مبعدو «المهد» يستصعبون التأقلم مع الحياة في غزة.. ويدفعون ثمن الانقسام

بعضهم انضم إلى حماس وآخر هرب إلى مصر.. والأغلبية تلتزم الصمت

TT

بعد 8 سنوات من الحياة في غزة لم يتمكن كثير من مبعدي كنيسة المهد الذين رحلوا قصرا في مايو (أيار) 2002 من بيت لحم إلى غزة بعد حصار الكنيسة الذي استمر أسابيع، من التأقلم مع الحياة في القطاع.

ومع سيطرة حماس على غزة قبل 3 سنوات أصبحت الحياة أكثر صعوبة، بالنسبة إلى عدد منهم فدفعوا ثمن هذا الانقسام.

ويفضل أغلبية المبعدين التزام منازلهم وبعضهم أخذ يقتل وقته بالعمل على سيارات للأجرة، أو بالالتحاق بالجامعات، لكن آخرين منتمين إلى حماس راحوا يتدربون مع الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة المقالة. وقال فهمي كنعان، الناطق باسم المبعدين في غزة لـ«الشرق الأوسط»: «قلبي معلق ببيت لحم». وأضاف: «هناك مدينتي وأهلي وأصدقائي وحياتي كلها ولم أستطع بعد الانصهار هنا».

ويحاول كنعان التأقلم مع الحياة في غزة قدر المستطاع، لكنه يجد صعوبة كبيرة، وقال: «أحاول أن أتأقلم لكن الحياة صعبة، كل شيء مختلف هنا». وابتعد كنعان عن كثير من أصدقائه الذين ينتمون إلى حماس وفتح، وقال: «أصبحت أتجنبهم، لأن زيارة أي منهم قد يدخلك في متاهات كثيرة وأسئلة وأجوبة...». وجرب مبعدون غضب حماس. فقد تعرض أحدهم وهو مازن حسين، قبل عامين إلى ضرب مبرح على أيدي ملثمين وسط غزة، قضى بسببه 6 أشهر في العلاج. وجاء الاعتداء عليه بعد أن هاجم عبر تصريحات صحافية حكومة حماس ووصفها باللاشرعية. ورفض حسين منحة من رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية آنذاك. وغادر العام الماضي غزة إلى مصر بلا رجعة.

أما المبعدون الآخرون فقد انضموا إلى أجهزة حماس الأمنية ورفضوا مناشدة رفاقهم بالامتناع عن ذلك. وقال أحدهم لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن تصرفا سليما، لقد قطعت رواتبهم من رام الله، ويدفع أشقاؤهم في الضفة الثمن عبر اعتقالهم المتكرر على يد أجهزة أمن السلطة». وبخلاف القلة القليلة التي أعلنت جهارا معاداة حماس أو انخرطت في صفوف أجهزتها الأمنية، تتجنب البقية إظهار مواقف واضحة.

وقال كنعان: «لا نريد أن نصبح ضحية الانقسام، لدينا قضية وطنية كبيرة». ويحاول كنعان الانشغال بتحصيله العلمي، وقال: «سأسجل الآن لنيل درجة الماجستير في علم النفس في جامعة القدس المفتوحة».

ويتقاضى المبعدون رواتب من السلطة، تتراوح بين 2000 إلى 3000 شيكل، إضافة إلى إيجارات منازلهم، وإن كانت تأخرت في دفعها منذ 5 أشهر. لكن هذه الرواتب تكاد تكفي المبعدين، وقال أبو جلال الهريمي لـ«الشرق الأوسط»: «بالكاد تكفينا.. أنا أدفع 520 دولارا لإيجار المنزل عندما تتأخر السلطة، ولدينا مصاريف أخرى ومدارس أولادنا، وتليفوناتنا.. الحياة صعبة».

ويمضي الهريمي وقته في المنزل، وقال: «أعيش هنا وعقلي وروحي في بيت لحم.. هنا أتحرك من السينما إلى وادي معالي ومن هناك إلى السوق في باب الدير (مناطق في بيت لحم)». ومضى يقول: «أفكر في كل الناس وأتصل بكل الناس، تأتينا أخبار سارة وأخرى صعبة ونحن لا حول لنا ولا قوة!». وأبعد كنعان والهريمي إلى جانب 24 ناشطا في 10 مايو من كنيسة المهد مباشرة إلى القطاع، بينما أبعد 13 من رفاقهم إلى دول أوروبية. وتلقى المبعدون وعودا كثيرة حول عودتهم، لكن جميع الوعود تبخرت! وحتى اليوم لم يعرف تماما طبيعة الصفقة التي وقعها في حينها خالد سلام مستشار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع الإسرائيليين، وانتهت بإبعاد هؤلاء، وإنهاء 40 يوما من الحصار على كنيسة المهد.

وراحت إسرائيل تبعد آخرين من الضفة إلى غزة خلال الشهور القليلة الماضية، بعدما أعلنت أنها ستطبق قانون «1560» المعروف بقانون «المتسللين»، ولكن هذه المرة فإنها تبعد مواطنين غزيين إلى غزة. وأبعدت إسرائيل حتى الآن 3 على الأقل، هم الأسير المحرر أحمد سعيد صباح، وفادي العزازمة وهو من سكان مدينة الخليل، وهاني أشتيوي من سكان مدينة بئر السبع.

وقال كنعان: «ننضم إليهم أحيانا ونعتصم معهم، لكنهم يعيشون هنا بين أهاليهم، إنهم أصلا من القطاع، ولديهم هنا ما ينسيهم هناك، أما نحن فلا شيء هنا ينسينا هناك».