إدارة بوش تصوغ استراتيجية لتجفيف مصادر تمويل الجماعات الإرهابية عالميا

منفذو اعتداءات نيويورك وواشنطن تلقوا مئات الآلاف من الدولارات كتمويل والتحقيق يتتبع المصادر

TT

طبقا لإفادات خبراء وتقارير مسؤولين في واشنطن، فإن ادارة الرئيس جورج بوش تعهدت مجددا يوم الجمعة بضرب مصادر تمويل الارهابيين وتزويدهم بالنقد داخل الولايات المتحدة وحول العالم، غير ان الجهود السابقة في هذا الشأن لم تكن فاعلة وفشلت بسبب نقص التنسيق اللازم بين الهيئات الفيدرالية.

وكانت وزارة الخزانة الاميركية قد ذكرت انها قد كونت فريق عمل داخليا اوكلت له مهمة تنسيق المعلومات التي تجمع داخل الحكومة حول مصادر تمويل الجماعات الارهابية وذلك في اطار الجهود الجديدة المركزة حول مصادر تمويل هذه الجماعات.

ومن الممكن ان تعتمد الجماعات الارهابية على تمويل يخرج عن اطار التعامل المصرفي المتعارف عليه وذلك عبر عدة وسائل مثل تحويل التبرعات والمساهمات الخيرية او استخدام البريد الالكتروني لتبادل خطابات الائتمان مما يصعب من عملية تحديد انسياب النقد. ويقول ريبيرن هيس، الرئيس السابق لقسم الاستخبارات المالية بوزارة الخارجية الاميركية، ان لا احد يعرف على وجه التحديد كمية الاموال التي يجري تحريكها خارج النظام المصرفي التجاري التقليدي، مؤكدا صعوبة تتبع انواع التحويلات والاجراءات المالية في ظل استخدام البريد الالكتروني والهواتف النقالة.

ويستخدم الارهابيون بعض المنظمات كواجهات لتغطية عملياتهم، اذ ان الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون وقع عام 1998 على امر يسمح للحكومة بتجميد أي ارصدة لها صلة باسامة بن لادن، المشتبه الرئيسي في تدبيره للهجمات، غير ان الجهات المعنية لم تتمكن من تحديد أي ارصدة وذلك طبقا لما ورد في تقرير رسمي صادر عن وزارة الخزانة الاميركية.

من الواضح ان الارهابيين الذين نفذوا الهجمات الاخيرة على «مركز التجارة العالمي» ووزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) تلقوا تمويلا كافيا، ذلك ان تكلفة تذاكر الطيران والفنادق ودروس الطيران التي تلقتها مجموعة منهم في كليات متخصصة، تصل تكلفتها الى مئات الآلاف من الدولارات. ولا شك ان تتبع حركة هذه الاموال يشكل جزءا اساسيا من التحقيق، كما ان قطع القنوات المالية اجراء ضروري لمنع أي مآس مستقبلية.

وقال وزير الخارجية الاميركي، كولن باول، ان الحرب احيانا تكون عملا عسكريا لكنها من الممكن ان تكون عمل اقتصاديا او دبلوماسيا وماليا ايضا. كما ذكر مسؤول بارز في الادارة الاميركية ان الرئيس بوش ناقش في محادثاته مع قادة العالم في اطار حشد اكبر عدد ممكن من الدول في حملة لمكافحة الارهاب، ضرورة الا يكون التبادل الاستخباراتي بين الدول قاصرا على الجانب العسكري فقط وانما يجب ان يشمل الجانب المالي كذلك. واقر المسؤولون انهم لا يزالون في مرحلة صياغة استراتيجية لاستخدامها في تجفيف المصادر المالية للارهابيين خصوصا ان التحقيق لا يزال في مراحله الاولى كما لم تتضح بعد الصورة الكاملة لمدى التعاون الدولي والحدود العملية لربط الارصدة بالمجموعات الارهابية.

