عبد السلام أبو درار: 6 دول عربية وافقت على إنشاء هيئات لمحاربة الرشوة.. والعدالة هي المجال الأصعب لتفشيها

رئيس «هيئة الوقاية من الرشوة» في المغرب لـ«الشرق الأوسط»: لن أسعى إلى محاباة أية جهة حتى أستمر في منصبي

المهندس عبد السلام أبو درار رئيس «هيئة محاربة الرشوة» في المغرب (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

ما زال المغرب يصنف في درجات متدنية من مؤشر قياس محاربة الرشوة، على الرغم من الجهود التي يبذلها لمحاربة هذه الظاهرة.

وقبل سنتين تقرر إنشاء هيئة حكومية أطلق عليها اسم «هيئة الوقاية من الرشوة»، وعين العاهل المغربي الملك محمد السادس، المهندس عبد السلام أبو درار، رئيسا لهذه الهيئة، وكان ذلك بمثابة بداية مرحلة جديدة في إطار محاربة هذه الظاهرة، بيد أن تقرير الاتحاد الأوروبي حول الأوضاع في المغرب يشير إلى تراجع المغرب في مجال محاربة الرشوة. ومن خلال حوار صريح يكشف أبو درار النقاب عن مكامن الخلل في جميع المشاريع الحكومية والقوانين التي لم تنجح من وجهة نظره في الحد من تفشي الرشوة في المجتمع المغربي. لكنه يشير إلى أن قانونا سيصدر من أجل حماية الذين يدلون بمعلومات حول الرشوة، بحيث لا يتعرضون لأية مساءلة حتى ولو كانوا متورطين في العملية. وفي ما يلي نص الحوار:

* تصنف منظمة الشفافية الدولية المغرب في المرتبة 89 من مؤشر انتشار الرشوة، وحسب تقرير أخير صادر عن المنظمة، فإن ضعف الرقابة على السلطة التنفيذية في المغرب هو الذي يعرقل مكافحة الفساد.. ما تعليقك؟

- الأسباب كثيرة، من بينها ضعف الرقابة، وضعف الشفافية في تسيير الشأن العام، واستمرار احتكار الرخص في المجال الاقتصادي، وهو ما يعرف باقتصاد الريع غير المبني على المنافسة، وإنما على رخص وامتيازات تمنح لبعض الأشخاص تمكنهم من مراكمة الثروات، إلى جانب السلطات التقديرية الواسعة التي تعطى لبعض المسؤولين، مع قلة الشفافية، وضعف المساءلة.

المغرب يبقى في المراتب المتدنية، رغم اتخاذه عددا من الإجراءات، لأنه يفتقد استراتيجية متكاملة وطويلة النفس، فخبراء مراقبة المؤشرات، حين لا يجدون سياسة مخططة بوضوح، وتطبق على مدى سنوات، يظلون متحفظين، ويمنحون مؤشرات متدنية للدولة المعنية.

* المغرب من الدول العربية القليلة التي أنشئت بها هيئة للوقاية من الرشوة، إلا أن هذه المؤسسة يعاب عليها أنها لا تملك سلطة المعاقبة، ودروها استشاري فقط، وبالتالي فإن فعاليتها تظل محدودة؟

- هناك عدد من الدول العربية تتوفر على هيئات لمحاربة الرشوة، وإن كان عددها قليلا، من بينها مصر، والأردن، واليمن، والبحرين، والعراق، لأن معظم الدول العربية صادقت على الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، لذلك فهي ملزمة إحداث هيئات إما للوقاية، أو للوقاية والزجر. فالأردن يتوفر على هيئة تسمى هيئة مكافحة الفساد، وعلى رأسها مدعون عامون، وقضاة لديهم مختلف الصلاحيات من الوقاية إلى التحري والمتابعة، وهو اختيار مخالف لما عمل به المغرب، الذي حصر مهمة الهيئة في الوقاية، على الأقل لبضع سنوات مقبلة، أما مهمة العقاب فتوكل إلى القضاء. وقد أضيفت صلاحية إلى الهيئة، حتى لا تبقى استشارية محضة، تتمثل في تلقي الشكاوى والبت فيها، وإذا اقتضى الأمر تسليمها للسلطات القضائية من أجل التتبع والتحري، والعقاب، وهذا الإطار قابل للتطوير في ما بعد، كما أن ما تتميز به الهيئة المركزية المغربية هي أنها هيئة منفتحة على محيطها، إذ لا تضم ممثلين عن الإدارات العمومية فحسب، بل أيضا ممثلين عن القطاع الخاص، والنقابات والمجتمع المدني وجامعيين، وهو ما يعطيها تميزا وغنى في النقاش والمقترحات.

