المشاركون في «وليمة» طالباني يغادرونها مثلما دخلوها.. متوترين ومتفرقين

غابت المرأة رغم أن لها ربع مقاعد البرلمان.. وساحة القصر بدت كمعرض للسيارات الراقية

الرئيس العراقي جلال طالباني مستقبلا رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي أحد الحاضرين لمأدبة الغداء التي أقامها لقادة الكتل السياسية أول من أمس (نيويورك تايمز)
TT

تجمع حشد من كبار السياسيين العراقيين - من وزراء حكوميين ورجال دين وشيوخ قبائل، لكن ليس من بينهم امرأة واحدة - حول مأدبة غداء، الخميس، ضمت أطباقا من اللحم المشوي والأرز داخل «قصر السلام» المتميز بأعمال الأرابيسك الخشبية على ضفاف نهر دجلة.

جاءت المأدبة في إطار جهود رامية لتعزيز المصالحة في البلاد بعد انتخابات متنازع عليها بشدة. إلا أن المأدبة انتهت من دون مؤشر واضح على تحقق المصالحة المنشودة.

وكان أبرز الغائبين عن المأدبة إياد علاوي، الرجل الذي لا يزال يدعي لنفسه الحق في تشكيل وقيادة الحكومة القادمة، لكن يبدو أن المسافة بينه وبين الوصول إلى هذا الهدف تتسع ببطء يوما بعد آخر. كان علاوي قد غادر العراق متجها إلى الأردن، مساء الأربعاء، وفي اليوم التالي بعث باعتذار خطي شرح فيه أنه سبق له إرجاء لقائه رئيس دولة عربية مرتين ولم يكن بإمكانه فعل هذا مجددا.

وجاءت المأدبة، التي وصفتها إحدى الصحف بـ«الوليمة السياسية»، بعد 47 يوما من توجه العراقيين إلى صناديق الاقتراع وخروجهم منها بنتيجة غير حاسمة لا تزال عرضة لمناورات تجري معظمها خلف الكواليس.

ورغم الكثير من التطورات الأخيرة التي زادت الآمال في تراجع حدة التأزم الذي شهدته البلاد بعد الانتخابات، وبينها إنجاز عملية عد الأصوات الجزئي، الأحد، لا يزال يبدو أن عملية تشكيل الحكومة الجديدة قد تستغرق شهورا. جدير بالذكر أن الحكومة الجديدة ستتحمل مسؤولية البلاد خلال فترة انسحاب القوات الأميركية العام المقبل.

ورغم التعهدات المعلنة بالحفاظ على الأخوة ووحدة الصف، ظلت التوترات حول من سيقود البلاد واضحة بعد مأدبة الخميس، وكذلك كانت مشاعر الإحباط من استمرار بطء جهود تشكيل الحكومة الجديدة. وفي هذا الصدد، قال طارق الهاشمي، أحد نائبي الرئيس الحاليين: «هذا عار على العراق». وعقد مقارنة بين ما حدث في بلاده والانتخابات التي شهدتها دول أخرى مؤخرا، وقال: «لقد شكلت المملكة المتحدة حكومة في غضون 5 أيام. ورغم الصراعات السياسية في السودان، فإنهم تمكنوا من تشكيل حكومة أسرع منا».

وحرص الهاشمي على تفسير غياب علاوي، الذي كان قد انضم إليه في ائتلافه الانتخابي المعروف باسم «العراقية» وفاز بفارق أصوات ضئيل على الكتلة التي يتزعمها نوري المالكي، رئيس الوزراء - 91 مقعدا مقابل 89 مقعدا - لكن الائتلاف فشل في حشد تأييد كافٍ لزعيمه ليتولى منصب رئيس الوزراء. يذكر أن حالة العداء بين علاوي والمالكي على درجة من الحدة حالت دون تحدثهما بعضهما إلى بعض لسنوات. وأضاف الهاشمي: «ما يحزنني أن وسائل الإعلام غير مهتمة إلا بالحديث عن أشخاص، لكن مصالح العراق أكبر من أي شخص سياسي يشارك في العملية السياسية».

وقد جاء تنظيم المأدبة بمبادرة من الرئيس جلال طالباني، الكردي الذي يأمل البقاء في منصبه، وعمار الحكيم، وريث عائلة دينية عريقة وزعيم ائتلاف شيعي كبير تحالف مع المالكي بعد الانتخابات، لكن لا يرغب على ما يبدو في تقلد المالكي مجددا رئاسة الوزراء.

من ناحيته، قال الحكيم: «لا شك أن المناخ العام كان مثيرا للتفاؤل».

ولم يتضح بعد ما إذا كانت المأدبة تشكل خطوة نحو التسوية السياسية أم إنها كانت مجرد حدث لا قيمة له على الصعيد السياسي العراقي المعقد.

ولم يتم الإعلان عن عقد مزيد من الاجتماعات خلال الفترة القادمة في انتظار الإقرار الرسمي لنتائج الانتخابات، الأمر الذي من المتوقع حدوثه في غضون أيام، ويمكن بعد ذلك انعقاد البرلمان الجديد المؤلف من 325 عضوا. وحتى عند حدوث هذا، يتوقع الكثيرون أن يعجز البرلمان عن الاتفاق على رئيس جديد للوزراء، ناهيك عن باقي أعضاء مجلس الوزراء، لشهور قادمة. ورغم الشكوك التي تحيط بتداعياته، سلطت مأدبة الخميس الأضواء على الكثير من حقائق المشهد السياسي العراقي اليوم. فقد أقيمت داخل الجيب الكردي لطالباني، وهو مجمع شديد الحراسة وبعيد تماما عن الواقع الخطير الذي يواجهه غالبية العراقيين يوميا.

خلال المناسبة، توالى حضور المسؤولين، وبدأت ساحة انتظار السيارات تبدو وكأنها بهو معرض سيارات يضم أطرز «لاند كروزر» مدرعة و«سوبربان». ولم تخط أي امرأة البساط الأحمر المفروش على السلالم التي وقف عليها طالباني لاستقبال المدعوين. ورغم فرض القانون منح المرأة مقعدا من بين كل 4 مقاعد في البرلمان الجديد، من الواضح أن الصراع الدائر على السلطة هنا لا يزال ذكوريا في المقام الأول.

ورغم غياب علاوي، حضرت الكثير من الشخصيات الأخرى الطامحة لتقلد رئاسة الوزراء، بينهم عادل عبد المهدي، النائب الآخر للرئيس، وإبراهيم الجعفري، رئيس الوزراء السابق، وكلاهما عضو في الائتلاف الشيعي المتحالف حاليا مع المالكي. وتفصل هذا الائتلاف عن السيطرة على الأغلبية بضعة مقاعد، إلا أن فرق الائتلاف عجزت عن الاتفاق على حتى أسلوب اختيار رئيس الوزراء من بينها.

وأعاد الهاشمي، نائب الرئيس، التأكيد على إصرار علاوي على أن الأغلبية التي حصلت عليها قائمة العراقية تخولها حق الشروع في محاولة تشكيل ائتلاف حاكم، حسبما يسمح الدستور.

* خدمة «نيويورك تايمز»