أوغلو: قلق من الأشهر المقبلة في الشرق الأوسط.. وعلى إسرائيل أن تقبل المساءلة للحفاظ على علاقتها بتركيا

قال إن أردوغان «شعر بأنه خُدع».. وتركيا لها الحقوق الكاملة في أن تتخذ خطوات لحماية مواطنيها

داود أوغلو وهيغ يتحدثان أمس في المؤتمر الصحافي المشترك في لندن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

جدد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو دعوته لإسرائيل تقديم اعتذار رسمي عن حادثة قتل 9 مدنيين أتراك على متن باخرة «مرمرة»، أو القبول بتحقيق دولي، مؤكدا أن المسألة بالنسبة لتركيا تتعلق بـ«قضية قانونية». وقال داود أوغلو، الذي زار لندن أمس، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البريطاني وليام هيغ، إنه «إذا لم تعتذر إسرائيل أو تقبل بالتحقيق الدولي، فإن تركيا لها الحقوق الكاملة لاتخاذ خطوة لحماية حقوق مواطنيها». وأضاف: «إذا كان جنديا واحدا بهذه الأهمية بالنسبة إليهم، نحن نحترم ذلك، ولكن مواطنينا الثمانية (الذين قتلوا على الباخرة مرمرة) بنفس أهمية (الجندي الإسرائيلي جلعاد) شاليط بالنسبة إلينا».

ونفى داود أوغلو أن يكون رفض إسرائيل قبول عرضه محاولة لتحييد تركيا عن لعب دور في قضية السلام في الشرق الأوسط، وقال: «أن نلعب دور الوسيط، ليس الهدف، بل الهدف هو التوصل إلى السلام». وأضاف: «لا أحد يجب أن يقول لنا أنتم تخسرون دور الوسيط لأنكم تردون على سياسة إسرائيل في غزة، نحن ردة فعلنا على هذه السياسات لأنه عندما كنا قريبين جدا من السلام في ديسمبر (كانون الأول) عام 2008 حصل شيء دمر الجهود عندما بدأت إسرائيل حربها على غزة. ثم فرضوا حصارا وتابعوا المستوطنات...».

وعبر عن قلقه من «الأشهر المقبلة» في منطقة الشرق الأوسط، لأنه «ليس هناك أي عملية (سلام) تدور في الوقت الحالي، علينا أن نعيد بدء عمليات السلام، وهناك قضايا حامية يجب أن نتفاعل معها مثلا في العراق ولبنان... ما نريده الآن هو حوار أكثر ووساطات أكثر وكلام ناعم أكثر، ولكن قبل ذلك، مثل كل البلدان المتحضرة، على إسرائيل أن تحترم القانون الدولي، وأن تنهي الحصار على غزة التي هي مسألة إنسانية. هذه ليست مسألة بين إسرائيل وتركيا بل بين المجتمع الدولي وإسرائيل».

وفي محاضرة ألقاها مساء في معهد «تشاتم هاوس»، قال داود أوغلو إن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان شعر «بأنه خُدع» من قبل إسرائيل، أثناء وساطته بين تل أبيب ودمشق في عام 2008. وقال إن تركيا كانت على وشك إعلان بدء المفاوضات المباشرة بين سورية وإسرائيل، إلا أنها تفاجأت ببدء إسرائيل ضرب غزة من دون أن تناقشها في ذلك. وأضاف: «طوال سنتين أجرينا وساطة لمحادثات غير مباشرة سرية بين إسرائيل وسورية، ثم طوال عام أجرينا وساطة علنية. وفي عام 2008، أجرينا 5 جولات مباحثات وحققنا تقدما كبيرا، وكنا قريبين جدا من بدء محادثات مباشرة... ولكن في اليوم التالي بدأت إسرائيل تقصف غزة...».

ورفض وزير الخارجية التركي منطق أن بلاده لم يعد يمكنها لعب دور الوسيط في المنطقة، لأنها فقدت موضوعيتها بدفاعها عن غزة. وقال: «أن نكون موضوعيين لا يعني أن نكون حياديين، لا يمكن أن نكون حياديين عندما تعتدي إسرائيل على مدنيين في غزة، وتقتل 8 من مواطنينا في المياه الإقليمية... نحن مستعدون لإعادة لعب دورنا كوسيط في مفاوضات السلام من حيث توقفنا، ولكن على إسرائيل أن تقبل بمبدأ المحاسبة أولا». وأشار إلى أنه لو كانت سورية هي المعتدي على إسرائيل، لكانت تركيا أخذت الموقف نفسه من دمشق الذي أخذته من تل أبيب،.

