أجندة أوباما العالمية تتناقض مع طموحات إسرائيل

سياسته تعتمد على قواعد دولية ومؤسسات طالما تجاهلتها تل أبيب

أوباما
TT

منذ إنشائها قبل أكثر من ستة عقود، تمثل دولة إسرائيل، في بعض الأحيان، حليفا محيرا بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ولكنها تطرح تحديا من نوع خاص أمام الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي تركز سياسته الخارجية على أهمية مؤسسات وقواعد دولية طالما تجاهلتها واصطدمت بها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

وكان هناك تركيز على موقفه المحير بعد عملية عسكرية نفذتها إسرائيل خلال الأسبوع الحالي، التي قامت خلالها قوات كوماندوز بالصعود على أسطول مساعدات كان متجها إلى قطاع غزة داخل المياه الدولية، مما أسفر عن مقتل تسعة مدنيين ومن بينهم مواطن أميركي من أصول تركية يبلغ من العمر 19 عاما.

وحذر رئيس خدمة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية، البرلمان في اليوم التالي من أن إسرائيل «تتحول تدريجيا من مصدر قوة للولايات المتحدة إلى عبء»، وانطلقت سفينة مساعدات أيرلندية إلى قطاع غزة ليلة الجمعة، على الرغم من تحذير إسرائيل من أنها ستعترضها.

ولدى إسرائيل مجموعة فريدة من التهديدات الأمنية والطموحات القومية أفرزت سياسات لا تتفق مع أجندة أوباما الأوسع، ومن بينها سعيه إلى وقف انتشار الأسلحة النووية وإصلاح العلاقات الأميركية مع العالم الإسلامي. وقد دفعه ذلك إلى استثناء إسرائيل في بعض المواقف، مما قوض التساوق الذي يسعى إلى التحلي به في التعامل مع الحلفاء والخصوم على السواء.

وقد جعلت هذه الخلافات من الصعب على أوباما أن يتحدث داعما على نحو لا لبس فيه لإسرائيل خلال أوقات صعبة. وعندما سأله لاري كينغ على «سي إن إن» يوم الخميس إذا ما كان «من السابق لأوانه إدانة إسرائيل»، قال أوباما: «أعتقد أننا في حاجة إلى معرفة الحقائق كافة».

ويقول دانيال كورتزر، وهو سفير أميركي لدى إسرائيل كان يقدم استشارات لحملة أوباما الانتخابية ويقوم حاليا بالتدريس في جامعة برينستون، إن المسؤولين الإسرائيليين «ينظرون إلى العالم بصورة مختلفة عن الطريقة التي ينظر بها هذا الرئيس إلى العالم، وهم غير مستعدين للتوافق معه لمجرد أنه الرئيس». ويضيف: «تفهم إسرائيل والولايات المتحدة بيئة التهديد في المنطقة، وتتباين وسائل التعامل مع بيئة التهديد بصورة متزايدة. ويعني ذلك بالنسبة للولايات المتحدة أن إسرائيل تمثل مشكلة، إذ إنها حليف يمضي في مسار مختلف تماما».

وحتى الوقت الحالي، ليس لدى أوباما الكثير من الأشياء الملموسة التي يمكن أن يعرضها بشأن سياسته تجاه الشرق الأوسط، ويهدد الهجوم بتقويض التقدم الذي حققه. وقد وضعت هذه العملية عراقيل أمام سعيه إلى تحويل «محادثات تقارب» بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى مفاوضات مباشرة، وكذا من سعيه إلى فرض عقوبات جديدة على إيران من خلال الأمم المتحدة.

وقبل الهجوم، كانت الإدارة تعمل على إصلاح العلاقات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التي تأثرت خلال العام الحالي بسبب سياسة الاستيطان الإسرائيلية. كما أن المجتمع اليهودي الأميركي يرى أوباما صديقا غير مؤكد لإسرائيل.

وفي الأسبوع الماضي، احتفل أوباما بشهر التراث الأميركي - اليهودي من خلال استقبال داخل البيت الأبيض لـ200 ضيف. واجتمع أيضا أوباما الشهر الماضي مع أكثر من ثلاثين عضوا يهوديا في الكونغرس، وقال لهم إنه «لا يمكنه فرض» تسوية سلمية على الإسرائيليين والفلسطينيين ولكن «ربما أحدد إطارا لحل لكلا الطرفين».

وبالنسبة لإسرائيل ومناصريها، يجب على أوباما أن يظهر تفهما للتهديدات التي يواجهونها قبل الضغط من أجل مقترحات سلام محددة. وبصورة تقليدية يجد القادة الإسرائيليون أماكن قليلة إلى جانب الولايات المتحدة يتحولون إليها من أجل الحصول على دعم. ولا تثق إسرائيل في مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة التي مررت جمعيتها العامة في السابق قرارا يساوي بين الصهيونية وبين العنصرية، ولكنها نقضته بعد ذلك.

