أبو مازن من باريس: لجنة التحقيق الإسرائيلية لا تتناسب مع بيان مجلس الأمن

أبو ردينة: أوباما لم يتحدث معنا عن «خطة» أميركية بديلة في الخريف

الرئيس الفرنسي يصافح الرئيس الفلسطيني في قصر الإليزيه بباريس أمس (رويترز)
TT

24 ساعة أمضاها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن في باريس، محطته الثالثة في جولته الدولية، التي قادته قبلها إلى واشنطن ومدريد، ومنها انتقل إلى القاهرة حيث سيلتقي أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى العائد من غزة، وبعدها إلى شرم الشيخ للقاء الرئيس حسني مبارك.

وكما في واشنطن ومدريد، فقد هيمن موضوع الغارة الإسرائيلية على «قافلة الحرية» وتوابعها، خصوصا الأفكار المطروحة أوروبيا لرفع الحصار عن القطاع، وإنشاء لجنة تحقيق وفق ما طلبه مجلس الأمن الدولي، على محادثات أبو مازن مع ساركوزي التي تمت في إطار غداء عمل، وقبلها مع وزير الخارجية برنار كوشنير، الذي استضافه في عشاء بمقر الخارجية ليل الأحد الاثنين.

ورغم تحاشي الطرفين الحديث عن ذلك، فقد برز اختلاف في الرأي بين الجانبين في موضوع لجنة التحقيق، التي أعلنت إسرائيل عن تشكيلها صباح الاثنين. وقد اغتنم أبو مازن حديثه للصحافة بعد لقاء ساركوزي ليعلن أنه لا يرى في «ما يطرح الآن ما يلبي نص قرار مجلس الأمن الدولي». وأكد الرئيس الفلسطيني أن ما يريده الفلسطينيون هو تشكيل لجنة التحقيق، التي طلبها مجلس الأمن في بيانه الرئاسي عقب اجتماعه، الذي كرسه للنظر في الغارة الإسرائيلية على «قافلة الحرية». وفي المقابل، يبدو الموقف الفرنسي «متفهما» للجنة كما شكلت، فقد أعلنت الخارجية الفرنسية في المؤتمر الصحافي أن «وجود مراقبين دوليين في اللجنة التي شكلتها السلطات الإسرائيلية عنصر إيجابي». لكنها أردفت أنها تأمل أن تكون اللجنة المذكورة «قادرة على أن تتحلى أعمالها بالمصداقية والشفافية والحيادية، وبما يتناسب مع المعايير الدولية».

وقالت مصادر فلسطينية عن الانطباع الذي خرج به الوفد الفلسطيني من الاجتماعين (مع ساركوزي وكوشنير)، إن هناك نوعا من «الضبابية» ما زال يكتنف تصور الآلية المطروحة فرنسيا وأوروبيا لجهة رفع الحصار عن غزة، فضلا عن أن الطرفين لا يتحدثان عن الشيء نفسه. وفي حين يطالب الفلسطينيون برفع الحصار، يتحدث الأوروبيون عن «تخفيفه»، وهو ما جاء في ورقة العمل التي ناقشها وزراء الاتحاد في لوكسمبورغ أمس. وتعارض إسرائيل العرض الأوروبي القائم على تفتيش البواخر المتجهة إلى غزة أو عودة المراقبين الأوروبيين إلى معبر رفح. وتعمل فرنسا ومعها الاتحاد على إجبار إسرائيل على نشر لائحة المواد الممنوع إرسالها إلى غزة، مما يعني أن كل ما ليس على اللائحة مسموح بإرساله.

ووصف أبو عباس محادثاته مع ساركوزي بأنها كانت «جيدة»، وتطرقت بداية إلى موضوع غزة، ثم إلى موضوع المفاوضات غير المباشرة الحالية عبر الوسيط الأميركي جورج ميتشيل مع إسرائيل. وبخصوص الموضوع الأخير، اعتبر رئيس السلطة أنه في حال لم يحصل تقدم في هذه المفاوضات، وإذا لم يحصل الفلسطينيون على شيء من إسرائيل حتى الخريف القادم، فإنه «لا بد من وقفة» من أجل «إعادة النظر في ما يمكن أن يحصل». وأكد رئيس السلطة الفلسطينية أنه والرئيس ساركوزي «متفقان» على هذا الأمر. وأفاد أبو مازن أنه عرض مع ساركوزي «المبادرات» التي يمكن أن يطرحها الأوروبيون والأميركيون في الخريف القادم، وفق ما أكده الرئيس الفرنسي سابقا. وسبق لباريس أن اقترحت قمة دولية لهذا الغرض، وأعربت عن استعدادها للتعاون مع موسكو.