وقال داود أوغلو إن على الدول أن تتحمل مسؤوليات أفعالها أمام المجتمع الدولي لأنها جزء منه، مشيرا إلى أنه إذا لم تتحمل الدول مسؤولياتها، فيجب أن تتم محاسبتها. وأشار إلى أنه إذا أرادت إسرائيل أن تحسن علاقتها بتركيا، وتتجنب تدهور العلاقات أكثر، فعليها أن تقبل بالمحاسبة.

وأضاف: «في عام 2008 كنا ندير المفاوضات بين سورية وإسرائيل، وكان هناك تنسيق تام. سبب تدهور العلاقات لم يكن بسبب تركيا، بل بسبب خرق إسرائيل للقوانين الدولية».

وتابع يقول: «إذا كان هناك اعتراف بالخطأ، وبقتل مدنيين، يجب أن يحصل اعتذار، أما إذا لم يظنوا أنهم ارتكبوا خطأ فيجب أن يقبلوا بتحقيق دولي تقوده الأمم المتحدة لكي يتم التوصل إلى من قتل المدنيين وعلى أي أساس، وما هي عواقب هذه الأفعال؟». وجدد قوله إن التحقيق الداخلي غير مقبول لتركيا، لأن «المتهم لا يمكن أن يكون مدعيا عاما وقاضيا في الوقت نفسه». وأضاف: «نتوقع من إسرائيل إما أن تعتذر أو تقبل تحقيقا دوليا، وهذا طلب عادل».

وكان داود أوغلو قد طلب إلى إسرائيل الاعتذار قبل يومين عبر صحيفة «حرييت» التركية، إلا أن تل أبيب رفضت الاعتذار وإجراء تحقيق دولي. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، ردا على العرض التركي، «إن إسرائيل أقامت لجنة تحقيق داخلية برئاسة قاضٍ ورفعت مستواها من لجنة فحص بلا صلاحيات إلى لجنة تحقيق حكومية ذات صلاحيات، حتى تعرف حقيقة ما جرى وتصحح الأخطاء إن وجدت. فإذا كانت تركيا معنية بالمصالحة، فنحن مستعدون ولكن بلا شروط مسبقة».

وتطرق أوغلو في محاضرة مساء أمس إلى الملف الإيراني، منتقدا الدول الكبرى، خصوصا بريطانيا والولايات المتحدة بسبب عدم استشارة تركيا قبل طرح العقوبات على إيران في مجلس الأمن. وقال إن الأزمة وصلت إلى حد العقوبات «لأن تركيا والبرازيل حققتا شيئا عبر جعل إيران توافق على طرحهما، وهو ما لم تتوقعه الدول الكبرى». وكانت تركيا والبرازيل، اللتان صوتتا ضد العقوبات على إيران في مجلس الأمن، قد توصلتا إلى اتفاق مع طهران بخصوص إجراءات تبادل الوقود النووي. وأضاف: «لقد حاولنا أن نحضر الأرضية للدبلوماسية...».

وشدد على أن تركيا تريد منطقة شرق أوسط خالية من السلاح النووي، وقال إن الطريق لتحقيق ذلك هو عبر المزيد والمزيد من الدبلوماسية وليس المواجهات، مشيرا إلى رفض تركيا وجود أي بلد نووي في المنطقة من ضمنها إسرائيل. من جهته، أثنى وزير الخارجية البريطانية على نظيره التركي، وقال إنهما يتشاركان أمورا كثيرا، خصوصا أنهما من خلفية أكاديمية. وشدد على أهمية العلاقات البريطانية التركية، وقال: «تركيا هي شريك أساسي في حلف شمال الأطلسي، وأكبر اقتصاد ناشئ في أوروبا... ونحن نقدر تركيا كمكان يلتقي فيه الغرب والشرق معا». وأكد أن حكومته ستعمل على تعزيز علاقتها أكثر مع تركيا، مشيرا إلى تأييد بريطانيا الكبير لانضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي، وقال: «نعتقد أنه إذا قرر الاتحاد الأوروبي إدارة ظهره لتركيا، فسيكون يرتكب خطأ استراتيجيا».

ووصل داود أوغلو إلى لندن في زيارة سريعة أمس استمرت يوما واحدا، التقى خلالها، إلى جانب هيغ، نائب رئيس الحكومة نيك كليغ، ووزير خارجية حكومة الظل ديفيد ميليباند. كما ألقى محاضرة في معهد تشاتم هاوس مساء، قبل مغادرته عائدا إلى أنقرة.