* لدي ملاحظة إزاء اسم الهيئة، فهي هيئة للوقاية من الرشوة، وليس محاربة الرشوة، هل هذا يعني أن محاربة الرشوة مهمة صعبة، وأنكم فضلتم العمل بمقولة الوقاية خير من العلاج؟

- إنها اسم على مسمى، فهي هيئة مركزية، وستكون هناك امتدادات جهوية (محلية) متفرعة عنها، تبعا لمشروع الجهوية الموسعة، الذي سيجري تطبيقه في المغرب، حتى تكون قريبة من المواطنين. أما الوقاية فهي إحدى صلاحياتها الرئيسية، لأن مهمتها إنجاز استراتيجية للوقاية من الرشوة. أما الرشوة، فهي المصطلح المتداول في المغرب، الذي يقابله مصطلح الفساد في البلاد العربية، وخصوصا في بلدان الشرق الأوسط، لأن مفهوم الفساد في المغرب مرتبط بالجانب الأخلاقي. وفي رأيي، فإن المحاربة هي أيضا الوقاية والمتابعة والزجر، هذا خيار مؤسساتي يقضي بأن تعمل الهيئة بتنسيق مع الأجهزة الأخرى، ويمكن أن تضاف إليها في المستقبل مهام أخرى، لكن هذا هو الواقع حاليا.

* قال سعد العلمي، وزير تحديث القطاعات العامة المغربي مؤخرا في مجلس المستشارين، إن الرشوة مسألة ثقافية في المغرب.. كيف تتحول بنظركم الرشوة إلى ثقافة في المجتمع؟

- لأن جذورها ضاربة في التاريخ ليس في المغرب فحسب، وإنما في عدد من المجتمعات التي طغى فيها الاستبداد، أي إن السلطة فيها كانت ذات طابع استبدادي، وتتصرف في مصائر الناس وفي الموارد، ففي القرون السابقة كان الحاكم يتصرف في الموارد والمصائر والأعراض، وهو ما ينتج عنه مع مرور السنين، نوع من تساكن الرعية مع واقع لا تملك له أي رد، ومن هنا يحصل نوع من الخنوع ويقتنع الناس بأنه للحصول على خدمة ما لا بد من أن يؤدوا عنها. بالنسبة إلى المغرب، لعب الاستعمار أيضا دورا في تكريس العلاقة السلطوية مع المواطنين وإخضاعهم، والجديد فيها هو أن العلاقات أصبحت ذات طابع رأسمالي، وأعطت بعدا أكبر للرشوة، واستعمال المال للحصول على الخدمات العمومية، فاستغل بعض المسؤولين المرتشين نفوذهم وسلطتهم للاغتناء. وفي بعض الأحيان، يصبح القانون غير كاف، وتطبيقه ضعيف جدا، بل إن الناس يعتقدون أن القانون غير ذي جدوى، ويلجأون إلى وسائل غير قانونية لقضاء مصالحهم، وهذا هو الخطر الأكبر على محاربة الرشوة، إذ لا يكفي وضع قوانين، بل لا بد أن تكون المعالجة متعددة الأبعاد قانونية، ومؤسساتية، وتربوية، ووقائية وزجرية، وهو ما سيسمح بالقضاء على الرشوة تدريجيا كظاهرة في الواقع اليومي، وفي أذهان الناس كذلك.

