آية الله حسين الصدر في حديث لـ«الشرق الأوسط»: من يسيس الدين يسيء له ويتاجر به

المرجع الديني البارز: لا يمكن للعراق أن يبنى على أساس المحاصصة

آية الله العظمى حسين إسماعيل الصدر في مكتبه بمدينة الكاظمية («الشرق الأوسط»)
TT

يتميز المرجع الديني الكبير آية الله العظمى حسين إسماعيل الصدر عن سواه من المراجع الدينية في العراق ليس بانفتاحه على جميع الأديان والمذاهب فحسب بل على الإعلام والمثقفين أيضا، العراقيين منهم وغيرهم، وبانفتاحه أيضا على كل ما هو معاصر ومفيد في العالم.

فللسيد حسين الصدر الذي يتواصل مع الآخرين عبر شبكة الإنترنت، محطة فضائية تحمل اسم «السلام»، ومراكز تنتشر حول العالم باسم «الحوار الإنساني»، إضافة إلى دوريات ومطبوعات منتظمة، والأكثر من هذا وذاك تشرف مؤسساته على عشرات المراكز والمعاهد التعليمية للبنات خاصة، ومن ثم الأولاد، يتعلمون فيها الكومبيوتر والرسم وفن الإلقاء والعلوم، هذا بالإضافة إلى انتشار المراكز الصحية وملاجئ الأيتام والكليات ومراكز رعاية النساء والمعاقين التي تمتد من بغداد وحتى الأنبار، فهو ينظر إلى العراقيين باعتبارهم متساوين في كل الحقوق، لا فرق عنده بين مسلم وغير مسلم، أو بين سني وشيعي، أو بين عربي وغير عربي.

«الشرق الأوسط» زارت في بغداد بعض مراكز مؤسسات ومراكز السيد حسين إسماعيل الصدر، قبل بقائه في مكتبه بمدينة الكاظمية، حيث كان هناك أعداد من الزائرين له، وبينهم نسبة من النساء، ومن الرجال غير المسلمين، وقد دار معه حوار مطول تناول معظم جوانب الوضع العراقي الراهن. وفيما يلي نص الحوار:

* بعد جولة في مؤسساتكم اطلعنا على حجم الجهود المبذولة لرعاية الأيتام والشيوخ والمعاقين والنساء، بالإضافة إلى وجود جامعة ومكتبات عامة ومراكز صحية، كيف اهتديتم إلى تقديم هذا الحجم من الخدمات؟

- الحقيقة نحن هكذا فهمنا إسلامنا والرسالة الإلهية، فهمنا الرسالة الإلهية على أساس أنها نظرية وعمل وليست نظريات وشعارات ومتبنيات فكرية فقط، إنما الرسالة الإلهية جاءت من أجل خدمة الإنسان ومن أجل أن تقدم للإنسان كل ما يلزمه بشكل عام، سواء كان أبناء هذه الديانة أو ديانات أخرى. غالبا ما نقول إن الرسالات السماوية مصدرها واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، وهدفها واحد وهو الإنسان، إذن حملة الرسالة لا بد أن يكرسوا ما لديهم من قابليات وطاقات وإمكانيات من أجل خدمة البشرية، وخصوصا أولئك الذين هم بحاجة إلى خدمة ورعاية واهتمام والتفات، ومن أهم هذه الشرائح هم الأيتام، ولهذا قمنا ببناء دار للأيتام، ولله الحمد، تجمع الكثير من الأيتام من ديانات متعددة، وهم كلهم عراقيون.

* هذا يعني أن الأيتام النزلاء ليسوا فقط من المسلمين الشيعة؟

- نعم ليسوا فقط من المسلمين وليسوا فقط من مذهب واحد، وإنما من جميع المذاهب والمدارس الإسلامية وكل القوميات العراقية، نحتضنهم ونعمل من أجل أن يعيشوا في سلام وخير واطمئنان، وأن يتعلموا، فلهم مدرسة خاصة بهم لكل الصفوف، ولهم مركز صحي خاص بهم، وأيضا قاعات ترفيهية. وهناك قسم للذكور وآخر للإناث، لبناتنا العزيزات الحبيبات ولأبنائنا الأعزاء الأحباء، نستقبل الأيتام من أعمار متقدمة ويبقى اليتيم في الدار إلى عمر الـ14، وبعد ذلك نبقى معهم، ونحن متكفلون بهم ضمن قانون دار الأيتام الذي وضعناه، ونحن متكفلون به حتى إكمال دراسته وزواجه وهو يبقى معنا ونشعر بالمسؤولية تجاهه، ولله الحمد، احتضنا الكثير من الأيتام، وخصوصا السنوات الماضية التي أفرزت في عراقنا الحبيب الكثير من الأيتام نتيجة أعمال العنف التي يقومون بها أعداء العراق ومن قبل أعداء الله والإنسان وأعداء الديانات السماوية والمذاهب الإسلامية.

