رجال الأعمال الجدد بتركيا إسلاميون لا يمانعون في التعاون مع إسرائيل

الاقتصاد أعطى أردوغان قوة سياسية.. والبعض يخشى تجاوز الحدود في استعراض العضلات

TT

كان يقال لتركيا منذ عقود إنها غير مؤهلة بعد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وإنها متخلفة اقتصاديا بدرجة كبيرة مما يعوقها عن الانضمام إلى الاتحاد الذي يضم حاليا 27 دولة.

ولكن، ربما لن يستمر هذا الرأي طويلا، ففي الوقت الحالي تعد تركيا قوة اقتصادية تنمو بسرعة كبيرة، وقد حولتها مجموعة من الشركات التركية العالمية إلى بؤرة استثمارية، تتوسط أسواقا ثرية برؤوس الأموال في روسيا ومنطقة الشرق الأوسط في الوقت الذي تجذب فيه استثمارات بمليارات الدولارات.

وبالنسبة لكثيرين في القارة الأوروبية المثقلة بالديون، التي ستكون محظوظة لو سجلت نموا تجاوز 1 في المائة خلال العام الحالي، تطرح نهضة تركيا الاقتصادية، التي سجلت نموا نسبته 11.4 في المائة خلال الربع الأول لتلي الصين، سؤالا جديدا من نوعه: مَن يحتاج إلى الآخر بدرجة أكبر؛ تركيا أم أوروبا؟

ويقول فورال أيك (42 عاما)، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «إنترسيتي»، وهي أكبر شركة لتأجير السيارات داخل تركيا: «تفقد القوى القديمة نفوذها، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الفكري. ولدى تركيا من القوة ما يمكنها من الوقوف وحدها».

ويعد ذلك تحولا مثيرا للدهشة بالنسبة إلى اقتصاد كان يعاني قبل 10 أعوام فقط من عجز في الميزانية نسبته 16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن تضخم نسبته 72 في المائة. ويعد ذلك سببا رئيسيا في صعود رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي جمع بين اتجاه محافظ اجتماعي وسياسات اقتصادية حريصة بما جعل حزب العدالة والتنمية الحاكم الحركة السياسية الأكثر سيطرة داخل تركيا منذ تأسيس الجمهورية التركية.

ومن خلال إتمام هذا التطور، تقترب تركيا من تحقيق معايير استخدام عملة اليورو - إذا ما انضمت إلى الاتحاد الأوروبي - أكثر من معظم الاقتصادات المتعثرة الموجودة بالفعل ضمن منطقة اليورو. فهي بعيدة بمقدار كبير عن سقف 60 في المائة على الدين الحكومي (49 في المائة من إجمالي الناتج المحلي)، ويمكن أن تجعل عجز الميزانية السنوي لديها أقل من 3 في المائة العام المقبل. ويجعل ذلك تقليل نسبة التضخم، الذي تصل نسبته حاليا إلى 8 في المائة، الهدف السياسي الكبير الوحيد الباقي.

ويقول هوسنو أوزيغين، الذي أصبح أغنى رجل في تركيا عندما باع بنكه «فينانس بنك» إلى «بنك اليونان الوطني» عام 2006: «هذا عالم الأحلام». وبينما كان جالسا أعلى فندق سويسري من فئة الخمسة نجوم، نظر إلى جهاز «بلاك بيري» وكان يحرك المؤشر لأسفل ليطالع بيانات عن دول منطقة اليورو. ولم يكن يصدق ما يراه. وقال أوزيغين برضا كبير: «لو كان أحدهم قال لي قبل عشرة أعوام أإن المخاطرة المالية داخل تركيا ستكون مساوية لإيطاليا، لقلت إن ذلك ضرب من الجنون».

وبعد أن باع بسعر مرتفع إلى اليونان، يقوم أوزيغين حاليا باستثمار أمواله في الشرق، والبنك الجديد الذي يمتلكه هو «إيروكريدت» الذي يحصل على 35 في المائة من أرباحه من عملياته داخل روسيا.

ويمثل أوزيغين الحرس القديم بين رجال الأعمال الأتراك الذي يؤمنون بحكومة أردوغان بسبب نجاحاتها الاقتصادية.

ويعد المسؤول التنفيذي في شركة تأجير السيارات، أيك، نموذجا على النخبة الجديدة. ويقود سيارة «فراري» إلى مكان العمل، ولكنه أيضا مسلم. كما أنه لا يلتزم بالإجماع العلماني الموجود داخل النخبة التجارية والعسكرية والقضائية التي حاربت بجد من أجل إبعاد الدين عن الحياة السياسية.

ويوجد على الحائط خلف مكتبه آيات من القرآن الكريم باللغة العربية، وقام مؤخرا بتوفير التمويل لبرنامج دراسات إسلامية خارج واشنطن في جامعة جورج ماسون داخل فيرفاكس بولاية فيرجينيا، حيث ألقى أردوغان كلمة قريبا.