* تعهدت الحكومة باتخاذ إجراءات عملية للحد من الرشوة، وقالت إن المواطن المغربي سيشعر بها في علاقته مع الإدارة.. هل يمكن أن تعطينا نماذج عن هذه الإجراءات التي لم يكشف عنها بعد؟

- الأمر يتعلق ببرنامج متكامل تبنته الحكومة منذ تنصيبها لتخليق الحياة العامة ومحاربة الرشوة، إلا أن هذا البرنامج شهد مستويات متفاوتة من التطبيق بين قطاع وآخر، فبمجرد تعيين الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة قبل عام ونصف عام قمنا بتنبيه الحكومة إلى هذه المشكلة وطلبنا منها مراجعة البرنامج من أجل تحيينه وإدخاله حيز التنفيذ عبر إجراءات تمس مباشرة المواطنين في المجالات التي يتعرضون فيها للابتزاز أو الرشوة. ومن بين هذه الإجراءات تسيير الشأن العام بمزيد من الشفافية والمسؤولية والوضوح بالنسبة إلى المواطنين، وتبسيط الإجراءات، والحد من السلطات التقديرية، وتقليص عدد الرخص والوثائق الإدارية المطلوبة، وتفعيل دور المفتشيات العامة، وأشير هنا إلى أن هذا برنامج يخص الحكومة، والهيئة تبقى مستقلة في اقتراحاتها، وفي تقييم هذا البرنامج وكيفية تفعيله، ولدينا مقترحات في هذا المجال. وفي إطار هذا البرنامج أيضا، جاء تعديل القانون الجنائي لحماية المبلغين عن الرشوة.

* ذكرت أن الهيئة مستقلة في حين أنها تابعة لرئيس الوزراء.. كيف نفهم هذه الاستقلالية؟

- هي استقلالية وظيفية، ففي جميع دول العالم، توجد هيئات ومؤسسات مستقلة رغم أنها تابعة لجهاز الدولة، ففي إنجلترا توجد مجموعة من الهيئات المستقلة إلا أن هذا لا يعني أنها لا تستمد موازنتها من القانون المالي، ولا تخضع لسلطة الدولة، بل لديها صلاحيات وحصانات تمكنها من اتخاذ مواقفها بجرأة وباستقلالية عن الجهاز التنفيذي والقضائي، ويبقى بعد ذلك لهذه الأجهزة واسع النظر للعمل بها أم لا، فأنا معين لمدة ست سنوات، غير قابلة للتجديد، ولا أخضع لمزاج أو لتقلب الحكومات، ولذلك لن أسعى إلى محاباة جهات ما حتى أتمكن من الاستمرار في منصبي، وأعضاء الهيئة ينتمون إلى مختلف الحساسيات، ولا أتصور أن عضوا بالهيئة ينتمي إلى إحدى النقابات العتيدة في البلاد يمكن أن يخضع لضغط من أي جهة، و الأمر نفسه ينطبق على ممثل المجتمع المدني أو أستاذ جامعي معروف، فالهيئة تقوم بإنجاز تقرير سنوي يضم مقترحاتنا والإجراءات التي اتخذت أو التي لم تتخذ في مجال محاربة الرشوة، ونوجه التقرير إلى الوزير الأول ووزير العدل كما لنا الصلاحيات كاملة لنشره على العموم.

* متى سيصدر هذا التقرير، وهل سيضم معطيات وأرقاما عن ظاهرة الرشوة في المغرب؟

- سيصدر خلال يونيو (حزيران) المقبل، وسيتضمن معطيات كثيرة، أما بالنسبة إلى الأرقام فليست لدينا أرقام غير تلك التي تنشرها المنظمات الدولية، مثل ترانسبارنسي، والبنك الدولي وغيرهما، التي نعتمد عليها، وإن كان ذلك بحيطة، لإدراك الآفة وتجلياتها، وللإدلاء بمجموعة من المقترحات، لأنه لحد الآن لم نقم بأبحاث ودراسات خاصة بنا.

