المالكي: إما أن أكون رئيس وزراء قويا بموجب الدستور.. أو لا أكون

قال إن العراق يحتاجه.. وحذر من أنه إذا لم يعد «سيعود العنف»

TT

في سياق كفاحه من أجل مستقبله السياسي في سباق معقد امتد لشهور لتشكيل حكومة جديدة في البلاد، حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أول من أمس من أن عدم عودته إلى السلطة سيؤدي إلى انزلاق العراق إلى دوامة من العنف والصراع الطائفي، مثل التي سيطرت على البلاد عندما تولى السلطة عام 2006.

وقال المالكي، الذي بدا في بعض الأوقات واثقا من نفسه وفي البعض الآخر مازحا، وأحيانا متحمسا للقتال، في مقابلة أجريت معه، إنه سيقاوم الجهود الرامية إلى تقليص سلطته إذا ما عاد إلى السلطة. وأصر على أن القائد القوي فقط هو الذي يمكنه معالجة التحديات التي تواجه دولة تستعد للانسحاب العسكري الأميركي ولا تزال تعاني من بقايا أعمال التمرد.

وكانت تصريحات المالكي جريئة، بل وعنيدة، وأكدت على واحدة من القضايا الجوهرية في الأزمة التي أعقبت الانتخابات البرلمانية الحاسمة التي جرت في شهر مارس (آذار) الماضي، وفي المفاوضات المطولة التي تلت الانتخابات من أجل تشكيل الحكومة المقبلة: في دولة لها تاريخ من الديكتاتورية، ما هي القوة التي سيستخدمها رئيس الوزراء؟

وقال المالكي من مكتبه، الذي يدير منه الحكومة الانتقالية «لن أكون رئيسا للوزراء وظيفته هي الوظيفة التي يقوم بها شرطي المرور: تستطيع أن تأتي الآن، تستطيع أن تذهب الآن. لكنني سأكون رئيسا للوزراء بموجب الدستور، وإلا لن أكون رئيسا للوزراء على الإطلاق». وقال إن تجريد رئيس الوزراء من سلطاته «من شأنه أن يقود إلى إضعاف السيطرة على البلاد، وسيتم تحميل الأفراد المسؤولين مسؤولية انهيارها».

والتكهنات بعودة المالكي، الذي سيتم ستين عاما من عمره الشهر الحالي، هي الطاغية على الساحة. فصعوده من الغموض النسبي مع مزيج من الاندفاع والحزم ساعده على الفوز بتأييد شعبي، ووحد الكثير من الطبقة السياسية في العراق ضده.

وجاءت المقاعد الـ89 التي فاز بها ائتلافه في البرلمان المؤلف من 325 عضوا، أقل بكثير من تقديرات مستشاريه. وقضى المالكي، الذي تفوق عليه في الانتخابات ائتلاف سني وعلماني يقوده رئيس الوزراء الأسبق في الحكومة المؤقتة إياد علاوي، وحلفاؤه أسابيع في محاولات فاشلة لتغيير نتائج الانتخابات عن طريق إعادة فرز الأصوات، وتقديم الطعون في المحاكم وإطلاق الحملات التي تهدف إلى إعلان عدم أهلية المرشحين الفائزين.

بيد أن السياسة العراقية في هذه الأيام بمثابة منزل مليء بالمرايا، لا يصدق فيه أحد في الواقع الآخر ولا يثق به. وتم تقديم الوعود بأكثر المصطلحات غموضا. وكان وعد «لا يوجد خطوط حمراء» هو التعهد الذي قدمه الجميع. وجعلت مدة ولاية المالكي وحدها - والنظريات التي يحملها كل من خصومه - الدبلوماسيين بل وحتى معارضيه يشيرون إلى أن فترة ولاية ثانية لا تزال في نطاق الرهانات.

وعن عودته إلى السلطة، قال المالكي: «أتوقع ذلك».

ومن المقرر أن يجتمع البرلمان الجديد يوم الاثنين، في جلسة ستكون رمزية إلى حد كبير، في الوقت الذي يتصارع فيه ائتلاف علاوي وائتلاف المالكي حول من لديه الحق في تشكيل الحكومة الجديدة. ويصر علاوي على أن لديه ذلك الحق، حيث إنه من حصل على أعلى الأصوات في الانتخابات. بيد أن المالكي استشهد برأي المحكمة الذي يمنح هذا الحق إلى تحالف شكله مع ائتلاف شيعي منافس في شهر مايو (أيار) الماضي. وباتحاد الاثنين معا، ينقصهما أربعة مقاعد فقط للوصول إلى الأغلبية.