وسواء كان أيك يعتنق الإسلام كمجموعة من المبادئ لإدارة حياته أو كان يؤمن بالتقنية الإسرائيلية في مجال الري من أجل نشاطه المتنامي في مجال الجوز واللوز، فإنه يمثل ديناميكية مرنة - اجتماعيا واقتصاديا - تسمح لتركيا بتوسيع العلاقات التجارية مع إسرائيل وروسيا والسعودية وإيران وتدعم طموحها في أن تكون لاعبا سياسيا بارزا في المنطقة.

ومن بين الأعضاء الآخرين البارزين داخل هذه المجموعة من المسؤولين التنفيذيين بقطاع الأعمال يبزغ مصطفى لطفي توباسي، رئيس ومؤسس «بي آي إم»، وهي سلسلة التجزئة الأكثر نموا داخل تركيا، ومورات ألكرن الذي يدير مصنع الشوكولاته والكعك المحلى «ييلديز القابضة».

وبمبيعات تبلغ 11 مليار دولار، تقدم «ييلديز القابضة» منتجات الأطعمة الخاصة بها في السوق التركية وفي 110 أسواق عالمية. وقد قامت الشركة ببناء مصانع داخل كازاخستان وباكستان والسعودية وأوكرانيا وتدير حاليا العلامة «غوديفا».

ويحظى المليارديران بعلاقات قوية مع رئيس الوزراء (أردوغان الذي كان يمتلك في الماضي شركة توزع منتجات «أولكر» كما يعد توباس مستشارا قريبا منه). ولكن ينبغي الإشارة إلى أن الفرص التجارية في هذا الجزء من العالم تدر أرباحا كبيرة، ولذا لا تحتاج الشركات إلى دعم من الحكومة في الوقت الحالي.

وخلال العام الحالي على سبيل المثال، ستسير شركة «الخطوط الجوية التركية» رحلات إلى عدد كبير من المدن؛ منها ثلاث داخل العراق، وثلاث داخل فرنسا. ومن بين الطرق التي تشهد أكبر نمو: ليبيا وسورية وروسيا، وتعد الأخيرة الشريك التجاري الأكبر بالنسبة إلى تركيا وتمضي الطائرات التركية إلى سبع مدن فيها. وتحتل روسيا بذلك المرتبة الثانية بعد ألمانيا، التي يوجد بها عدد كبير من الأتراك المهاجرين.

وداخل إيران، تقوم شركات تركية ببناء مصانع أسمدة وتصنيع الحفاضات والمنتجات الصحية للنساء. وداخل العراق، فازت مجموعة «أكارسان»، ومقرها جنوب شرقي مدينة غازيانتب، بمناقصة لبناء خمس مستشفيات. وتصل قيمة مشروعات الإنشاء التي ستنفذها الشركات التركية مجتمعة إلى أكثر من 30 مليار دولار، وبذلك تحتل المرتبة الثانية بعد الصين مباشرة. وتمتلك حكومة أذربيجان شركة البتروكيماويات الكبرى داخل تركيا، وتعد السعودية مستثمرا كبيرا داخل قطاع التمويل الإسلامي المتنامي داخل البلاد.

ولا يمكن لأحد أن يجادل في أن هذه الاتجاهات أعطت أردوغان شرعية، داخليا وخارجيا، ومكنته من انتقاد إسرائيل والوصول إلى اتفاق نووي مع إيران، وهي الإجراءات التي وترت من العلاقات مع الولايات المتحدة، حليفتها الرئيسية والقديمة. (وتصدر تركيا بضائع قيمتها 1.6 مليار دولار إلى سورية وإيران خلال العام الحالي، أكثر من صادراتها إلى الولايات المتحدة بمقدار 200 مليون دولار).

ولكن يخشى البعض من أن استعراض العضلات قد يتجاوز الحدود، ومن أن النبرة الهجومية ضد إسرائيل ربما تقوض من مبدأ أساسي لمؤسس الدول التركية مصطفى كمال أتاتورك: «سلام في الداخل وسلام في العالم».

ويقول فيردا يلديز، رئيس «البصرى القابضة»، وهي شركة كبيرة تجري مفاوضات مع الحكومة السورية لبناء مصنع داخل سورية بهدف تصنيع عدادات كهرباء: «تعد السياسة الخارجية لتركيا شيئا جيدا إذا حققت فخرا بالذات». وعلى الرغم من ذلك، يحذر يلديز من الوقوع في خطأ التوسع شرقا على حساب ميل الدولة القديم ناحية الغرب من أجل الابتكار والطموحات. ويقول: «تستغرق عملية بناء العلاقات عقودا من الزمان، ولكنها تتهدم في لحظات».

* خدمة «نيويورك تايمز»