* من بين الإجراءات التي اتخذت سابقا، تعديل القانون الجنائي من أجل حماية المبلغين عن الرشوة، هل ساعد ذلك في ارتفاع عدد المبلغين، أم أن المواطن ما زال لديه شك في أن القانون سيحميه؟ - القانون الجنائي السابق كان يضع الراشي والمرتشي في المرتبة نفسها، الأمر الذي كان ينتج عنه تضامن فعلي بين الطرفين، فلا يقدر أي طرف على تقديم شكوى ضد الآخر، فكانت هناك اقتراحات من طرف المجتمع المدني تشير إلى أن الراشي يكون في الغالب مرغما على تقديم الرشوة، لأنه الطرف الأضعف، مثل المريض الذي يضطر إلى تقديم رشوة للحصول على سرير في مستشفى عمومي، ولذلك أثناء تعديل القانون الجنائي تم التخفيف من «المساواة» بين الراشي والمرتشي، واعتبر أنه يمكن للراشي أن يستفيد من تخفيف في العقوبة إذا بلغ عن المرتشي وقدم حججا لإثبات ذلك، بيد أنه اتضح أن تفعيل القانون غير ممكن، لأنه من الصعب الإدلاء بالحجج، هذا إلى جانب أن القانون يضع الراشي أيضا موضع المساءلة، وبسبب ذلك أنجزت الهيئة مشروع قانون متكاملا لحماية الشهود والمبلغين والضحايا والخبراء، سيقدم إلى الحكومة وسنعممه على الرأي العام لمناقشته، في انتظار أن تتم المصادقة عليه، ليدخل حيز التنفيذ في ما بعد.

* هل التعديل الجديد الذي تقترحونه سيعفي الراشي من المساءلة؟

- سيعطي ضمانات للمشتكي بأن لا يمس بأذى إذا هو أدلى بكل ما لديه من حجج، ولا يوضع موضع المساءلة والشك، وسيمكن ذلك السلطات القضائية من التحري الكامل، أما حاليا فالناس لا يدلون بما لديهم خوفا من المساءلة.

* أعلنتم سابقا أن الهيئة بصدد إجراء دراسات حول تفشي الرشوة في قطاعي الصحة والنقل في المغرب.. أين وصلت هذه الدراسات؟

- الفكرة انطلقت من البحوث الموجودة، التي تشير إلى تفشي الرشوة في قطاعات بعينها، من بينها قطاعات النقل والصحة والعقار والقضاء، فارتأينا أن نجري بحثا خاصا بنا عن تفشي الرشوة في قطاعي الصحة والنقل، وقمنا بوضع شروط بشراكة مع الوزارات المعنية لإنجاز البحث، الذي سيعلن عن نتائجه نهاية السنة الحالية. فنحن لسنا متسرعين، فالمسألة تتطلب طول النفس، وستتلوها دراسة أخرى حول تفشي الرشوة في قطاع العقار.

* ما هي - من وجهة نظركم - أصعب المجالات التي يتعذر ضبط حالات الفساد فيها، هل هي مجال الصفقات الحكومية، الانتخابات السياسية، تبييض الأموال أم القضاء، أم ماذا؟

- كل المجالات يصعب ضبط الرشوة فيها، لأن الرشوة أساسا تتم في الخفاء وبطرق ملتوية ويصعب دائما الإدلاء بحجج وقرائن لإثباتها، لكن في اعتقادي أن المجال الأصعب من حيث نتائج تفشي الرشوة فيه هو مجال العدالة، لأن هذا القطاع يفترض فيه أن يكون حاميا، ولكن عندما يتحول في بعض الأحيان، الحامي إلى حرامي، فالأمر يصبح من الصعوبة بمكان. لكن لدينا الثقة بعزم السلطات القضائية على إصلاح القضاء لتحصين قطاع العدالة من هذه الآفة، وأكثر من ذلك تعبئة القطاع ليكون محاربا للفساد، وحاميا للمواطنين من المفسدين.