* هل هناك تنسيق بين دار الأيتام ومؤسساتكم الأخرى وبين مؤسسات الدولة كوزارة العمل والشؤون الاجتماعية؟

- نحن نتمنى أن يكون هناك تنسيق وقلوبنا مفتوحة لأي عمل تنسيقي يطور عملنا ويفتح أمامنا أبوابا جديدة من أجل خدمة أهدافنا الوطنية والإنسانية والإيمانية، لكن الدولة والحكومة بشكل عام مشغولة بالسياسة، وفيما تعتقد أنه الأهم.

* عرضت بعض شاشات الفضائيات تقارير عن دار تابعة للدولة لرعاية المعاقين، وشاهد الناس أطفالا معاقين على الأرض بصورة بائسة، وقيل إنه كان يتم إهمالهم وضربهم وسرقة طعامهم من قبل الموظفين، ترى أين هذا من الدين وعمل الدولة؟

- بالتأكيد هناك البعض من الموظفين لا يمتلكون التربية الروحية السليمة التي تدفعهم بالشعور بالمسؤولية تجاه الإنسان، هناك قسم من الموظفين لا يمتلكون الوطنية السليمة التي تدفعهم لخدمة أبناء وطنهم، وخصوصا الذي يحتاج إلى الاهتمام والرعاية والخدمة، هنا قسم من الموظفين لا يمتلكون الحافز الإنساني الذي يدفعهم من أجل رعاية واحترام كرامة الإنسان وحقوق الإنسان، بالتأكيد المعاق لم يصب بالإعاقة برغبته أو اختياره، وإنما بظروف خارجة عن إرادته، إما أن تكون لظروف وراثية معينة أو لظروف إرهابية تسببت في إصابته بالإعاقة، إذن هو ليس باختياره كونه معاقا ولا بد أن نلتفت إليه ونهتم به ونرعاه أكثر، إذن هناك قسم من الموظفين الذين يفتقدون إلى الجانب الإيماني السليم والجانب الوطني السليم والجانب الإنساني السليم، وفيما يبدو في بعض الأوقات لا توجد الرقابة المطلوبة عليهم، ودائما المحاسبة تكون نتيجة المراقبة، حيت تتم محاسبة الموظفين بناء على نتائج الرقابة، أما من دون هذه الرقابة فلن يكون بمقدور المسؤول أو الوزير معرفة ما يقوم به الموظف ولهذا لا يستطيع محاسبته، ثم إن الذي يؤلمنا ويؤسف له ويوجعنا دائما هو وجود محسوبيات ومنسوبيات في كثير من المراكز والدوائر بالشكل الذي يغفر لكثير من المسيئين إساءاتهم كونه قريبا من المسؤول الفلاني بالنسب أو العلاقة أو الحزب والمذهب أو القومية، ومن جانب آخر، هناك حسابات خاطئة في بعض الأوقات عندما يدخل الجانب السياسي في مراعاة بعض المقصرين، فلأنهم من جهة أو حزب أو قومية ومذهب معينة، يغض النظر عن سلبياته وإساءاته لإرضاء جهة معينة.

