اتفاقية جديدة لنهر النيل تثير غضب الحكومة المصرية.. وتلغي اتفاقيتي 29 و59

4 دول وقعت وغابت 3 دول وقاطعت مصر والسودان.. وزير مصري لـ «الشرق الأوسط»: الاتفاق ليس له قيمة إلزامية

الرئيس السوداني عمر البشير خلال احتفال أقيم أخيرا لافتتاح خزان مروى العملاق على النيل (إ.ب.أ)
TT

وقعت أربع من دول حوض النيل، هي إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا، أمس، اتفاقية إطارية مثيرة للجدل بشأن تقاسم مياه النيل، أكبر أنهار القارة الأفريقية، رغم غياب دولتين من دول الحوض هما بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومقاطعة مصر والسودان المعارضتين بشدة لهذا الاتفاق. فيما أعلنت كينيا الدولة التاسعة دعمها الكامل للاتفاقية الجديدة، مؤكدة رغبتها في توقيعها «في أقرب وقت ممكن». وأعرب مسؤولون في الحكومة المصرية أمس عن رفضهم للاتفاقية، قائلين إن القاهرة متمسكة باتفاقيات سابقة تمنحها حصصا ثابتة من مياه النيل تصل إلى 95% من الموارد المائية، داعين في الوقت نفسه إلى الحوار والتعاون مع دول المنبع السبع.

وجرى توقيع هذه الاتفاقية الجديدة، التي يتم التفاوض عليها منذ نحو عشر سنوات بين الدول التسع المشاطئة للنهر من أجل تقاسم أكثر عدالة لمياهه، في مدينة عنتيبي بأوغندا. ولم تشارك مصر والسودان، المستفيدان الرئيسيان من مياه النيل بموجب الاتفاقية الأخيرة لتقاسم المياه الموقعة في 1959، رسميا في مراسم التوقيع، ويؤكدان أن لهما «حقوقا تاريخيا» في النيل. وكان البلدان أعلنا صراحة منذ أشهر معارضتهما لمشروع هذا الاتفاق الإطاري الجديد الذي لم تعلن تفاصيله كاملة. كذلك تغيب عن حفل التوقيع ممثلو بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومن ثم لم يوقع البلدان بالأحرف الأولى على الاتفاقية الجديدة.

ولا يشير النص الجديد إلى أي أرقام، للحجم أو الأمتار المكعبة، للتقاسم المقبل للمياه، لكنه «يلغي» اتفاقي 1929 و1959، ويسمح لدول الحوض باستخدام المياه التي تراها ضرورية مع الحرص على ألا تضر بالدول الأخرى. كما ينص الاتفاق على إنشاء مفوضية لحوض النيل تكلف بتلقي كل المشاريع المتعلقة بالنهر (من قنوات ري وسدود) وإقرارها. وسيكون مقر هذه المفوضية أديس أبابا، وستضم ممثلين للدول التسع المعنية.

وقال الوزير الإثيوبي للموارد المائية اسفاو دينغامو معلقا إن «هذا الاتفاق يفيدنا جميعا ولا يضر بأحد»، معربا عن ثقته التامة «في أن كل دول حوض النيل ستوقعه». وأضاف دينغامو أن «التعاون ليس خيارا وإنما ضرورة. النيل مورد للجميع وليس لعدد محدود» من الدول. وقال «لا أعتقد أننا نتجه إلى حرب مياه. إذا عملنا معا وتعاونا فإن النيل سيغطي احتياجات الجميع». من جانبه قال الوزير الرواندي للأراضي والمياه ستانيسلاس كامانزي «نأسف للغياب المعلن والمتعمد لشقيقتينا العزيزتين مصر والسودان».

ويقول الموقعون إن الاتفاق الجديد، الذي كان يجري التفاوض حوله منذ نحو عشر سنين بين الدول التسع التي يمر عبرها النيل، يهدف إلى تنظيم استغلال مياه النيل وتوزيع الحصص بالتساوي بين كل الدول التسع من أجل تقاسم أفضل لمياه النهر.

ولم يحضر ممثلا بوروندي والكونغو الديمقراطية حفل التوقيع أمس، ولم يوقعا الاتفاق بالأحرف الأولى، فيما تحفظت كينيا على توقيع الاتفاقية، أما مصر والسودان، اللذان يعتمدان بشكل أساسي على النيل في التزود بالمياه، فقد قاطعا هذا الاتفاق الجديد منذ البداية، وكانا قد أعربا عن معارضتهما للاتفاق. وقالا «إن الاتفاقية التي وقعت أمس لا قيمة لها من الناحية القانونية بالنسبة للدول التي لم توقع عليها»، في إشارة إلى مصر والسودان.