* التعديل الذي أدخل على قانون التصريح بالممتلكات، ليشمل ممتلكات الزوجة والأبناء الراشدين، والذي دخل أخيرا حيز التنفيذ هل سيسهم من وجهة نظركم في الحد من الرشوة؟

- من المهم أن يكون هناك قانون من هذا القبيل حتى نقف على حالات الاغتناء غير المشروع، إلا أنه عندما يشمل هذا القانون عشرات الآلاف من الموظفين، يصبح مكلفا وغير ذي جدوى فعلية، ونوعا من التعجيز، فالدول التي تتخذ إجراءات من هذا القبيل تحدد بدقة من سيصرحون بالممتلكات لحساسية مناصبهم ولأهميتها في مجال صرف النفقات العمومية وتدبير الشأن العام، وما عدا هؤلاء يجب أن يخضعوا للقانون العام، فمصلحة الضرائب عليها أن تتبع الأشخاص لتكشف الاغتناء المبرر وغير المبرر، سواء في القطاعين العام أو الخاص. أما التصريح بالممتلكات، فيجب أن يهم المناصب الحساسة في جهاز الدولة، وهناك معايير متعارف عليها دوليا لتحديد هذه المناصب، في حين أن هذه المناصب في المغرب تشمل عشرات الآلاف من بينهم رجال السلطة، وكل الذين لديهم سلطة التوقيع على الإنفاق والمحاسبون الحكوميون وغيرهم.

* في المجتمع المغربي، نقول هناك الرشوة الصغيرة والرشوة الكبيرة، ما الفرق بينهما، وخصوصا أن الناس يستهينون بالأولى، ويقولون إن الدولة تعاقب صغار المرتشين بينما تترك الكبار من دون محاسبة.. ما تعليقك؟

- بلغة الأرقام، يمكن القول إن الرشوة التي تمس الصفقات الكبرى هي رشوة كبرى، لأن الأمر يتعلق بمبالغ مالية ضخمة، والرشوة الصغرى تتعلق بمبالغ مالية صغيرة يناولها المواطن لممرض في مستشفى، أو لشرطي المرور، لكن من الخطأ الاستهانة بالرشوة الصغيرة لأنها كبيرة بتأثيراتها، وهي تهم فئات واسعة من المجتمع، وإذا جمعنا تلك المبالغ الصغيرة فستتحول بدورها إلى مبالغ مالية كبيرة، لذا لا ينبغي الفصل بينهما ويجب محاربتهما معا.

* لنتحدث عن ظاهرة الرشوة في الدول العربية، وخصوصا أنتم أعضاء في الشبكة العربية لمحاربة الفساد، هل أسباب ودرجة انتشار الفساد في الدول العربية تتشابه؟

- بشكل عام تتشابه، لكن هناك تفاوت، فأوجه الشبه تتمثل في الغلو في استعمال السلطة وشيوع اقتصاد الريع، وغياب العقاب والمساءلة، وغياب الشفافية في تسيير الشأن العام، وما هو متفاوت بين البلدان العربية ينحصر في درجة تفشي الرشوة الصغرى أو الكبرى، ففي بعض الدول العربية مثل دول الخليج تكاد تنعدم فيها الرشوة الصغرى لأسباب تاريخية ووجود مراقبة كبيرة، إلى جانب أن معظم الموظفين يتلقون رواتب عالية، مما يجعلهم في مأمن من تلقي الرشى، في حين أنه على مستوى الصفقات الحكومية والمشاريع الضخمة كانت هناك ملفات لصفقات مشبوهة عرفت على الصعيد الدولي.

* هل هناك نموذج لدولة عربية يمكن الاقتداء بها في مجال محاربة الفساد؟

- هناك بعض البلدان التي قامت بمجهودات كبيرة لمحاربة الظاهرة، مثل قطر والإمارات العربية المتحدة وعمان والبحرين والأردن. المغرب بدوره يقوم بمجهودات إلا أنها لحد الآن لم ترق إلى التفعيل وإعطاء نتائج على أرض الواقع.

