«كرزاي الصغير».. حليف وعقبة أمام الجيش الأميركي في أفغانستان

حجر عثرة أمام جهود محاربة الفساد وتعزيز حكم القانون

TT

في الثامن من مارس (آذار)، كان الجنرال ستانلي ماكريستال يرأس اجتماعا سريا عقد داخل مقر «الناتو» في كابل، وعرض عليه تقرير كان بعض المسؤولين العسكريين يأملون أن يفضي إلى الإطاحة بأحمد والي كرزاي، الأخ غير الشقيق للرئيس الأفغاني والرجل الأكثر نفوذا في جنوب أفغانستان.

ولكن، بدلا من ذلك بدا كرزاي أكثر قوة من ذي قبل. وأرجئ هجوم عسكري أميركي خلال فصل الصيف ضد معقل حركة طالبان داخل قندهار، ويقول مسؤولون أميركيون إن ذلك يعد بمثابة اعتراف بأن هناك معارضة من جانب مسؤولين محليين، ولكنهم لم يذكروا كرزاي بالاسم.

وتدلل حقيقية أن كرزاي الصغير، الذي يبلغ من العمر 48 عاما، لا يزال يحتفظ بنفوذ كبير داخل قندهار على الصعوبات التي تقف أمام سعي الجيش الأميركي للتأكيد على إرادته داخل أفغانستان. وينظر بعض المسؤولين الاستخباراتيين الأميركيين إلى أحمد والي كرزاي على أنه شخص هام، ومع ذلك ينظر إليه مسؤولون عسكريون أميركيون بعين الشك منذ وقت طويل، ويعتبرونه عقبة أمام جهودهم من أجل محاربة الفساد وتعزيز حكم القانون داخل أفغانستان.

وكان يسعى ضباط أميركيون، من خلال عرض التقرير على ماكريستال في مارس، إلى أن يكون ذلك «بطاقة لعب على الطاولة»، حسب ما ذكره مسؤول بارز في «الناتو». وتضمن التقرير الخطوط العريضة لمعلومات استخباراتية كان يأمل منتقدو أحمد والي كرزاي أن تقنع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي بإقصاء أخيه.

ولكن، يقول مسؤولون أميركيون ومسؤولون من «الناتو» إن العرض كان غير مقنع لدرجة أن الجنرال ماكريستال وجه أوامر إلى مرؤوسيه طلب منهم فيها «الإقلاع عن ذكر أشياء سيئة عن أحمد والي كرزاي» ودفعهم إلى التحول للعمل معه.

وعندما أجل الهجوم حتى سبتمبر (أيلول)، على الأقل، قال مسؤولون أميركيون إن هناك فسحة من الوقت كي يثبت أحمد والي كرزاي أنه متعاون بدرجة أكبير. ويقول براجيدير جنرال فريدريك هودجز، وهو قائد أميركي بارز في جنوب أفغانستان: «أعتقد أنه يريد أن يكون في الجانب الصحيح من التاريخ. ونريد أن نساعده على أن يكون عنصر بناء لا معول هدم».

ويقول بعض المسؤولين التابعين للناتو إن أفضل ما يمكن أن يأملوه هو أن يترك كرزاي، وهو رئيس مجلس محافظة، حاكم قندهار توريالاي ويسا يلعب دورا أكبر في الساحة السياسية داخل المحافظة. ولكن يقول بعض المسؤولين الأميركيين إنه من السذاجة التفكير في أن أحمد والي كرزاي سيخفف من قبضته على قندهار، حيث يخشى قادة الشرطة الأفغانية هناك من تجاوزه. ومن بين 900 عنصر شرطة توجهوا إلى المدينة خلال الصيف الحالي، طلب كرزاي أخيرا 250 منهم لمجلس المحافظة و110 من هؤلاء حراس شخصيون، وذلك حسب ما قاله مسؤول أميركي بارز.

ولا شك في أن كرزاي يحظى بنفوذ كبير، ويتمتع بهذا النفوذ من خلال مكالمات على الهاتف الجوال واجتماعات لا حصر لها مع الجميع بدءا من وزراء في الحكومة وصولا إلى جنرالات أميركيين وفلاحين. ومنذ أن عاد إلى أفغانستان في عام 1992 بعد 10 أعوام قضاها في الولايات المتحدة برهن كرزاي على قدرته في الحصول على نتائج يفشل آخرون داخل الحكومة الأفغانية في تحقيقها.