الجدير بالذكر ان فريق العمل التابع لوزارة الخزانة الذي اعلن عن تكوينه يوم الجمعة، بدأ العمل منذ اكثر من عام، غير ان تفويضا من الكونغرس صدر بشأن شروع فريق العمل في المهمة التي اوكلت له عقب توصل لجنة ترأسها خبير مكافحة الارهاب بول بريمر الى نتيجة مفادها ان «الحكومة فشلت في تحديد مصادر تمويل الارهابيين». واشار التقرير الى ان الارهابيين في الوقت الحالي يعتمدون بدرحة اقل على تمويل الدولة الرسمي ويركزون على التمويل الخاص مثل الجمعيات الخيرية وتحويل بعض من مواردهم المالية، علما بان الجمعيات الخيرية المشار اليها بعضها سري وبعضها الآخر لا يعدو ان يكون واجهة فقط لتغطية العمليات. وتقديم اي نوع من الدعم لأي من المنظمات التي تعتبرها وزارة الخارجية الاميركية منظمات ارهابية يعتبر الآن جريمة، كما ان قسما تابعا لوزارة الخزانة يسمى «مكتب الارصدة الاجنبية» من المفترض ان يعمل على اساس المعلومات التي توفرها مؤسسات مالية اميركية بغرض وقف المصادر المالية للمجموعات الارهابية.

ويشير التقرير الى ان اجزاء اخرى من وزارة الخزانة، مثل «ادارة العائدات الداخلية والجمارك» يمكنها الوصول الى كل انواع المعلومات التي يمكن استخدامها لوقف مصادر التمويل التي تعتمد عليها المجموعات الارهابية. وتتابع «ادارة العائدات الداخلية والجمارك» المنظمات غير الحكومية التي تجمع تبرعات لدعم الارهاب، كما تملك الادارة معلومات حول الإجراءات والتعاملات المالية الضخمة.

ربما تكون المجموعات الارهابية قد نجحت في جمع الاموال عن طريق الاعمال الاجرامية، ففي يوليو (تموز) 2000 القت السلطات القبض على 18 شخصا بتهمة محاولة تهريب سجائر الى جانب ارتكاب بعضهم لمخالفات تتعلق بالهجرة. كما ان هناك ادلة تشير الى أن بعض المتهمين زودوا منظمة «حزب الله» في لبنان بمعدات عسكرية.

وطبقا لميزانية العام الحالي، فإن «مكتب الارصدة الاجنبية»، تمكن من زيادة قوته العاملة بنسبة 50 في المائة للمساعدة في انشاء مركز جديد متخصص في متابعة المعلومات. وابلغ مدير المكتب، ريتشارد نيوكومب، الكونغرس مؤخرا انه بالاضافة الى جمع المعلومات، فإن المكتب سيسعى الى حرمان المجموعات الارهابية من استخدام المؤسسات المالية العالمية وكشف وتجميد ممتلكاتهم والسعي لإقناع الحكومات الاجنبية باتخاذ اجراءات مشابهة.

غير ان عملية رصد وتتبع التحويلات المالية السرية لا تزال عسيرة، اذ ليس هناك استخدام للاوراق، كما ان السجلات قائمة على اساس استخدام الشيفرة. ويعتقد هيس ان هذه هي طريقة العمل المصرفي في جنوب آسيا قبل بدء العمل بالنظام المصرفي الغربي ولا يزال المهربون والارهابيون يفضلونها حتى الآن.

وطبقا لانظمة التحويل السرية، مثل «الحوالة»، يعطي الشخص الى وسيط مبلغا من المال في احدى الدول ويقوم الوسيط بإبلاغ الطرف الآخر في دولة اخرى، اذ يسلم هذا الطرف المبلغ المالي نقدا طبقا لما يحدده الوسيط. وسيلاحظ أي شخص يفحص الحسابات المصرفية ان المبلغ اودع في حساب في حساب مصرفي وسحب في حساب آخر في دولة اخرى، اذ لا تجد مبالغ مالية يجري تحويلها عبر الحدود. ويحتفظ الوسطاء، الذين يأخذون عادة عمولة تتراوح بين 1 و10 في المائة، بأموالهم في اكثر من عشرة حسابات مصرفية بأسماء مختلفة وفي اكثر من مصرف لتفادي اثارة أي شبهات.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»