البيت الأبيض سيبحث مع عباس سياسة بعيدة الأمد تجاه غزة

واشنطن تشدد على أنها لم تغير موقفها من حماس وتطالبها بنبذ العنف

TT

في حين كانت تسعى الإدارة الأميركية إلى جعل زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن فرصة لبحث إطلاق مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أصبح التركيز على غزة وعلى سياسة جديدة لمعالجة الوضع فيها. وأفاد مسؤول في البيت الأبيض لـ«الشرق الأوسط» أن زيارة عباس، التي بدأت أمس، ستكون فرصة لبحث أفكار لـ«استراتيجية بعيدة الأمد حول غزة». وتتطلع الإدارة الأميركية إلى الاستماع لأفكار جديدة من عباس خلال لقائه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما اليوم حول تلك الاستراتيجية، وعلى رأسها قضية الحواجز وتخفيف الحصار المفروض على غزة منذ 2007.

وهناك إجماع في واشنطن على أن استراتيجية بعيدة الأمد لغزة تعتمد على مصالحة فلسطينية وترتيب البيت الفلسطيني. وقال المسؤول الأميركي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه إن «الولايات المتحدة تدعم مصالحة فلسطينية ولكن بنود (تلك المصالحة) مهمة»، موضحا: «فقط حكومة فلسطينية تقبل بالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية، أي نبذ العنف وقبول الاتفاقات السابقة والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، يمكنها أن تحقق الطموحات الفلسطينية الشرعية للاستقلال وبناء الدولة». وستبلغ الإدارة الأميركية عباس أن تلك البنود تعتبر أساسية لـ«أية شروط لتحقيق السلام في الشرق الأوسط». وتابع المسؤول أن الولايات المتحدة «تقف بقوة وراء الإجماع الدولي بأن على كل الأطراف، بما فيها حماس، أن تقبل هذه المبادئ كي يكون لها دور في المفاوضات».

وسيبحث أوباما مع عباس إمكانية وضع استراتيجية لغزة، في وقت تتشاور فيه الولايات المتحدة مع حلفائها في الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الأمم المتحدة لمعرفة الخطوات المقبلة التي ستتخذها. ولم تتبلور استراتيجية واضحة بعد بينما تتشاور واشنطن ثنائيا مع حلفائها في المنطقة والاتحاد الأوروبي حول الخطوات الممكنة التي قد تشمل إجراءات جديدة على نقاط العبور إلى غزة.

وشرح الباحث في «معهد الولايات المتحدة للسلام الدولي» سكوت لاسنسكي أن الإدارة الأميركية تجد نفسها مضطرة إلى مراجعة سياستها تجاه غزة «بعد أن قبلت بسياسة إدارة (الرئيس الأميركي السابق جورج) بوش التي ورثتها ولم تعدلها». وأضاف أن هناك أفكارا الآن «حول إمكانية وجود دولي بين غزة وإسرائيل أو التوصل إلى اتفاق موسع يشمل وقف إطلاق نار واتفاق على إطلاق (الجندي الإسرائيلي المحتجز) جلعاد شاليط»، موضحا أن اتفاقا موسعا سيحتاج أولا إلى مصالحة فلسطينية.

ولفت لاسنسكي إلى أنه «سيكون على عباس إقناع الأميركيين بالمصالحة»، بعد التردد الأميركي الأولي تجاه جهود المصالحة التي قادتها مصر في السابق. وكانت تصريحات نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في مصر أول من أمس دليلا على تقبل واشنطن الآن النظر في هذه القضية مجددا. إلا أنه في الوقت نفسه، يؤكد مسؤولون أميركيون على أن موقف الولايات المتحدة من حماس لم يتغير، بما في ذلك اعتبارها منظمة إرهابية. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية بي جي كراولي: «إننا ملتزمون بدعم شعب غزة بينما نواصل عزل حماس». وأضاف في مؤتمر صحافي أول من أمس: «الموقف الأميركي لم يتغير»، في إشارة إلى الشروط المفروضة على حماس مثل نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل والالتزام باتفاقات السلام السابقة.

ويعمل مسؤولون أميركيون حاليا على بحث الخيارات المتاحة لتعديل الاستراتيجية في غزة، وتتركز غالبية تلك الخيارات على الموضوع الأمني، من حيث منع تدفق السلاح إلى غزة من جهة وطمأنة إسرائيل من جهة أخرى. وقال كراولي: «نريد أن نضمن أن أية إجراءات تتخذ؛ إن كانت من قبل حكومة إسرائيل أو حكومة مصر أو حكومات أخرى، تتوصل إلى طريقة للموازنة بين التزويد بمزيد من المساعدات وفي الوقت نفسه حماية إسرائيل والمصالحة الأمنية في المنطقة». وهناك دراسة حالية حول إمكانية جعل السلطة الفلسطينية مسؤولة عن نقاط العبور مع دعم دولي كنقطة أولى للتوصل إلى هذه الموازنة.

ولن تكون قضية غزة الوحيدة التي سيبحثها أوباما مع عباس في اجتماعهما اليوم. وشرح المسؤول الأميركي أن أوباما سيستعرض مع عباس «التقدم في المحادثات غير المباشرة وبحث جهودنا المشتركة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط وإعادة التأكيد على دعمنا القوي للسلطة الفلسطينية وجهودها لبناء الدولة، بالإضافة إلى مراجعة أفكار حول استراتيجية بعيدة الأمد تجاه غزة».

ويحرص البيت الأبيض على إحداث تقدم على صعيد المحادثات غير المباشرة خلال زيارة عباس كي تكون أرضية للقاء مرتقب بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. يذكر أن نتنياهو ألغى زيارة إلى واشنطن الأسبوع الماضي مع تفاقم أزمة الهجوم الإسرائيلي على «أسطول الحرية» في البحر المتوسط، إلا أنه من المرتقب أن يأتي إلى واشنطن خلال هذا الشهر. وأكد المسؤول الأميركي أنه لم يتم تحديد موعد جديد لزيارة نتنياهو إلى واشنطن ولكنها ستكون «قريبة».

وتتعامل الإدارة الأميركية مع موضوع غزة وتداعيات الهجوم الإسرائيلي على «أسطول الحرية» بحذر، وبخلفية اعتبار 49 في المائة من الأميركيين، الناشطين المؤيدين لفلسطين هم المسؤولون عن المواجهة على السفينة التركية. وأفاد استطلاع للرأي أجراه معهد «راسموسن» ونشرت نتائجه أمس أن 49 في المائة من الأميركيين يحملون الناشطين المسؤولية، بينما فقط 19 في المائة من الأميركيين يلقون باللوم على الإسرائيليين. في حين قال 32 في المائة من الذين شاركوا في الاستطلاع إنهم لا يعرفون أية جهة يجب أن تتحمل مسؤولية ما حدث، واعتبر 51 في المائة من المشاركين في الاستطلاع أنه من الضروري إجراء تحقيق دولي في الحادثة.