الأطفال في الصومال.. جنود مسلحون منذ نعومة أظافرهم

آلاف الصبية يجندون في الجيش الصومالي الذي تموله أميركا.. ومتعتهم الوحيدة «حمل البنادق»

أحد المسلحين في صفوف القوات الحكومية الصومالية في أحد شوارع مقديشو حيث تزايد تجنيد الأطفال في الحرب المزمنة التي تشهدها الصومال منذ عقدين من الزمن (إ.ب.أ)
TT

يجوب أويل صلاح عثمان شوارع هذه المدينة التي مزقتها الحرب، أشبه بالكثير من الأولاد الآخرين مرتديا ملابس رثة، مع أنامل نحيفة وعيون متعطشة لجذب الانتباه والتعاطف. لكن أويل صلاح عثمان يختلف عن هذه الصورة النمطية لأطفال الصومال في أمرين: أولهما أنه يحمل بندقية آلية؛ والثاني أنه جندي في الجيش الصومالي الذي يفترض أنه يتلقى أسلحته وأمواله من الولايات المتحدة.

أخفت نبرته الحادة معالم سنه عندما صرخ في أحد السائقين، الذي حاول تجاوز نقطة التفتيش طالبا منه التوقف، وقد احمر وجهه وهز سلاحه في وجه الرجل من شدة الغضب: «أنت، ألست تعلم ما أفعله هنا. أوقف سيارتك». توقف السائق في الحال فالأرواح سريعا ما تزهق في بلد كالصومال، وقليلون هم من يحاولون مجادلة صبي في الثانية عشرة من عمره متقلب الأهواء.

في بلد كالصومال دائما ما تقوم الجماعات الإسلامية باستقطاب هؤلاء الأطفال من ملاعب كرة القدم وتحولهم إلى مقاتلين، لكن أويل ليس متمردا، فهو يعمل لصالح الحكومة الانتقالية الفيدرالية، الجزء الأخطر في الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي. ويقول مسؤولو حقوق الإنسان والأمم المتحدة في الصومال إن الحكومة الصومالية التي تعتمد على المساعدات من الغرب لتتمكن من البقاء تستخدم مئات الأطفال وربما أكثر على جبهات القتال، البعض منهم في سن التاسعة.

ظاهرة الجنود الأطفال ليست حكرا على الصومال وحدها فهي منتشرة في العالم أجمع، بيد أن الأمم المتحدة تشير إلى أن الحكومة الصومالية واحدة من بين أكثر الدول إرسالا للأطفال إلى الحرب لتجد نفسها على قائمة الجماعات المتمردة كجيش الرب للمقاومة.

ويقول مسؤولو الحكومة الصومالية إنهم لم يقوموا بالتفتيش المناسب، وكشف المسؤولون عن أن الأمم المتحدة كانت تساعد في دفع رواتب هؤلاء الجنود وهو ما أقره المسؤولون الأميركيون، مشيرين إلى إمكانية أن تكون رواتب بعض هؤلاء الجنود المحاربين أتت من أموال دافعي الضرائب.

ويقول مسؤولو الأمم المتحدة إنهم قدموا للحكومة الصومالية خططا لتسريح هؤلاء الأطفال، لكن مسؤولي الحكومة الصومالية التي تناضل لسنوات للوقوف في وجهة تقدم المتمردين، وقفت عاجزة نتيجة للقتال ولم تستجب حتى الآن.

وكان الكثير من المسؤولين الأميركيين قد أشاروا إلى قلقهم بشأن استخدام الأطفال الجنود وأنهم يدفعون نظراءهم الصوماليين إلى توخي المزيد من الحرص. لكنهم عندما سئلوا عن كيفية ضمان عدم استغلال الأموال الأميركية لتسليح الأطفال، قال أحد المسؤولين «ليست لدي إجابة واضحة لذلك».

وتشير منظمة اليونيسيف إلى أن دولتين لم توقعا على معاهد حقوق الأطفال، التي تحظر استغلال الأطفال الأقل من 15 عاما كجنود، هما الولايات المتحدة والصومال. وكانت الكثير من منظمات حقوق الإنسان قد عبرت عن استيائها من ذلك ووصفته بغير المقبول. كما أبدى الرئيس أوباما استياءه حينما أثيرت تلك القضية خلال الحملة الانتخابية، وقال: «من المحرج أن نجد أنفسنا إلى جانب الصومال في أمر غير قانوني كذلك».

في هذه البلاد تطل الكثير من الوجوه الغضة، التي لم ينبت لها شارب أو لحية، من خلف الأسلحة الآلية. وفي المنازل التي تعرضت للقصف يبلغ حجم الطلقات الفارغة ضعف أصابع أولئك الأطفال. وفي الأحياء المجاورة للبحر يدير هؤلاء الأطفال نقاط التفتيش ويقودون سيارات دفع رباعي على الرغم من أنهم قد يرون الطريق بالكاد. ويعترف مسؤولو الحكومة الصومالية بأنهم خلال مسارعتهم لبناء جيش دائم لم يفرقوا في سن الالتحاق بالجيش.