* ذكرتم أن الدولة انشغلت بالسياسة ولم تهتم برعاية دور الأيتام حيث اعتبرتها (الحكومة) شيئا ليس له أهمية، هل من المعقول أن دولة لا تنتبه لشريحة مهمة مثل الأطفال أو المعاقين أو النساء بسبب اهتمامها بالسياسة؟

- السياسة في عرف الكثير من السياسيين هي المنصب والمصالح وليس خدمة الناس والاهتمام بهم، ولهذا ما يؤلمنا كثيرا ما يذكره الكثير من الناس من العراقيين وغير العراقيين في الإعلام أو غير الإعلام أن من القرارات القليلة التي أجمع مجلس النواب عليها، مسألة مرتباتهم وامتيازاتهم، بينما الكثير من القرارات التي تهم الشعب بقيت معلقة لسنة ولسنتين، وحتى الآن لم يتم إقرارها، وهكذا عندما تولد الجهات المسؤولة وعلى كل المستويات من رحم مجلس كهذا المجلس، فبالتأكيد سوف ترث وتأخذ نفس طابع هذا المجلس، لهذا لم نرَ الاهتمام الكافي في كثير من الجوانب الرئيسية والحياتية للشعب كالجانب الصحي، وهذا له عدة مواصفات، منها عدم وجود المراكز الصحية في كثير من المناطق، والصفة الأخرى أنها إن وجدت في بعض المناطق فلا تحتوي على الأجهزة التي تفي بالغرض، والصفة الثالثة إن كانت هناك أجهزة ففي أغلب الأوقات هي خارج الخدمة إما لكونها معطلة أو لعدم وجود من يستطيع تشغيلها، وفي بعض الأوقات لا تستعمل إلا ضمن المحسوبيات.

* لماذا يحدث كل هذا في العراق ولا يحدث في بقية بلدان العالم، حيث إن مثل هذه القضايا أصبحت بديهية، أين الخلل؟ هل الخلل في السياسة أم في الإدارة أم في المجتمع؟

- في تقديري هناك عدة أسباب، الأول هو عدم وجود محاسبة حقيقية للمقصرين، وعدم المحاسبة نتيجة بديهية لعدم وجود الرقابة، السبب الثاني أن الكثير من مراكزنا الرسمية ازدحمت بأشخاص وظفوا هناك لا على أساس الكفاءة والمهنية وإنما على أساس المحسوبية أو الحزبية والمذهبية والقومية، وعندما يكون المعني بهذه المسؤولية غير مهني وغير كفء ولم يتسلم هذا المركز على أساس وطني وعلى أساس الكفاءة فبالتأكيد سيكون أداءه أداء معاقا وهذا ما نعيشه في عراقنا.

* الزائر لبغداد يجدها مهدمة ومؤلمة، غالبية من الناس في الشوارع يستجدون وآخرون متعبون، فإذا ألقينا اللوم على السياسيين، نسأل عن دور رجال الدين؟ خاصة أن الله سبحانه وتعالى يحملكم مسؤولية رعاية المؤمنين أو البشر؟

- بالتأكيد، أنا في تقديري أن مسؤوليتنا كبيرة جدا، ولكبرها ورد في الحديث الشريف «أن أطول الناس وقوفا يوم القيامة هم العلماء» لكبر مسؤوليتهم، أقول إن مسؤوليتنا هي أولا في توجيه النصح للمسؤولين، وأن نلفت أنظارهم إلى نقاط الضعف في عملهم، وإلى ما يعيشه الشعب من سلبيات وأذى ومشكلات، هذا أولا.

* وهل أسديتم النصح للمسؤولين؟

- بالتأكيد وعلى كل المستويات، بصورة مباشرة ومن خلال أجهزة الإعلام كافة، خاصة أن لدينا محطة فضائية مرئية، وفي كثير من مؤتمراتنا والندوات المهمة التي عقدناها والتي تحظرها الكثير من وسائل الإعلام نطرح السلبيات والمشكلات التي يعاني منها الشعب العراقي، والتي من أهمها الجانب الصحي، حتى إننا قمنا قبل ثلاث سنوات بافتتاح مركز صحي في أحد أفقر الأحياء في محافظة كربلاء، وشاهدنا في حفل افتتاح المركز الويلات والمشكلات الكبيرة جدا نتيجة عدم وجود مركز صحي في تلك المنطقة والمناطق المجاورة إليها، وأنا أذكر هذا الحادث على سبيل المثال، بينما هناك، مقرات للأحزاب السياسية في كافة أنحاء العراق من شماله إلى جنوبه، وهذه المقرات مجهزة بأفخر الأجهزة والأثاث. وقد شكا سكان الحي من عدم توفر المياه، ونتيجة ذلك حفرنا في محافظة كربلاء عدة آبار، وفي الوقت نفسه قمنا بفتح مراكز صحية في الفلوجة ومركز محافظة الرمادي للحاجة الكبيرة والملحة فيها، وبنينا قسما من المساجد التي قام بتهديمها الأشرار أعداء الله والعراق وأعداء كل المذاهب الإسلامية، وهكذا لدنيا الكثير من المراكز التي نعتبرها ضمن مسؤوليتنا الدينية الإيمانية ومسؤوليتنا الوطنية والإنسانية التي نؤكد عدم وجوب افتراق تلك المسؤوليات بعضها عن بعض.