ورفضت مصر الاتفاق، مؤكدة معارضتها الشديدة لها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية حسام زكي في بيان إن «مصر لن تنضم أو توقع على أي اتفاق يمس حصتها من مياه النيل وحقوقها التاريخية» في هذا النهر. وأكد أن «مثل هذا الاتفاق لا يعد ملزما لمصر بأي شكل من الأشكال من الناحية القانونية».

من جانبه، أكد وزير الموارد المائية والري محمد نصر الدين علام «قدرة مصر وثقتها الكاملة في الحفاظ على كل حقوقها التاريخية في مياه النيل وعدم المساس بحصتها». وقال الدكتور مفيد شهاب، وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية بمصر، لـ«الشرق الأوسط»، إن الاتفاق المبرم بين دول منبع النيل لا يرتب أثرا قانونيا في مواجهة مصر. وأضاف أن التوقيع ليس له قيمة إلزامية بالنسبة لمصر والسودان، لأن أي اتفاق لا يرتب أثرا إلا بالنسبة لمن وقع عليه وصادق عليه.

وعما إذا كانت مصر يمكن أن تجد سندا من القانون الدولي في حال استشعارها خطر المساس بحصتها من مياه النيل، قال شهاب «طبعا مصر حقوقها القانونية ثابتة ولا يمكن التشكيك فيها، لأن حصة مصر ثابتة باتفاقيات ثنائية مبرمة بينها وبين دول المنبع، وهي متمسكة بهذه الاتفاقيات، وبما قررته من حصص أصبحت حقوقا تاريخية ثابتة لها لا يمكن أن يشكك فيها أحد.. هذا فضلا عن المبادئ أو قواعد قانون الأنهار الدولية العرفية التي تقرر أن الدول المطلة على أي نهر دولي أي يمر بأكثر من دولة، ليس من حقها أن تقوم بتصرفات في الجزء الذي يمر في أرضها يمكن أن تؤثر على سلامة الملاحة أو أن تؤثر على مصالح الدول الأخرى»، مثل إقامة جسور أو سدود أو أي شيء يمكن أن يلحق ضررا بباقي الدول فيما بعد.

وعما إذا كانت مصر تشعر بالقلق من أن هذا الملف يمكن أن يتطور إلى حدود غير محمودة العواقب، يجبرها على التدخل فيه بشكل أقوى.. قال الدكتور شهاب «لا نريد أن نقفز إلى النتائج، وكأننا نسعى إلى الصراع»، وقال «ألحظ أن كثيرا من الأسئلة التي توجه من أجهزة الإعلام حول هذا الموضوع تستعجل الصدام، وكأنها تريد أن تقول متى سيكون إعلان الحرب. وأنا أريد أن أقول للجميع إنه ما زال أمامنا شوط طويل في الحوار والتفاوض على كل المستويات الأعلى»، مشيرا إلى مزيد من الاتصالات المكثفة لفتح مجالات تعاون مع دول المنبع وشرح الحقائق لها «هناك زيارات مكثفة من جانبنا لهذه الدول في الأيام القليلة القادمة، وعلى مستويات عالية، وسوف نستقبل أيضا وفودا رسمية عالية لمواصلة الحوار».

وقال الدكتور شهاب «نحن لا نريد أن ندخل في معركة تفاوضية لينتصر فريق ضد فريق، إنما ندخل في حوار لتبادل وجهات النظر حول ما هي المشروعات المشتركة التي يجب أن تتم بحيث إنها تزيد موارد المياه لدول المنبع وتساعدهم في إقامة جسور أو سدود أو مشروعات استصلاح أراض تمكنهم أكثر من الاستفادة من مياه النيل، وفي الوقت نفسه هذه الاستفادة لا تضرنا نحن ولا تنال من حصتنا».

وتابع الوزير شهاب قائلا «نريد أن نصل لمعادلة تفيد دول المنبع ولا تنال من حصتنا، لأن حصتنا تكاد بالكاد تغطي احتياجاتنا. نحن نحصل على 55.5 مليار متر مكعب طبقا لاتفاقيتي 1929 و1959، ونصيب الفرد (في مصر) الآن 700 متر مكعب، في حين أن حد الفقر المائي الذي حددته المنظمات الدولية 1000 متر مكعب. وبالتالي، ومع ما نحن نتمسك به ومصرون عليه، ما زلنا تحت خط الفقر المائي. حقوقنا القانونية ثابتة، ولا يستطيع أحد أن يشكك فيها».

