مصر في وضع حرج تجاه غزة بعد غارة إسرائيل على أسطول الحرية

القاهرة لها أسبابها المحلية.. وأنقرة لا ترى مضار من تقوية حماس

TT

في ظل تصاعد الضغوط على إسرائيل لرفع حصارها عن قطاع غزة، تجد مصر نفسها في ورطة وذلك لمواصلة المساعدة في تعزيز الحصار، في الوقت الذي تراقب فيه تركيا وهي تنافس الدول السنة العربية الكبرى بالمنطقة في نصرة القضية الفلسطينية.

ومصر، وهي الدولة الوحيدة التي تسيطر على العبور إلى غزة إلى جانب إسرائيل، لها أسبابها السياسية المحلية الخاصة في مواصلة إغلاق القطاع. فهي تنظر إلى حركة حماس، هذه الجماعة الإسلامية المتشددة التي تسيطر على القطاع، على أنها حليف لأقوى حركة معارضة في مصر، وهي جماعة الإخوان المسلمين. ويشعر المسؤولون في مصر بالقلق من أن أي فتح لهذا القطاع من الأرض قد يكون له تداعيات سياسية سلبية بالنسبة إلى حكومة الرئيس حسني مبارك.

بيد أنه منذ 31 مايو (أيار) الماضي، عندما قامت قوات الكوماندوز الإسرائيلية بقتل تسعة نشطاء في شجار على متن سفينة مساعدات تركية كانت متجهة إلى غزة، أصبح موقف مصر محرجا بصورة كبيرة، حيث تصاعدت الدعوات المنادية برفع الحصار عن هذا القطاع الساحلي الضيق. وفي الوقت الذي ازدادت فيه شعبية تركيا في المنطقة عقب إدانتها للتصرفات الإسرائيلية، تعرضت مصر والأردن وغيرهما من الدول السنية في المنطقة للهجوم والانتقاد لعدم القيام بالمزيد من أجل مساعدة 1.5 مليون فلسطيني محاصرين في غزة.

وقال مسؤول أميركي، طلب عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية القضية، «بصورة أساسية، كانت هناك رغبة من جانب المصريين، والأردنيين وغيرهم من أجل مواصلة عزل حركة حماس، والآن انقلب ذلك بفعل كارثة أسطول المساعدات».

وقد أدت غارة الأسطول إلى تقوية حركة حماس ووجهت ضربة جديدة للدول العربية المعتدلة، التي تفضل حركة فتح التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. كما سلطت هذه الحادثة الضوء على النفوذ المتراجع لمصر في المنطقة، لا سيما عدم قدرتها على التوسط في اتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس، اللتين اشتدت الخلافات بينهما منذ الصراع الدموي على السلطة عام 2007، والذي ترك حركة حماس مسيطرة على قطاع غزة.

وقال دبلوماسي عربي سابق: «لقد جعل ذلك الأمر المعتدلين في مأزق». وأضاف هذا الدبلوماسي البارز، الذي طلب عدم ذكر اسمه، «لن تستطيع بأي طريقة الوقوف ضد أي محاولة لكسر الحصار المفروض على غزة، خاصة عندما يتعرض الناس للقتل».

وقالت مصر إنها تفضل رفع الحصار، لكنها ترفض فتح المعبر الحدودي الذي تسيطر عليها بصورة كاملة. وعلى عكس من تركيا، التي لا ترى أي مضار من تقوية حركة حماس، فإن الرئيس المصري مبارك غير راغب على الإطلاق في قبول هذه الجماعة. ووسط موجة من الغضب على الصعيد المحلي عقب كارثة أسطول المساعدات، أعلنت مصر أنها تفتح معبر رفح إلى أجل غير مسمى. لكن من بين الـ 8000 فلسطيني الذين حاولوا العبور عبر معبر رفح خلال الأسبوعين الماضيين، لم يسمح لـ 1500 بالعبور. وعبرت سبع شاحنات محملة بالبضائع إلى غزة عبر رفح، حسبما أفاد غازي حمد، المنسق الفلسطيني لجميع المعابر من وإلى غزة. وفي الفترة نفسها، دخل المئات من إسرائيل. ولا يتم السماح بالعبور من خلال معبر رفح إلا للأفراد الذين يحتاجون إلى رعاية طبية والطلاب والأفراد الذين يحملون تأشيرات أو جوازات سفر دولية. ويتم منع قادة حماس من العبور من رفح، وتم منع العديد من أعضاء الحركة من العبور خلال الأسبوعين الماضيين، حسبما أفادت حماس.

وعلى الجانب الآخر، لا تزال مصر تنشئ جدارا تحت الأرض لإغلاق الأنفاق التي تستخدم في التهريب، والذي يعد بمثابة الدعامة الأساسية لاقتصاد غزة. وقال دبلوماسي مصري إن هذا الجدار سيكتمل بنهاية الصيف الحالي.

وتم تسليط الضوء على المخاطر والضرورة المستمرة للتجارة المهربة أثناء زيارة قام بها يوم الأحد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى قطاع غزة. وأثناء لقائه برئيس وزراء حماس إسماعيل هنية في منزله بمخيم الشاطئ للاجئين قتل شاب فلسطيني عمره 17 عاما في أحد الأنفاق بالكهرباء.

وكان قادة حركة حماس غير راغبين في انتقاد مصر علنا لأنهم يخشون إغلاق معبر رفح بالكامل. لكن بصورة غير معلنة، حالة الإحباط واضحة وصريحة.

وقال مسؤول بحركة حماس: «العلاقات بين مصر وحماس ليست جيدة. تلقي مصر باللوم على حركة حماس لأنها لم توقع على اتفاق المصالحة. ومع ذلك، يتوقع الناس هنا من مصر أن تفعل الكثير، وأن تلعب دورا كبيرا في كسر الحصار، وممارسة الضغوط على إسرائيل».

وكانت غزة، وهي قطاع ضيق من الأرض محصور بين مصر وإسرائيل على طول ساحل البحر المتوسط، خاضعة لفترة طويلة لأهواء القوى المجاورة. فكانت مصر تسيطر على غزة خلال الفترة من عام 1948 حتى عام 1967، عندما استولت إسرائيل على القطاع أثناء حرب الأيام الستة.

وفي عام 2005، سحبت إسرائيل 8000 مستوطن يهودي من القطاع، وبعد ذلك بعام، هزمت حركة حماس حركة فتح في الانتخابات الفلسطينية. وفي عام 2007، جعلت حركة حماس معظم قادة فتح يفرون إلى الضفة الغربية بعد معركة دموية بين الحركتين؛ ونتج عن هذا التحرك تعزيز إسرائيل لحصارها في غزة.

ووسط الجمود في محادثات المصالحة، يخضع فيصل أبو شاله، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة فتح، إلى النوع الخاص به من الحصار. إذ تعامله حركة حماس إلى جانب عدد قليل من أعضاء حركة فتح الذين لا يزالون في القطاع، كأعضاء في منظمة محظورة وليس كخصوم سياسيين. ففي يوم الأحد الماضي، تم استدعاء اثنين من زملائه إلى مركز استخبارات تابع لحركة حماس من أجل الاستجواب.

وقال أبو شاله لقد «تركتنا الدول العربية لفترة طويلة. لقد تركونا منقسمين، وتركونا نعاني في غزة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»