لبنان: انتخابات بلا ناخبين في طرابلس.. وتوافق غاب عنه الدعم الشعبي

الصفدي طالب المواطنين بترك الشواطئ لأجل الاقتراع

جنود لبنانيون في منطقة زغرتا خلال المرحلة الاخيرة من الانتخابات البلدية أمس (أ.ب)
TT

فيما كانت المعارك الانتخابية البلدية والاختيارية تلف أمس منطقة الشمال اللبناني عاشت طرابلس، عاصمة المحافظة، يوما انتخابيا هادئا، لا بل اعتبره البعض باردا أكثر مما يجب، محملا مسؤولية ذلك لزعامات المدينة التي لم تترك للأهالي حافزا للانتخاب. ولم يتجاوب المواطنون مع نداءات الزعماء للإقبال على الانتخاب، ولم يتوافدوا على مراكز الاقتراع إلا بنسب قليلة جدا، بحيث لم تتجاوز نسبة المنتخبين حتى الساعة الثانية من بعد الظهر أمس الـ12% في مدينتي طرابلس وتوأمها مدينة الميناء، ولم يتجاوز عدد الأصوات في بعض الصناديق نسبة الـ5% فيما وصلت في صناديق أخرى إلى 23% كحد أعلى عند الساعة الثانية. وهو ما اعتبر عزوفا قياسيا عن الانتخاب لم تشهد المدينتان مثيلا له منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية.

وكانت لائحتان توافقيتان قويتان قد تشكلتا في كل من مدينتي طرابلس والميناء مدعومتان من الزعامات السياسية وهما «وحدة طرابلس» و«وحدة الميناء»، ضمتا مرشحين يمثلون كلا من: سعد الحريري ومحمد الصفدي ونجيب ميقاتي وعمر كرامي وأحمد كرامي وروبير فاضل إضافة إلى مرشحين لـ«لأحباش» و«جبهة العمل الإسلامي». وتشكلت مقابل لائحة الأقوياء في طرابلس، «لائحة قرار طرابلس» وهي غير مكتملة، يدعمها النائب السابق عبد المجيد الرافعي، لا يبدو أن حظوظها كبيرة.

وأمام مراكز الاقتراع في طرابلس بدا أفراد الماكينات الانتخابية أكثر من الناخبين. وناشد الوزير محمد الصفدي المواطنين الذين فضلوا البحر والجبل والتمتع بالطقس الجميل، أن يأتوا ولو متآخرين قبل إغلاق الصناديق عند الساعة السابعة ليقوموا بواجبهم الانتخابي. أما المرشح لرئاسة البلدية على لائحة «قرار طرابلس» فقال: «نحن الطرابلسيون نطبخ ورق العنب على نار هادئة قبل أن نأكله، لذلك أقول للناخبين الطبخة نضجت الآن، وبإمكانكم أن تنتخبوا». وطالب النائب أحمد كرامي الناس بالانتخاب «ولو بورقة بيضاء» ورفض رئيس الوزراء الأسبق عمر كرامي اعتبار عزوف الناخبين هو احتجاج على التوافق، بين زعماء طالما اختلفوا وتنافروا، وقال: «هناك استرخاء كلنا نشعر به، فحينما لا تكون هناك معارك سياسية طاحنة، مهما دعينا الناس للتصويت فهم يعرفون النتيجة سلفا».

لكن النائب السابق مصباح الأحدب رأى أن عدم التصويت للائحة «رجال الأعمال»، كما سماها وتقاعس المواطنين عن الانتخاب هو «خسارة سياسية للائحة»، معتبرا أن كلا عبر عن عدم رضاه عنها على طريقته. «لائحة رجال الأعمال» أو «لائحة أصدقاء اليوم أعداء الأمس» أو «لائحة الزعماء» كلها تسميات مختلفة أطلقت على «لائحة وحدة طرابلس» التي اعتبر كثير من المواطنين أنها نوع من التعيين الذي يصعب خرقه، فيما اعتبر آخرون أن تأييدهم لها لن يقدم ولن يؤخر، فلم يقترعوا، لكن المرشحين الآخرين سواء من اللائحة المنافسة «قرار طرابلس» أو حتى المستقلين، لم يستسلموا طوال النهار، بل ازدادوا حماسة، بسبب قلة عدد الناخبين الذي يعطيهم، فرصا أكبر للفوز.

أما في الميناء، وحيث كان يفترض أن تكون المعركة حارة وحيوية بسبب مواجهة «لائحة وحدة الميناء» القوية، التوافقية المدعومة من الزعماء، بلائحة «قرار الميناء» التي شكلها ويترأسها رئيس بلدية الميناء الحالي عبد القادر علم الدين، إلا أن نسبة الاقتراع بقيت متدنية، ويقول مناصرو علم الدين، إنه رابح لا محالة، وإنه سيخرق اللائحة التوافقية، بأربع مقاعد على الأقل، فيما يقول آخرون، إنه قد يخرق اللائحة القوية وحده، وربما أنه لن يشهد نجاح أي عضو آخر على لائحته.

ولتفاؤل المناصرين للائحتين المناؤتين للائحتي التوافق القويتين في طرابلس والميناء ما يبرره، فثمة كلام كثير عن تشطيب لأسماء، واستبدالها بأخرى، وتقول الماكينات الانتخابية، إن الناخبين يصلون إلى مراكز الاقتراع وقد حسموا خيارهم. وبعد الكلام على التشطيب قال الوزير محمد الصفدي: «التشطيب مضرّ ولكن لا يمكننا أن نضغط على الناس». فيما قال أحمد الحريري، منسق اللجنة الخماسية لتيار المستقبل الذي تابع سير العملية الانتخابية في الشمال من طرابلس: إن «ما يحمي صيغة التوافق التي تم التوصل إليها في طرابلس والميناء هو كثافة الاقتراع». لكن الانتخابات البلدية بقيت بلا روح في طرابلس والميناء، وهو ما يطرح أسئلة حول مدى قناعة الناس بتضامن وتوافق الزعامات السنية على لائحة واحدة ومعهم الوزير روبير فاضل كممثل للمسيحيين. وثمة سؤال آخر بقي معلقا، هو أين ناخبو هذه الزعامات، ولماذا لم تتحرك الماكينات الانتخابية لحث المناصرين على الاقتراع؟

ومقابل برود الانتخابات النيابية شهدت الانتخابات المختارية حرارة عالية، في طرابلس والميناء، بسبب عدم تسييسها، بالقدر الذي يشلها، وبدا واضحا أن البعض جاء خصيصا لاختيار مختاريه، ولولا ذلك لما اقترع أصلا. والبعض اقترع للمختارين ولم يقترع للمجلس البلدي، وعلى رأس هؤلاء الطائفة العلوية، التي قاطعت الانتخابات البلدية، بقرار سياسي من المسؤول السياسي للحزب العربي رفعت علي عيد، وذهب العلويون إلى مراكز الاقتراع لاختيار المختارين فقط.