وأضاف الدكتور مفيد شهاب أن المسألة بالنسبة لمصر «مهمة جدا ومؤثرة للغاية. موارد النيل تمثل 95% من المياه التي نستغلها، في حين يتراوح ما تأخذه دول المنبع الأخرى من مياه النيل بين 3% و15%، لأن لديهم موارد أخرى للمياه».

ومن جانبه، شدد الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري المصري، على أن بلاده ستتخذ كل الإجراءات القانونية والدبلوماسية اللازمة للحفاظ على حقوقها المائية واستخداماتها المائية المختلفة، قائلا إن توقيع اتفاقية منفردة بين بعض دول حوض النيل يقع خارج مبادرة النيل ويفتقد إلى المشروعية الدولية. وقال علام في تصريحات له أمس إن «موقف مصر ثابت ومعلن تجاه كل القضايا المتعلقة بالمياه في دول حوض النيل. توقيع أي اتفاقية بدون مصر والسودان غير مجد لكل دول النيل وبالأخص دول المنبع».

وقالت وزارة الخارجية المصرية إن قيام بعض دول منابع النيل بالتوقيع على اتفاق للتعاون المائي فيما بينها لا يعفي تلك الدول من التزاماتها بموجب قواعد القانون والعرف الدوليين والممارسات القائمة. وأضافت الخارجية على لسان المتحدث الرسمي باسمها، السفير حسام زكي، أن مثل هذا الاتفاق يهدد بفشل مبادرة حوض النيل، وأن مصر لن تنضم أو توقع على أي اتفاق يمس حصتها من مياه النيل وحقوقها التاريخية، مشيرا إلى أن التوقيع على هذا الاتفاق لا يمثل في حد ذاته خطورة على حصة مصر، خاصة أن هذا الاتفاق الجديد يماثل آلية التنسيق القائمة بالفعل تحت مظلة تجمع شرق أفريقيا.

وقال زكي إن ما يهم بلاده من الناحية العملية هو عدم قيام أي مشروعات مائية في أي من دول حوض النيل تؤثر سلبا على حصتها المائية، وهذا أمر تحكمه قواعد القانون والعرف الدوليين، وأن هناك قواعد دولية تحكم تقديم التمويل لأي مشروعات على الأنهار المشتركة، وأن تلك القواعد تنص على مبدأ عدم إحداث ضرر لدول المصب. وأشار إلى أن قواعد البنك الدولي على سبيل المثال تؤكد على أهمية التشاور مع دول المصب قبل الشروع في تنفيذ أي مشروعات مائية بالدول المشاطئة للأنهار المشتركة، كما تؤكد على مبدأ عدم الإضرار بدول المصب، وهى قواعد التزم بها البنك على مدار تاريخه.

ونهر النيل الذي يمتد على نحو 6700 كلم يتكون من التقاء النيل الأبيض، الذي ينبع من بحيرة فيكتوريا (أوغندا، كينيا، تنزانيا) بالنيل الأزرق ومنبعه بحيرة تانا في إثيوبيا.. ويلتقي النهران في الخرطوم ليشكلا نهرا واحدا يعبر مصر من جنوبها إلى شمالها ليصب في البحر المتوسط. وتضع مصر والسودان أيديهما على هذا المورد المائي الكبير، إذ إن الاتفاق الحالي بشأن تقاسم مياه النهر الذي أعدته عام 1929 القوة الاستعمارية بريطانيا، والذي تمت مراجعته في عام 1959، يمنح مصر حصة قدرها 55.5 مليار متر مكعب من مياه النهر بينما يبلغ نصيب السودان وفق الاتفاقية نفسها 18.5 مليار متر مكعب، أي أنهما يحصلان معا على 87% من منسوبه محسوبا لدى وصوله عند أسوان في صعيد مصر.

كما يمنح هذا الاتفاق القاهرة حق الفيتو في ما يتعلق بكل الأعمال أو الإنشاءات التي يمكن أن تؤثر على حصتها من مياه النهر، التي تمثل 90% من احتياجاتها المائية. وتعترض إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية على هذا التوزيع، وانتهى اجتماع تشاوري عقد الشهر الماضي في شرم الشيخ بخلاف معلن بين مصر والسودان من جهة والدول الأفريقية السبع الأخرى من جهة ثانية.

وتخشى القاهرة والخرطوم أن يؤثر هذا الاتفاق الإطاري الجديد على حصتيهما من مياه النيل، إذ يتضمن إقامة الكثير من مشروعات الري والسدود المائية المولدة للكهرباء في دول المنبع.