* ما هو حكم الدين على أوضاع كهذه وعلى من يسرق أموال الشعب ومن يسرق أموال الدولة؟

- بالتأكيد السرقة من الكبائر والمحرمات، والذي يسرق المال العام إنما يسرق 30 مليون شخص وليس شخصا واحدا، حيث إن عدد العراقيين يبلغ نحو الثلاثين مليون نسمة، ولهذا هي جريمة كبيرة، ولا بد أن يحاسب ويعاقب وينحى عن منصبه.

* وما هو الحكم الشرعي على مثل هذه الحالات وعلى من يتستر على السارق؟

- الحكم الديني من حيث وجوب الشعور بالمسؤولية فعن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول «من أصبح وأمسى ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم». إذن هناك ضرورة ووجوب شرعي من أن الفرد المؤمن لا بد أن يهتم بأمور الناس، والأمر الثاني هو أن من تقلد المسؤولية ولم يتحمل المسؤولية ويعمل لخدمة شعبه فبالتأكيد يكون آثما، وهذا محرم عليه، وإذا كان غير قادر على خدمة شعبه لا بد أن يعتذر ويعطي المجال لمن يقدر على خدمة الشعب والناس. وإذا كان هناك من يتستر على سارق أموال الشعب وهو يعلم بذلك فهو مشارك معه.

* وإذا لم يكن قادرا وارتكب كل هذا ويصر على البقاء فما هو حكم الدين في حقه؟

- بالتأكيد تكون النتيجة أنه لا يحق ولا يجوز له البقاء لأن المسؤولية الرسمية هي قدرة على الخدمة، ويفترض أن لا تكون هي الغاية وإنما هي وسيلة، فعندما يتمكن من تحقيق خدمة الآخرين وأن يكون المنصب الرسمي وسيلة لخدمة الآخرين فيكون بقاؤه مشروعا ومباركا، أما إذا لم يتمكن من جعل منصبه وسيلة لخدمة الناس فلا بد عليه أن يتنحى وأن يأتي من يتمكن من خدمة الناس.

* وإذا كان وجوده وبقاؤه في المنصب مستمدا من استغلال الدين والمذهب؟

- كثيرا ما أقول في المؤتمرات، من سيس الدين فقد أهانه، ومن سيس المذهب فقد أساء إليه، ذلك أن الدين فوق السياسة، وكل من يسيس الدين يسيء له ويتاجر به، ولا يحق لأحد المتاجرة بالدين والمذهب.

* هل من الأفضل أن يُحكم البلد من قبل أشخاص يبعدون الدين عن السياسة؟

- كثيرا ما نكرر في الإعلام على ضرورة وجود 3 مواصفات لمن يتحمل المسؤولية، الجانب الأول والرئيسي هو الوطنية والإيمان بالوطن، والجانب الثاني هو الكفاءة والمهنية، أما الجانب الثالث فهو النزاهة والأمانة. وأنا دائما أؤكد أن حامل الدين يفترض أن يكون بعيدا عن الجانب السياسي العملي، وأفرق ما بين السياسة والوطنية، حيث إن السياسة في عرف اليوم هي فن الممكن، وثانيا السياسة على الأقل في مفهوم السياسيين العراقيين هي المصلحة المذهبية أو الشخصية أو القومية والحزبية، والدين فوق ذلك ولهذا في تقديري حامل الرسالة الدينية والإلهية لا يمكن أن يتسيس، لا مانع من أن يكون السياسي متدينا، لكن هذا لا يعني أن يسيس دينه، وإذا كان السياسي يصلي ويصوم في تقديري يكون أقدر على حمل رسالته وأداء واجبه، وإذا كانت عبادته واعية وعلاقته مع الله تفتحه على خدمة الإنسان ويعمل وفق «خير الناس من نفع الناس»، ويعيش كل آية قرآنية تقول في سبيل الله تعني في سبيل الإنسان وخدمة الإنسان، وهذا ما دائما نؤكده عندما نفسر الآيات الكريمة، أن المقصود من مقطع الآيات الكريمة، في سبيل الله أي في خدمة الإنسان، حيث إن الله هو الغني والقوي والعزيز ولا يحتاج خدمة الإنسان، إذن نخدم مشروع الله في الوجود، ومشروع الله في الوجود هو الإنسان، والإنسان هو أغلى وأثمن ما عند الله في هذا الكون، حيث خلق الله السماوات والأرض من أجله، إذن لا بد من أن نخدم الإنسان.

