديدة خلال 12 شهرا».

وكانت آخر مرة لم تعط فيها انتخابات بريطانية الأغلبية لحزب من الأحزاب في فبراير (شباط) 1974 عندما قاد رئيس الوزراء العمالي هارولد ويلسون حكومة أقلية لأشهر قليلة قبل أن يدعو لإجراء انتخابات جديدة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه ليفوز بأغلبية بسيطة. وكان ويلسون قد فاز قبل 10 سنوات بهامش ضئيل في انتخابات عام 1964 لكنه عاد إلى صناديق الاقتراع بعد عامين محققا أغلبية أقوى.