* عقدت هيئة الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع جلسة عمل معكم، لإبداء وجهة نظركم حول الموضوع، ما مدى تفشي الفساد في المؤسسات الإعلامية المغربية، وما مظاهره، ودرجة خطورته؟

- إذا كانت قد وجهت لنا الدعوة للمشاركة في الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع، فلأن للإعلام دورا كبيرا في مجال محاربة الرشوة، وفضح الاختلالات والمفسدين، لكن إذا كان هذا الإعلام نفسه منخورا، فهذا يثبط العزائم، ويضرب مصداقية الإعلام في تخليق الحياة العامة. لذا قلنا: إذا كان الإعلام يقوم بمساءلة الآخرين، فلا ينبغي أن يكون هو نفسه فوق المساءلة، فالإعلام لم يعد عملا فرديا بل عمل مؤسسات لا بد أن تخضع بدورها للشفافية، كما أنه على الصحافيين عدم اعتبار كل المسؤولين مرتشين، بل لا بد من التحري وتقصي الحقائق، بمهنية عالية.

* ما مظاهر الفساد في المؤسسات الإعلامية المغربية؟

- ليس لدي معطيات ولا سيما أنه لحد علمي ليس هناك أبحاث أو دراسات حول هذا القطاع، والهيئة ستهتم بهذا القطاع كذلك.

* طلبت وزارة العدل من الهيئة تقديم مقترحاتها في مجال إصلاح القضاء، ما اقتراحاتكم بهذا الشأن؟

- هي أقرب إلى اقتراحات عامة، مثل: المطالبة باستقلالية القضاء وشفافيته وتحصينه من الفساد وتوفر المهنية، وتكوين الموارد البشرية، وذلك اعتبارا لأهمية القضاء في محاربة الفساد، كما أشرنا إلى ضرورة تقييم تجربة المحكمة الخاصة للعدل، التي كان إلغاؤها ضروريا حتى لا يبقى هناك قضاء ذو طابع استثنائي، لكن كان لا بد أيضا أن نستفيد مما راكمته هذه المحكمة من تجارب من خلال الملفات التي طرحت عليها لإيجاد نوع من القضاء المهني المتخصص بمجال التعامل مع قضايا الرشوة، وهي قضايا جد معقدة، غالبا ما يكون الوصول فيها إلى القرائن والحجج صعبا.

* أنت معتقل سياسي سابق، وتحمل دبلوم مهندس دولة من مدرسة القناطر والطرق الفرنسية، ما الذي يجعل الطريق معبدا أمام خريجي هذه المدرسة لشغل مناصب مهمة في الدولة؟

- من دون إفراط لا في التواضع ولا في النفخ في الذات، أقول إن الطلبة الذين يلتحقون بالمعاهد العليا للهندسة أو التجارة، يكونون غالبا من أنجب الطلبة، ومواظبين على العمل، ومن الطبيعي أن تكون لهم حظوظ أكبر للنبوغ في مجال عملهم، إلى جانب أن أغلبهم تمرسوا وتدرجوا في المراتب، وعملوا في مجالات شائكة لإنشاء بنيات تحتية في مناطق نائية، ولم يعملوا مباشرة بعد تخرجهم في الرباط أو الدار البيضاء، ثم بعد ذلك يصطفون ويدفعون إلى مواقع المسؤولية. ولا أدل على ذلك من مسار المستشار الملكي الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه، الذي انطلق من وسط فقير، وكان نابغة في عمله، وتحمل مسؤوليات شائكة في الصحراء. ثم اختير تدريجيا لأعلى المناصب، وهو نفسه عمل على اصطفاء عدد من المسؤولين، ولا أرى في ذلك أية محاباة، بل عربون على إعطاء الكفاءة والجدارة حقها، علما أنه ما زال هناك من يصلون إلى المناصب عن طريق الزبونية.