ويقول كرزاي بتواضع: «أعرف كيف أتحدث مع الناس، وأعرف كيف يمكنني التعامل مع هذه القبائل وأعرف احتياجاتها وأعرف كيف أتعامل مع هذه الاحتياجات، وهذه هي المهارة التي تعلمتها».

ولوقت طويل كان أحمد والي كرزاي مصدر شقاق داخل الحكومة الأميركية، فلديه علاقات قوية مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) منذ وقت طويل، ويقال إنه يحصل على أموال من الـ«سي آي إيه» مقابل توفير قوات أمنية ومنازل آمنة داخل وحول قندهار.

وقال مسؤول أميركي مطلع العام الحالي: «إنه زعيم قبلي هام، وإذا أبعدت كرزاي، فلن يكون هناك حكم جيد، ولكن يكون هناك حكم بالأساس. لقد قام بأشياء جيدة للولايات المتحدة. إنه رجل فعال». ويعترف منتقدو كرزاي داخل الجيش الأميركي بأنه لا توجد أدلة قاطعة ضد كرزاي، مثلما أظهر التقرير في مارس. وتحدث مسؤولون أميركيون عن كرزاي شريطة عدم ذكر أسمائهم بسبب حساسية الموضوع إذ لا يزال كرزاي في السلطة. ويزعم منتقدون أن لديهم شكوكا قليلة في أن كرزاي متورط في تجارة الأفيون، ويقدّر البعض أنه يحصل على ملايين الدولارات سنويا كدخل غير مشروع. ويوجد اعتقاد واسع داخل أفغانستان بأن كرزاي متورط في أعمال فساد تسببت في سخط الشعب الأفغاني على حكومته.

ولد كرزاي، وهو متزوج ولديه أربعة أطفال، في مدينة قندهار، ورحل إلى الولايات المتحدة عام 1982، وهناك عاش في ماريلاند وفيرجينيا قبل أن ينتقل إلى شيكاغو ويدير مطعما أفغانيا فيها. ويعيش كرزاي حاليا في منزل متواضع نسبيا، له واجهة رخامية داخل شارع وضعت فيه المتاريس وتنتشر فيه عناصر الشرطة جنوب وسط مدينة قندهار.

وفي صبيحة أحد الأيام القريبة، استقبل 73 شخصا خلال ساعتين، وكان البعض منهم ينحني أمامه، وقام آخرون بتقبيل يديه، وقدمّ شخص إليه مذكرة قرأها ثم مزقها.

وكان اللقاء الأول مع امرأتين من محافظة زابل طلبتا مباركته للترشح للبرلمان. ووافق على ذلك مقابل شرط واحد. «لو سمحتما، لا تذكرا اسمي، فهناك الكثير من الناس يريدون دعمي»، هكذا قال لهما.

وجاءت مجموعة من القرويين ليطلبوا إقامة نقطة تفتيش تابعة للشرطة، وتبعتها مجموعة أخرى تريد إلغاء نقطة التفتيش عندهم. وطلبت تسع قيادات قبلية موافقته على قائمة ضيوف ليحضروا تجمعا هاما. وتوّسل إليه سائق شاحنة شاب طالبا ترشيحا منه للحصول على وظيفة، فيما ناشده رجل كبير السن وطلب منه أن يتدخل لإطلاق سراح ابنه من سجن أميركي. وسأله كرزاي: «هل هو في حركة طالبان؟» ورد الرجل العجوز: «نعم». فقال كرزاي: «لا يمكنني فعل شيء في الوقت الحالي، تعال يوم السبت وسنتحدث».

وخلال الشهر الجاري قام كرزاي بإغلاق مجلس محافظة به 15 عضوا في تعبير عن الغضب بعد أن اتهمه الجيش الأفغاني بالاستحواذ على أرض للحكومة. ويُعتقد على نطاق واسع أيضا أنه يتحكم في اختيار القيادات بالمناطق ورؤساء الشرطة في المحافظة. ويقول ليفتينانت كولونيل ريك أندرسون، وهو قائد كتيبة أميركي ستنتهي فترة خدمته، إنه يعتقد أن كرزاي ساعد على الإطاحة بحاكم منطقة نياز محمد سرهدي لأن الحاكم اتخذ موقفا ضد الفساد.

* خدمة «واشنطن بوست».. خاص بـ«الشرق الأوسط».