وعلى أفضل تقدير، يبدو هذا التحالف الجديد هشا. ولم يوافق الاثنان حتى الآن على اسم لتحالفهم الجديد، وأقر المالكي على ما يبدو يوم الأربعاء بأن هناك مشكلة. وقال إن المفاوضات لا تزال جارية مع من وصفهم بأنهم «بعض العناصر» في القائمة الشيعية المنافسة، وأشار إلى استعداده للتوصل إلى صفقة منفصلة مع هذا الفصيل الذي كان لفترة طويلة من أشد معارضيه، وهم أنصار مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي الذي يحظى بالشعبية والذي جاء المرشحون التابعون له في المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي فقط بعد الناخبين الشيعة التابعين للمالكي. وقال «هناك خطوات للتوصل إلى اتفاق مع الصدريين».

وهذه المحادثات معقدة حتى بالمقاييس العراقية، مع مزيج مميز من الحميمية والغضب، حيث يظهر التفاوض ميلا ملحوظا تجاه التوصل إلى طريق مسدود.

ومع ذلك، فإن المصالح التي يتفاوضون بشأنها ربما تكون أكبر من أي وقت مضى منذ أن أطاحت الولايات المتحدة بصدام حسين عام 2003. وتتراوح هذه القضايا ما بين مصير مدينة كركوك المتنازع عليها، إلى سلطة رئيس الوزراء وحكومته.

وأشار بعض السياسيين إلى أنهم سيصادقون على عودة المالكي فقط إذا ما وافق على إعادة توجيه السلطة بعيدا عن مكتب رئيس الوزراء وتخويلها إلى مجلس الوزراء. وفي الماضي، شكا المالكي من أن منصبه يفتقر بالفعل إلى السلطة، ومثقل بمجلس وزراء لا يتلقى أوامره منه بل من الأحزاب. وفي المقابلة، رفض المالكي مزيدا من القيود، وأشار إلى أن أي حل وسط سيكون صعبا.

وقال المالكي في لهجة أكثر حدة «تحتاج كل دولة إلى قائد قوي، خصوصا العراق نظرا لجميع المشكلات والتحديات التي يواجهها، ونظرا لأنه بلد غير مستقر. وإن لم يكن قويا، سيتحول إلى مجرد ريشة في وجه الريح».

وقد نال المالكي، وهو شخصية عنيدة وله قدرة كبيرة على الاحتمال، التأييد ليس من أجل الكاريزما التي يتمتع بها، لكن من أجل العراق، البلد الغارق في الحرب الطائفية، ويسيطر المتمردون على أجزاء من أرضه، وعاصمته خطيرة للغاية لدرجة أن الفرد لا يمكنه التجول بها أثناء الليل. ويحترم المؤيدون فيه الحزم، على حد قولهم، في التعامل مع التحديات التي واجهها العراق. وقال المالكي «إذا ما كانت الدولة تحت قيادة قائد ضعيف، فإنني أخشى أن تعود الأيام القديمة».

بيد أن استعداد المالكي لاختبار حدود سلطته، عن طريق جمع السلطة في يده وإرسال الجيش لمحاربة الميليشيات بل وحتى خصومه، أغضب الكثيرين. ويؤكد ناقدوه على أنه معزول بصورة مفرطة من جانب دائرة صغيرة من المستشارين، وعرضة للشبهة، ويأخذ النزاعات بصورة شخصية. فعداوته تجاه مسعود بارزاني، الرئيس الكردي، معروفة للجميع؛ ولم يلتق بعلاوي منذ سنوات.

وفي المقابلة، تحدث المالكي بغموض عن نوايا الدول المجاورة؛ وقال إنها تتدخل في جميع الأحزاب، فيما عدا حزبه. وتتشارك كل من المملكة العربية السعودية وسورية والأردن وتركيا وإيران الحدود مع العراق، بيد أن المالكي رفض الإشارة إلى أي منها. وقال إن الولايات المتحدة «مراقب وليست شخصا يتدخل في هذه العملية».

وعلى الرغم مما اعتبره البعض غوغائية من المالكي في تأجيج المشاعر المعادية لحزب البعث قبل عملية التصويت، وجه المالكي اللوم إلى خصومه السنيين والعلمانيين بسبب اللعب بورقة الطائفية، وقال إن من شجعهم على ذلك هو القوى الأجنبية نفسها.

وعلى الرغم من ذلك، في لحظة صريحة، أقر المالكي بخيبة أمله بشأن الانتخابات والوضع في البلاد، مشيرا إلى أن الاختيارات السياسية لا تزال خاضعة للهوية. وقال «لقد اعتقدنا أننا ذهبنا إلى حد بعيد في القضاء على الطائفية أكثر مما أظهر الواقع». وأضاف أن الانتخابات للأسف أعادت العراق إلى نقطة البداية.

* خدمة «نيويورك تايمز»