* هناك مشكلة لم نكن نعرفها في العراق، وهي مشكلة ما تسمى بالطائفية والمذهبية، وعزل السنة عن الشيعة وبث التفرقة بينهما، لكننا نعرف أن جهودكم كبيرة في محاربة هذا الموضوع وفي لم شمل المسلمين؟

- نحن نؤكد باستمرار أنه ليست هناك مشكلة طائفية ما بين أبناء الشعب العراقي، ولكن المشكلة هي ما بين السياسيين العراقيين، وبعض السياسيين الذين ليست لهم قاعدة شعبية وحاولوا اتخاذ التفرقة المذهبية والطائفية وسيلة من أجل الحصول على شيء من الامتيازات والقواعد الشعبية. إذن المشكلة ليست بين العراقيين، ولم تكن في يوم من الأيام مشكلة مذهبية بين أبناء شعبنا، لهذا نحن وفي أصعب الظروف في نهاية 2004 وبداية 2005 اجتمعنا واستقبلنا كل الأطياف العراقية وكل الديانات من مسيحيين وصابئة وأيزيديين وكل المدارس الإسلامية، ومن خلال مؤتمرات وندوات واجتماعات ناقشنا ورسخنا معا موضوع وحدة العراقيين، ولم تكن هناك أي مشكلة، لكن المشكلة أن بعض السياسيين حاولوا أن يخلقوا هذه المشكلات من أجل امتيازات خاصة لهم كحصولهم على بعض المناصب. وبخصوص بعض المحاولات التي نسميها محاولات دنيئة لزرع ثقافة الطائفية من قبل من يحمل هذه الثقافة، سواء بعض السياسيين أو غيرهم، قمنا بعقد الكثير من المؤتمرات واللقاءات التي أكدت الأواصر الإيمانية والأواصر الوطنية العراقية والإنسانية، ولله الحمد، أتت ثمارها على الساحة العراقية مع أن الساحة العراقية تعاني الكثير من الآلام والمشكلات، وقد تكلمت قبل قليل عن الجانب الصحي وإهماله، وهناك ما لا يقل أهمية عن الجانب الصحي وهو الجانب التربوي والتعليمي، الذي هو بعد أن كان العراق، وإن شاء الله يبقى، مشعلا من مشاعل العلم بإنجازاته وحضارته ورموزه، أصبح اليوم يعد ثاني بلد في تفشي الأمية. في الحقيقة هذا يعني موت البلد، وكل هذا نتيجة تقصير السياسيين وعدم التفاتهم إلى أهم نقطة لوجود ولحياة الشعب العراقي ألا وهي التعليم والثقافة والوعي ولا يمكن أن يكون الشخص مثقفا وواعيا إن لم يكن متعلما.

* هل تعتقد أن هذا الموضوع مقصود من قبل الدولة أو جانب من السياسيين، وهو أن إبقاء المواطنين في جهل حتى لا يعترضون على سياسات الحكام؟

- في علم المنطق يقسمون الجهل إلى قسمين؛ قسم بسيط، وقسم مركب، والجهل البسيط هو أن الجاهل يعلم أنه جاهل، والجهل المركب هو أن الجاهل لا يعلم أنه جاهل، وفي تقديري هناك من يمكن أن يكون قاصدا للإساءة خاصة بعد تنبيهه، وهناك من لا يملك القابلية والقدرة على العمل، أو أنه جاهل ويجهل أنه جاهل، لكن النتيجة واحدة، وهي أن الوضع التعليمي تردى إلى درجة كبيرة في العراق، والكثير من المناطق تفتقر إلى المدارس، وبعض المناطق فيها مدارس لكنها تفتقر إلى الأثاث والمعلمين وخدمات الماء والكهرباء.

