موسم «الولائم السياسية» في العراق

قيادي في ائتلاف الحكيم لـ «الشرق الأوسط»: اجتماعاتنا مع قائمة المالكي تبدأ بالغداء ولا تنتهي إلا بعد العشاء

TT

يلاحظ أن الكثير من السياسيين العراقيين يعانون هذه الأيام من ازدياد في أوزان أجسامهم نتيجة الولائم التي صارت تعرف بـ«الولائم السياسية»، حسب سياسي عراقي، هو قيادي في الائتلاف الوطني العراقي الذي يقوده المجلس الأعلى الإسلامي، بزعامة عمار الحكيم.

السياسي العراقي، الذي رفض نشر اسمه، قال لـ«الشرق الأوسط» في بغداد، أمس: «إن هناك الكثير من الولائم التي عرفت منذ الوليمة التي أقامها فخامة الرئيس جلال طالباني، ودعا إليها جميع الأطراف السياسية العراقية في قصر السلام قبل ما يقرب من أسبوعين، التي عرفت بالوليمة السياسية. وبقية السياسيين العراقيين يقيمون مثل هذه الولائم ولكن بدعوة أطراف محددة»، مشيرا إلى أن «هذا الموسم هو موسم الولائم السياسية».

لكن أولى الولائم السياسية المحدودة قد أقامها عادل عبد المهدي نائب الرئيس العراقي، في منزله المجاور لقصر السلام الرئاسي، الشهر الماضي، عندما دعا إليها الائتلاف الوطني العراقي والقائمة العراقية، التي كان قد حضرها إياد علاوي، زعيم القائمة العراقية والرئيس الأسبق للحكومة العراقية، وعمار الحكيم زعيم المجلس الأعلى الإسلامي، تلك التي جمعت ولأول مرة منذ سنوات كثيرة علاوي وأحمد الجلبي، رئيس المؤتمر الوطني العراقي.

عبد المهدي، القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي والائتلاف الوطني، قال لـ«الشرق الأوسط» بأنه جمع في صالة منزله الأطراف العراقية والائتلاف الوطني «لإيضاح أسباب تحالفهم مع ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها».

لكن الوليمة الأكبر والأهم هي التي دعا إليها الرئيس طالباني تحت قبة قصر السلام الرئاسي، التي تحدث عنها عمار الحكيم خلال حديث لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «إن المائدة التي أقامها فخامة الرئيس جلال طالباني، وأكلنا خلالها مع شركائنا أعزائنا من القيادات العراقية، حفلت بالطعام اللذيذ. وقد دلت على الذوق الرفيع لفخامة الرئيس طالباني في اختيار الأكلات العراقية، العربية منها والكردية، التي حفلت بالتنوع».

وكانت هذه الوليمة، التي خرج منها الجميع مبتسمين ومتراضين ومتوافقين وواصفين إياها بالناجحة، قد حفلت «بأنواع من الأرز الأبيض والأرز المشبع بعصير الرمان، والفريكة الخضراء والبرغل، وكفتة كويسنجق التي تشبه الكبة الكبيرة، والصحن الشهير الذي لا يغيب عن مائدة الرئيس العراقي، وهو الديك الرومي المسلوق، ومرقة البامية بكل تأكيد، ومرقة الباذنجان والفاصوليا البيضاء (اليابسة)، وكباب السليمانية القليل الدسم، واللحم المشوي (تكة)، والدجاج المشوي، وسمك المسقوف، من غير أن يغيب لبن أربيل عن المائدة»، حسب وصف السياسي العراقي والقيادي في الائتلاف الوطني، الذي كان قد حضر الوليمة التي قال عنها: «إنها تعبر عن كرم فخامة الرئيس المعروف بشعوره بالسعادة وهو يجمع العراقيين حوله وحول مائدته، للوصول معهم إلى حلول للإشكالات السياسية».