غير أن أوساطا فلسطينية رافقت الرئيس أبو مازن إلى واشنطن قالت لـ«الشرق الأوسط» إن الفلسطينيين لم يسمعوا لا من أوباما ولا من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون حديثا عن خطة أميركية جديدة. وأضافت هذه المصادر: «بدلا من الخطة الجديدة، نحن نرى من الأجدى التزام خريطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية وواشنطن طرف فيها». وكشفت هذه المصادر أن الوفد الفلسطيني «لم يحصل من الإدارة الأميركية على وعود أو التزامات، بل على تفهم للموقف الفلسطيني»، إذ أكد محمود عباس أنه «من غير تقدم في موضوعي الحدود والأمن لن يتم الانتقال إلى المفاوضات المباشرة» التي يضغط نتنياهو للانتقال إليها في أسرع وقت.

وفي لقاء خاص معه على هامش زيارة أبو مازن، قال نبيل أبو ردينة، الناطق باسم الرئاسة لـ«الشرق الأوسط»: «إن نجاح زيارة واشنطن الأساسي يكمن في أن الجانب الفلسطيني لم يتعرض لضغوط لقبول المفاوضات المباشرة من غير تحقيق تقدم ضروري ولا محيد عنه في موضوع الحدود، ولم يحمل أي مسؤولية، بعكس ما كان يحصل في السابق. والنجاح الثاني الحصول على دعم أميركي لسياسة السلطة الفلسطينية، والثالث تقديم دعم مالي قيمته 400 مليون دولار لإنشاء البنى التحتية».

أما عن البدائل المطروحة أمام الجانب الفلسطيني في حال راوحت المفاوضات غير المباشرة مكانها، فقد أعلن أبو ردينة أنه ستتم العودة إلى لجنة المتابعة العربية التي أعطت الضوء الأخضر لمفاوضات من أربعة أشهر ليعرض الأمر عليها في اجتماع سيتم في نيويورك في سبتمبر (أيلول) المقبل، وهي التي ستقرر ما إذا كان المعطى المتوافر يتيح الانتقال إلى مفاوضات مباشرة أم لا. ورفض أبو ردينة التكهن سلفا بمسار المفاوضات غير المباشرة التي جرت منها ثلاث جولات. غير أنه أشار إلى تأكيدات أميركية باستمرار بذل جهود نشطة، وألمح إلى زيارات كثيرة، ومن مستويات مختلفة لمسؤولين أميركيين إلى المنطقة. لكن المسؤول الفلسطيني حذر من أن نتنياهو يضيع الوقت، ويفتعل الأزمات، ولم يقبل حتى الآن بجدية قيام دولة فلسطينية. وبحسب أبو ردينة، فإن ما يطلبه الفلسطينيون هو «التزامات إسرائيلية، وإيضاحات وضمانات أميركية بإلزام إسرائيل بتنفيذ ما يتم التفاهم حوله». وحذر أبو ردينة من أن الصيف الحالي «سيكون بمثابة مفترق طرق مهم سواء لعملية السلام أو لمصير المنطقة أو لمصير بعض دولها»، متسائلا عن «معنى» المفاوضات إذا لم يتم التفاهم على حدود الدولة الفلسطينية التي تشمل، من جهة نظر فلسطينية، غزة والضفة والقدس والأغوار والبحر الميت. وأفاد أبو ردينة أن الجانب الفلسطيني أوضح للإدارة الأميركية رفضه لأي دولة بحدود مؤقتة، وهي في الأساس فكرة إسرائيلية، «لكن إسرائيل وجدت من يسوق لها» أو تتناقش معه بخصوصها.

وبخصوص الزيارة التي قام بها عمرو موسى إلى غزة، قال أبو ردينة إنها «لا تزعج» السلطة، وموسى اتصل بأبو مازن قبل إتمامها. وفي أي حال، يؤكد أن البحث في آلية رفع الحصار عن غزة سيتم التفاهم حوله مع السلطة، وليس مع أي طرف آخر.