تعاظم مظاهر المقاومة الشعبية في غزة في ظل تهدئة غير معلنة

رغم تحذيرات من إمكانية أن تحل محل المقاومة المسلحة

TT

لم يقو فيليب على الإمساك بالقمح، بعد أن سالت الدماء من يديه بفعل الشوك المختلط بالقمح، فما كان منه إلا أن طلب قفازات بلاستيكية ليتمكن من المشاركة مع المئات من المزارعين والنشطاء الفلسطينيين والأجانب الذين شاركوا في حملة حصد محصول القمح المزروع في مناطق التماس شرق مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة.

يعتبر هذا النشاط نموذجا لنشاطات كثيرة آخذة في الازدياد، يشارك فيها نشطاء سلام أجانب وفلسطينيون في غزة، ضمن ما بات يعرف بالمقاومة الشعبية للاحتلال. والمشاركة في هذه الأنشطة في مناطق التماس تحمل قيمة رمزية وعملية كبيرة، حيث إن إسرائيل سبق أن أعلنت عن هذه المناطق حزاما أمنيا يحظر على المزارعين الفلسطينيين دخوله، بحجة أنه يستخدم من قبل المقاومين كقواعد لإطلاق القذائف الصاروخية محلية الصنع.

ويقول عماد عصفور، منسق الحملة الوطنية لمواجهة الحصار، إن مثل هذه الأنشطة تأتي لتمكين المزارعين من حصد محاصيلهم التي تحول ممارسات الاحتلال، المتمثلة في إطلاق النار على كل من يدخل هذه المناطق، دون حصدها. ومن أشكال المقاومة الشعبية الأخرى التي يعكف عليها النشطاء تنظيم مسيرات دورية باتجاه الخط الفاصل، تتخللها مواجهات بين النشطاء الفلسطينيين والأجانب والقوات الإسرائيلية، تخلف في كثير من الأحيان وراءها عددا من الإصابات، حيث لا يتردد جنود الاحتلال في إطلاق الرصاص الحي صوب المشاركين في هذه المسيرات. ويشدد عدنان الفقعاوي ممثل هيئة العمل الوطني في قطاع غزة على ضرورة تواصل أشكال المقاومة السلمية حتى زوال الحزام الأمني، داعيا الحكومة الفلسطينية لتوفير كل مقومات نجاحها.

ومما يسمح ببروز هذا النوع من المقاومة التوقف شبه الكلي للمقاومة المسلحة في ظل ما يعرف بالتهدئة غير المعلنة بين فصائل المقاومة في غزة وإسرائيل التي حافظت على وتيرة متفاوتة منذ انتهاء الحرب الأخيرة على القطاع. فباستثناء بعض عمليات إطلاق القذائف الصاروخية التي تتم في فترات متباعدة جدا، فإن الفصائل الفلسطينية لا تبادر في الغالب إلى القيام بعمليات للمقاومة من داخل غزة، وتكتفي في المقابل بالأنشطة الدفاعية التي تتمثل في التصدي للوحدات الإسرائيلية الخاصة التي تتوغل أحيانا في عمق القطاع، حيث لا تتردد الفصائل الفلسطينية في التصدي لها. وكان آخر أنماط هذه العمليات عملية خان يونس الأخيرة التي أسفرت عن مقتل ضباط وجندي إسرائيليين وجرح ثلاثة آخرين، وهي العملية التي أعلنت كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي المسؤولية عنها بشكل منفرد.

وإن كان هذا النوع من المقاومة هو النموذج السائد في الضفة الغربية، بسبب العمليات الواسعة التي تقوم بها إسرائيل بشكل مباشر وبتنسيق مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، فإنها تترك جدلا في غزة، حيث إن حركتي حماس والجهاد الإسلامي تؤكدان أن المقاومة الشعبية لا يمكن أن تحل محل المقاومة المسلحة. ويحذر صلاح البردويل القيادي في حماس من أن هذا النوع من المقاومة يمثل خدمة دعائية لإسرائيل، حيث يظهر «الوجه الحضاري» لجنودها في تعاملهم مع المتظاهرين. ويشير إلى أنه يتوجب أن تتحول هذه الأنشطة إلى أنشطة جماهيرية ضخمة تشارك فيها أعداد كبيرة من الناس، منتقدا طابعها النخبوي الصرف. ويرى البردويل أن هذا النمط يمثل تساوقا مع السياسة المعلنة لرئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض الذي يرعى هذا النوع من المقاومة في الضفة الغربية.