وقال أحد مسؤولي الحكومة الصومالية الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته بسبب حساسية القضية: «كنا نحاول إيجاد أي شخص قادر على حمل السلاح». يناضل أويل كي يتمكن من حمل سلاحه الذي يزن عشرة أرطال وقد ترك حزام حمل السلاح أثره في كتفه النحيل وهو دائم نقله بين كتفيه. أحيانا ما يحصل على مساعدة من زميله أحمد حسن، البالغ من العمر 15 عاما، والذي قال إنه أرسل إلى أوغندا قبل أكثر من عامين للتدريب على الجندية. وقد كان الجنود الأميركيون يشرفون على تدريب القوات الصومالية في أوغندا. وقال عن بعض ما تعلمه في أوغندا: «كانت أحد أهم الأشياء التي تعلمتها في أوغندا كيفية القتل بسكين».

لا يملك الأطفال في الصومال الكثير من الخيارات، فبعد انهيار الحكومة الصومالية في عام 1991، شب جيل من أطفال الشوارع، الذين لم يتلقوا تعليما مدرسيا أو لعبوا في حديقة يوما ما، وتوقفت عظامهم عن النمو بسبب المجاعة ودمرت حياتهم النفسية بسبب عمليات القتل التي شاهدوها.

وعندما سئل أويل عن أكثر الأمور التي يستمتع بها قال: «ماذا أستمتع؟ أنا أستمتع بالبنادق». وككل الأطفال هنا تركته الحرب أكبر سنا من سنوات عمره. فهو يحب السجائر ومدمن للقات.

تخلى والدا أويل، اللذان هاجرا إلى اليمن، عنه وهو لا يزال في السابعة من العمر لينضم بعدها إلى الميليشيات. ويعيش الآن مع زملائه من الجنود في أطلال منزل يغص بعلب السجائر الفارغة والملابس كريهة الرائحة. لا يعرف أويل عمره تحديدا، لكن قائده يقول إنه يناهز الثانية عشرة، لكن شهادات الميلاد أمر نادر هنا.

يلتهم أويل الأرز بيدين تعلوهما الأوساخ، لأنه لا يعلم من أين ستأتي وجبته التالية. لكنه يدفع نحو دولار ونصف يوميا بين كل حين وآخر كغالبية رفاقه من الجنود.

يمتلئ سريره الذي يشاركه فيه اثنان من زملائه، علي ديق، (10 سنوات)، وعبد العزيز، (13 عاما)، بالذباب. ويقول قائده عبد السلام عبد الله: «كان يفترض بهم أن يكونوا في المدرسة، لكن لا توجد مدرسة».

ويقول علي شيخ ياسين، نائب رئيس مركز الإيمان للسلام وحقوق الإنسان في مقديشيو، إن نحو 20 في المائة من قوات الحكومة (يعتقد أن عددهم ما بين 5.000 و10.000 جندي) هم من الأطفال وأن نسبتهم في جماعات المتمردين تبلغ 80 في المائة. ويضيف أن «الجماعة الراديكالية الأكبر في البلاد هي جماعة الشباب التي تستقطب الكثير من هؤلاء الأطفال الذين يسهل غسل أدمغتهم، حتى أنهم قد لا يتلقون راتبا».

أحد الأخطار التي لا تحصى التي يواجهها أويل يوميا هي التراشق المستمر بين فرقته ومجموعة أخرى من الجنود الحكومية من عشيرة مختلفة، حيث تعاني الحكومة الصومالية الانقسامات بدءا من مكتب رئيس الوزراء وحتى الشوارع. ويقول شيخ يوسف محمد سيد، وزير الدفاع الذي استقال فجأة الأسبوع الماضي مثل الكثير من الوزراء، مشيرا إلى ازدياد نسبة الفرار من الجندية: «كل هذا التدريب الدولي، هو تدريب للجنود لجماعة الشباب. ليس عليكم سوى سؤال الرئيس عما فعله خلال العام الماضي. لم يفعل شيئا على الإطلاق. ويقول مستشارو الرئيس شيخ شريف شيخ أحمد، إنهم أعدوا خطة لشن هجمة قادمة تكون عملية عسكرية شاملة لاستعادة المدينة من المتمردين.

يبدي أويل شغفا بالقتال، ويقول قائده إنه أثبت كفاءته في قتال مقاتلي الشباب الذين اعتادوا السخرية منه في السوق. وقال أويل: «هذا ما دفعني إلى الانضمام إلى قوات الحكومة الفيدرالية الانتقالية، فأنا أشعر كأنني بين إخوتي».

* خدمة «نيويورك تايمز»