* أليس هذا عيبا في دولة اقتربت ميزانيتها السنوية من 80 مليار دولار؟

- هذا ليس عيبا فقط وإنما جريمة.

* هناك اليوم من يستخدم المذهب من أجل السيطرة على الحكم في العراق تحت ذريعة أن الحكم يجب أن يكون بيد هذه الطائفة وليس بيد طائفة أخرى، ما هو رأيكم في هذه الطروحات؟

- في الحقيقة أن واحدة من أكبر المشكلات التي نعاني منها هي ما تسمى بالمحاصصة، وذكرنا السياسيين بذلك منذ بداية انهيار النظام السابق وحتى الآن، ونذكرهم مجددا بأن فكرة المحاصصة لا تخدم العراق ولا يمكن للعراق أن يبنى على أساس المحاصصة، وإنما المطلوب هو الوطنية والكفاءة والنزاهة، ما دام أن الشخص الذي يحكم عراقي فهو قريب لي ومن لحمي ومن دمي وعزيزي وأخي وولدي وأقرب الناس إلي، وكثيرا ما أقول حتى في الإعلام إن الأيزيدي وإن كان أبعد الناس عني دينيا، ولكنه ما دام أنه عراقي فهو ابني وله في العراق من حقوق ما لي، وعليه من واجبات ما علي، ولا بد أن أخدمه وأقدم له ما أتمكن لأنه عراقي، في تقديري أن المواطنة والوطنية العملية تقتضي ذلك، وأن إسلامي وديني وإيماني يأمرني بذلك لأنه يحترم الإنسان قبل كل شيء، وأن الرسالة الإنسانية تفرض علي ذلك لأنه إنسان. ودائما الرسالات السماوية بشكل عام ومنها إسلامنا تحترم الرأي الآخر وتعطي مساحة واسعة للتفاعل مع الآخرين، ولهذا عندما أسست أول مؤسسة من مؤسساتنا بعد انهيار النظام وسميناها مؤسسة الحوار الإنساني قلت في تعريفها، ليس المقصود منها أن تتحاور مع الآخر في عقيدته وإنما المقصود منها أن تعرف عقيدته، وأن يعرف كل صاحب عقيدة عقيدة الآخر، وليس بمعنى أن يتحاور، بمعنى أن يصحح ويغير تلك العقيدة، ولكن أن يعرفها، وإذا عرفها فلا بد أن يحترمها ويحترم رموزها، وهذا واضح كذلك في القرآن الكريم، في منهج الله سبحانه وتعالى لأنبيائه وحوارهم مع الآخرين، يقول لنبيه الكريم «قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ»، وهذا منتهى الاعتراف بالرأي الآخر، فلي عملي ولك عملك، ولم يقل له، هو ربي فقط وليس بربك، وإن عملي هو المقبول وعملك ليس بمقبول، بل وأكثر من ذلك نرى في آية أخرى في أسلوب الحوار في قوله تعالى «وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ» وكأن الرسول يتكلم مع ديانة أخرى أو رأي آخر «وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ» فهذه مساواة وكأنه يفرض إما أن يكون هو على صواب والآخر على خطأ، أو الآخر على صواب وهو (الرسول) حاشاه، على خطأ، وهذا منهج حواري وفكري رائع، فلم يقل رأيي هو الصحيح وبقية الآراء خطأ، حتى وإن كان يؤمن بذلك داخله، ولكن عندما يتحاور مع الآخر يجعل الأمور وكأنها متساوية، وهذه هي مدرسة الحوار، وما نعمل به في مؤسسة الحوار، فلا بد من احترام الرأي الآخر.