وحسب تجارب الكثير من القادة السياسيين العراقيين فإن ولائم الرئيس طالباني أذابت في السابق الكثير من الثلوج، وأطفأت الكثير من الحرائق السياسية، وهم متفائلون بأن الرئيس العراقي سيتمكن، عبر علاقاته الوطيدة بالقادة السياسيين العراقيين، من أن يخرج بالوضع السياسي المتأزم الراهن إلى بر الأمان، وحسب حديث للرئيس طالباني لـ«الشرق الأوسط» يقول: «في تجربتي السابقة بدأتُ بوليمة غداء، على أمل أن تتحول إلى مائدة سياسية، وهذه هي التجربة ذاتها التي مررنا بها في الدورة السابقة، وأعتبر دعوة الغداء التي أقيمت، هي خطوة إلى الأمام، خطوة لإذابة الثلوج، وعلى الأقل جمعت القادة السياسيين وأعضاء من الكتل الانتخابية العراقية، وأعتقد أنها المرة الأولى منذ عدة سنين يجتمع هذا العدد الكبير من القادة السياسيين العراقيين، الذين يمثلون مختلف الاتجاهات والكتل، ويتبادلون آراءهم، ويعبرون عنها، حيث جاءت هذه الآراء متقاربة، وأجمعت على ضرورة تشكيل حكومة شراكة وطنية، ويجب عدم تهميش أي جهة. هذا الاجتماع إن شاء الله يكون بداية جيدة، وسنستمر في هذه اللقاءات، وسأبذل جهدي للتوسط كلما طلبت الحاجة ذلك. وفي اعتقادي أنه في المحصلة سوف نتوصل إلى نتائج جيدة».

ويرى القيادي في الائتلاف العراقي أنه «إذا كان هناك من سيجمع بين رئيس القائمة العراقية علاوي، ورئيس دولة القانون المالكي، فهو فخامة الرئيس العراقي؛ إذ لن يشعر أي منهما بأي إحراج في موضوع اختيار المكان، إذا كان هذا المكان هو بيت أو مكتب الرئيس، كما أن علاقة كل من علاوي والمالكي عميقة مع فخامة الرئيس طالباني»، وهذا ما يقره الرئيس العراقي بنفسه عندما أكد أن «علاقاتي الشخصية مع القادة ساعدتني في أن ألعب الدور الذي تلمسونه الآن، وهو دور الوسيط والمنسق والجامع الشامل للجميع، وأنا أعتز بهذه العلاقة، فأنا لم ولن أفرط في هذه العلاقة مطلقا».

ويكشف القيادي في الائتلاف الوطني أن «الولائم التي تقام هذه الأيام تشمل الغداء والعشاء، وأحيانا تستمر لساعات طويلة، خاصة تلك التي تحصل خلال الاجتماعات بين وفدي التفاوض، بين الائتلاف الوطني ودولة القانون، وسواء أقيمت هذه الاجتماعات في المكاتب أو البيوت، فإن موائد الطعام تكون عامرة فيها، وتضم الكثير من الوجبات الدسمة المشبعة بالكولسترول والسكر، فهي تتألف عادة من أطباق كبيرة من الأرز واللحوم، ثم تتبعها الحلويات العراقية الثقيلة، رغم أنها لذيذة ومغرية»، مشيرا إلى أن «هناك اجتماعات تبدأ قبل الغداء، وتستمر حتى ساعات متأخرة من الليل، وغالبا ما تشكل ولائم العشاء عسرا في الهضم يرافق عسر المفاوضات ذاتها، فلو كانت هذه الولائم تقتصر على الغداء المبكر، مثلما حدث في وليمة الرئيس طالباني، لكانت أكثر صحية من حيث أنواع الطعام قليل الدسم والأجواء المريحة التي تتخلل هذه الولائم».

ويعترف هذا السياسي العراقي بأنه «في ظل غياب ممارستنا للرياضة، بما فيها المشي لمسافات قصيرة، والجلوس المستمر، تصبح هذه الولائم ثقيلة على صحتنا»، منوها إلى أن «السياسيين العراقيين اليوم يعانون من السمنة وارتفاع نسب الكولسترول في الدم، خاصة كبار السن منهم، والسكري، فنحن ممنوع علينا، وبحكم الظروف الأمنية، أن نتمشى بين الناس لمسافات مريحة، بل غالبا ما نستخدم السيارات المحصنة ضد الرصاص في التنقل حتى بين أقصر المسافات».