ويقول ديفيد ماكوفسكي، وهو زميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن «كلا من بيل كلينتون وجورج دبليو بوش كانا قادرين على إظهار تماثل مع دولة إسرائيلية توجد في منطقة صعبة جدا». ويضيف أن هذا التماثل كان ضروريا من أجل تكوين علاقات جيدة مع الحكومة الإسرائيلية والإسرائيليين، غير المقتنعين بأوباما بدرجة كبيرة.

ويقول ماكوفسكاي، الذي ألف كتابا عام 2009 مع مستشار أوباما للمنطقة، دينيس روس، يحمل عنوان «أساطير وأوهام وسلام: البحث عن طريق جديد في الشرق الأوسط»: «لقد أصبح أوباما أكثر حيادية ويعمل بدرجة أكبر وفقا لبرنامج في المنحى الذي يتبعه، ولكن ثمة مفارقة في ذلك لأنه يجب أن تكون هناك أجندة مشتركة لإيجاد الثقة. وتحتاج إلى الثقة من أجل الوصول إلى أجندة مشتركة».

وفي كلمته إلى العالم الإسلامي في يونيو (حزيران) 2009 من جامعة القاهرة، حظي أوباما بثناء كبير عندما قال إن «الولايات المتحدة لا يمكنها قبول شرعية المستوطنات الإسرائيلية المستمرة» داخل المناطق التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967. وقال إن «عملية التشييد تمثل انتهاكا لاتفاقات سابقة وتقوض من جهود تحقيق السلام». ومثلت هذه التصريحات تحولا حادا عن موقف إدارة بوش الذي كان يتوقع أن تقوم إسرائيل بالاحتفاظ بتكتلاتها الاستيطانية الأكبر في الضفة الغربية.

ويقول مايكل أورين، سفير إسرائيل في واشنطن: «مفتاح التفاهم مع هذا الرئيس هو معرفة أنه يريد تغييرا، فلم يكن ذلك مجرد شعار. هذه علاقة تتغير، ولكن لا يعني التغيير بالضرورة وجود خلاف».

ويقول زعماء إسرائيليون إن المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية تمثل حاجزا يحمي من هجمات عربية من الشرق، ولكن يعتقد الكثير من أعضاء حزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو، أن اليهود لديهم حق توراتي في الأرض، مما يجعل من الصعب على رئيس الوزراء وقف بناء المستوطنات.

ويقول أورن، الذي قضى أربع ساعات داخل البيت الأبيض هذا الأسبوع في اجتماع مع مسؤولين بارزين بالبيت الأبيض: «توجد نقاط اختلاف، وتمثل القدس واحدة من هذه النقاط، وهناك أيضا خلاف حول المستوطنات». وأضاف: «يريدون منا أن نكون أكثر مرونة بخصوص قضية غزة، ونحن نريد تغيير الوضع الراهن. وهذا الحوار دليل على المصالح المشتركة».

ولكن اضطر أوباما، الذي سعى إلى التخلص من المعايير المزدوجة في السياسة الخارجية الأميركية منذ توليه مهام منصبه، إلى استثناء بعض الأشياء فيما يتعلق بإسرائيل في بعض مبادراته الهامة.

وفي نهاية قمة الأمن النووي التي عقدها في أبريل (نيسان)، تحدث أوباما مطولا عن حاجة إيران إلى الوفاء بالتزاماتها بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية أو مواجهة عقوبات أشد لعدم القيام بذلك.

وعندما سئل أوباما عما إذا كان سيضغط على إسرائيل للإعلان عن برنامجها النووي الذي يعود إلى عشرات السنين والتوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي قال إنها «حجر الزاوية في جهودنا العالمية لمنع انتشار الأسلحة النووية»، قال: «لن أعلق على برنامجهم. ولكن ما أشير إليه هو أننا ندعو كل الدول باستمرار إلى أن تكون أعضاء في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية».

وانتهت مراجعة اتفاق هام الشهر الماضي بتصريح أشار إلى برنامج إسرائيل النووي، ولكنه لم يدن البرنامج النووي الإيراني السري. وقال جيمس لونز، مستشار أوباما للأمن القومي، إن عدم الذكر «يبعث على الأسى».

ويقول روبرت مالي، مستشار كلينتون السابق لشؤون الشرق الأوسط: «تواجه هذه الإدارة موقفين صعبين جدا، فإسرائيل تشعر أنها تقف وحيدة لأنها تواجه تحديات لا تواجهها دولة أخرى، وتريد الإدارة إنشاء نظام دولي تحكمه قواعد محددة. والسؤال هو إلى أي مدى سيتعامل الاثنان بفاعلية مع الحالتين، واختبار ذلك سيعتمد على استطاعتهم تحقيق سياساتهم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»