التعصب الديني.. مشكلة تهدد باكستان

إسلام آباد تعهدت بإدخال إصلاحات على آلاف من المدارس الدينية

مواطن باكستاني يسير أمام حافلة وسط فيضان لمياه الأمطار التي أغرقت مدينة كراتشي كبرى المدن الباكستانية بالسيول (أ.ف.ب)
TT

تكافح باكستان الإسلاميين المتشددين منذ سنوات لكن هناك حاجة إلى التخلص من نظام يغذي التعصب الديني بعد إخفاق السلطات في مواجهة الملالي والجماعات المتشددة. ويقول محللون إن انعدام الثقة على المستوى الديني متأصل بعمق في البلاد، التي يغلب على سكانها المسلمون، حتى في نظام التعليم المدرسي وإن على الزعماء الآن حشد الجماهير. في الأسبوع الماضي وقعت مذبحة في مدينة لاهور قتل خلالها أكثر من 80 من أبناء الطائفة الأحمدية وهي أقلية دينية يتهمها الدستور بالهرطقة، مما أثار جدلا محموما في باكستان حول كيفية التعامل مع هذه القضية. وفي مؤشر على انتشار الكراهية ذكرت صحيفة «نيوز» أن أحد المسلحين اللذين نجوا من الهجوم وألقت قوات الأمن القبض عليه قال إنه قام بفعلته لأن الأحمديين يهينون الإسلام. وقال الرجل ويدعى عبد الله للمحققين إن مرشديه الدينيين قالوا إن الأحمديين رسموا رسوما كاريكاتورية للنبي محمد خلال مسابقة عقدت في الآونة الأخيرة على الإنترنت وبالتالي فإن إراقة دمائهم خدمة جليلة للإسلام. ودق هذا ناقوس خطر في البلاد التي تكافح التشدد. وفي الأسبوع الماضي كتب السفير السابق ظفر هلالي في صحيفة «نيوز» عن الشعور المزعج بأن الحكومة خسرت بالفعل المعركة ضد تطرف اكتسب الآن قوة القناعة. وبعد الانضمام إلى الحرب ضد الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 شنت باكستان حملة على المتشددين وحظرت عدة جماعات وألقت القبض على مئات المشتبه بهم وحذرت رجال المتشددين من إلقاء الخطب التي تبث الكراهية وتنشر الضغائن. وتعهدت الحكومة أيضا بإدخال إصلاحات في عشرات الآلاف من المدارس الدينية التي يعتبر الكثير منها أرضا خصبة للتشدد. غير أنه لم يتم تطبيق أي من هذه الإجراءات. وعاودت معظم الجماعات المحظورة الظهور بأسماء جديدة. وما زال رجال الدين المتشددون يلقون الخطب النارية ضد الطوائف المختلفة. واعترفت السفارة الأميركية بالصعوبات نظرا لأهمية باكستان في مجال مكافحة تنظيم القاعدة وحلفائه المتشددين. وقال مسؤول بالسفارة نعترف بأن هذه مشكلة مضيفا أن السفارة شجعت الباكستانيين على المشاركة في برامج تبادل لزيارة الولايات المتحدة التي يعيش بها أبناء ديانات مختلفة. ويقول محللون إن الزعماء الباكستانيين منذ السبعينات ومع اختلاف ما يتمتعون به من شعبية لم يتخذوا إجراءات لمواجهة المتشددين. وقال حسن عسكري رضوي المحلل السياسي والأمني الذي يتخذ من لاهور مقرا له إن الحكومات تفتقر إلى الإرادة اللازمة لتطبيق إصلاحات، خصوصا في المناهج الدراسية. وأضاف: باكستان في الكتب التي تدرس بالمدارس الحكومية دولة للمسلمين وحسب. هذه الكتب لا تشير إلى أن هناك أيضا غير مسلمين يعيشون هنا. ووصف الصحافي والمحلل أحمد راشد المناهج الدراسية بأنها أكثر القضايا حساسية. إنها قضية ستلقى فيها أي محاولة لتغيير المنهج معارضة من كل الجماعات الأصولية.

وفي عام 1974 رضخ ذو الفقار علي بوتو، وهو أول رئيس للوزراء ينتخب شعبيا، للجماعات الإسلامية وتمت الموافقة على تعديل دستوري يعتبر الأحمديين غير مسلمين. لكن التشدد تصاعد في أواخر السبعينات والثمانينات خلال «حملة الأسلمة» التي قام بها الزعيم العسكري الراحل الجنرال محمد ضياء الحق ومساندة باكستان للجهاد الأفغاني الذي كانت تدعمه الولايات المتحدة ضد الغزو السوفياتي وهي فترة شهدت نموا سريعا في الجماعات المتشددة والمدارس الدينية. ووضع ضياء الحق عدة قوانين اعتبرت أنها تنطوي على تمييز ضد الأقليات غير المسلمة وأذكت التوتر بين الطوائف الإسلامية المختلفة. ولم تبذل الحكومات التالية أي جهد لتغيير هذه القوانين. كما استغل العسكريون الذين حكموا باكستان لسنوات يزيد عددها عن نصف عمرها الجماعات المتشددة لخدمة أهداف سياسية في أفغانستان والهند وتهميش الليبراليين. وقال برويز هودبهوي عالم الطبيعة والمحلل: «في البداية سعت الدولة إلى شحن المواطنين دينيا من أجل تطبيق سياستها الخارجية باستخدام أداة الجهاد. لكن الجيش الباكستاني والمؤسسات السياسية أصبحت الآن ضحية للتطرف.. فهي تتخبط في ارتباك». فالرئيس السابق برويز مشرف أخفق مرارا رغم تبنيه رؤية معتدلة للإسلام في تمرير قوانين روجعت أثناء توليه السلطة في الفترة من 1999 إلى 2008. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2007 قتلت رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو التي كانت موالية للغرب ومعارضة للمتشددين في هجوم انتحاري ألقيت باللائمة فيه على متشددين لهم صلة بتنظيم القاعدة.