* ما هو حكم الدين ورأيكم بمن يقتل باسم الدين، تحت مفهوم الجهاد، مثلا؟

- بالتأكيد الديانات السماوية ككل منه براء، والإنسانية منه براء، والإسلام بكل مدارسه وطوائفه ومذاهبه منه براء، فلقد أجمع كل علماء الإسلام على أن من كفّر مسلما فقد كفر، وأن من نطق بالشهادتين صار مسلما، وبالتالي حُقن ماله ودمه وعرضه، وكل المسلم على المسلم حرام، والإمام علي في رسالته إلى مالك الأشتر يقول: «اعلم أن الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»، وهذا أعلى مستوى في احترام والاعتراف بالآخر، ونود أن نشير إلى أن فقرة «أخ لك في الدين» تعني أي دين سماوي وليس دينا أو مذهبا معينا، بل وإن لم يكن من أي دين سماوي فهو نظير لك في الخلق أي على أساس إنساني، فهذا هو ديننا وإسلامنا، إذن من يقتل ويأمر بالقتل ويسفك الدماء وينتهك الأعراض وينهب الأموال فهو ليس من أي دين سماوي وكل الأديان السماوية منه براء. وما يحدث باسم الجهاد من قتل فهذا ليس دينا، إنه أجندة سياسية تحاول أن تلبس لبوس الدين، وأن تتستر بالدين، ولكنها ليست من الدين في شيء.

* ما رأيكم في ادعاء إيران وصايتها على شيعة العراق والعالم؟

- دائما نؤكد ضرورة احترام الشعوب والدول واحترام سيادتها ورأيها، ولكل شعب تاريخه وحضارته، ولا بد أن يكون حاضره يتناسب مع ما يملك من حضارة ورموز ومواقف، إذا كان الحديث الشريف يخاطب الآباء ويقول لهم «لا تجبروا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم»، فإذا لم يكن للآباء الحق في إجبار أبنائهم فليس من حق أحد أن يجبر أحدا معينا أو يدعي شيئا معينا، ولكل شعب أعرافه وتقاليده وحضارته وتاريخه، ونحن لا بد أن نحترم ونقدر كل الشعوب، وأن نؤكد ونعمل من أجل احترامها وسيادتها، وكذلك نحن نقول لا بد أن يحترمونا كشعب ويحترموا سيادة وطننا وعراقنا، وهذا الرأي ليس موجها لدولة معينة وإنما هو للجميع.

* كيف تتابعون أخبار العالم، ما هي وسيلتكم هل هي التلفزيون أم الإذاعة أم الاثنان؟

- أما كيف أعرف ما يحدث في العالم، فإن أحبتي الذين هم حولي يعطونني ما يجري على الساحة العالمية يوما بيوم، وأعيش ما يعيشه العالم العربي والإسلامي والعالم ككل من إيجابيات وسلبيات وتداعيات.

* هل تشاهد التلفزيون؟

- نعم أشاهد التلفزيون وأقرأ الصحف وأتصفح المواقع الإخبارية على الإنترنت.

* ما هو برنامجكم اليومي؟

- بشكل عام عندما أستيقظ صباحا لصلاة الفجر في نحو الساعة الثالثة والنصف أو الرابعة، أخلد للنوم ثانية بعد الصلاة، لأني أحيانا أنام متأخرا، ففي بعض الأوقات أسهر حتى موعد صلاة الفجر، ولهذا أستيقظ متأخر أحيانا، وأقرأ الصحف مع وجبة الإفطار وأولها صحيفتكم «الشرق الأوسط» لأنها تتمتع بمصداقية عالية، وأكون سعيدا بقراءتها ، وأقرأ بعض الأمور التي وردت على الإنترنت، وأجيب على بعض الأسئلة التي ترد إلينا على العنوان الإلكتروني لمؤسستنا، فهناك من هو مكلف بالإجابة على الأسئلة الفقهية وغير الفقهية وتعرض علي لتصحيحها. عادة أخصص بعض الوقت صباحا لقراءة الكتب، أما الكتابة، فلدي نوعان من الكتابة؛ الأول هو عامة كتابة تثقيفية أخلاقية وتربوية، ودائما اصطحب معي دفترا خصيصا لهذه الأمور، ومتى ما أتيح لي الوقت حتى ولو ربع ساعة فإنني أقوم بالكتابة، أما النوع الآخر من الكتابة، فهو الجانب العلمي في أصول الفقه والفلسفة والتفسير، هذه وقتها ليلا بعد رجوعي من المكتب.

* متى تقابلون الناس؟

- كل يوم أقابل الناس، بعد انهيار النظام السابق كنت أخصص 20 ساعة يوميا لمقابلة الناس، والآن أخصص ما بين 10 ساعات إلى 12 ساعة وبعض الأيام أكثر.

* وكم ساعة تنام؟

- غالبا أنام 5 ساعات وممكن أقل أو أكثر.