العراقيون يتشاءمون من «يوليو» ويعتبرونه شهر الانقلابات

بعضهم ينظر إلى 14 تموز عيدا لإعلان الجمهورية.. وآخرون يذكرهم بمقتل ثالث الملوك وأسرته

TT

تمر اليوم على العراقيين الذكرى الـ 52 للانقلاب العسكري الذي قاده الضباط الأحرار بزعامة عبد الكريم قاسم ضد الحكم الملكي في العراق، حيث اغتال الانقلابيون ثالث ملوك العراق، فيصل الثاني، عندما كان شابا مع جميع أفراد الأسرة الحاكمة وتم إعلان الحكم الجمهوري في العراق.

وتتباين وجهات نظر العراقيين لهذه الذكرى، فهناك من يعتبر يوم 14 يوليو (تموز) عيدا وطنيا، ويعد ما حدث في مثل هذا اليوم من عام 1958 ثورة غيرت نظام الحكم، وهناك من يعتبر هذا اليوم بمثابة انقلاب عسكري أطاح بشرعية الحكم عن طريق قيام ضباط مؤتمنين على حماية البلد والشرعية باستغلال مناصبهم والقوة العسكرية لتغيير نظام الحكم من دون العودة إلى رغبة الشعب والبرلمان الذي كان قائما.

ويحمل أنصار الرأي الثاني قادة انقلاب 14 يوليو (تموز) ما حدث في العراق فيما بعد من انقلابات عسكرية واقتتال وحروب نفذها العسكر الذين عملوا على الإطاحة بأي نظام حكم لا يرغبون فيه، حيث يعتلون دبابات الجيش ويتوجهون إلى القصر الجمهوري، وهذا ما حدث بالفعل بعد عشر سنوات من الانقلاب - الثورة، عندما تآمر قادة الحرس الجمهوري مع حزب البعث العراقي ونفذوا انقلاب 17 يوليو (تموز) 1968.

وبين هذين التاريخيين هناك العديد من المحاولات الانقلابية العسكرية، أبرزها محاولة العقيد عبد الوهاب الشواف الإطاحة بنظام قاسم سنة 1959 لاعتلاء السلطة، وانقلاب تشرين 1963 الذي نفذه العميد عبد السلام عارف، الرفيق السابق لقاسم، بالتعاون مع البعثيين وأدى إلى إعدام رئيس الوزراء، الزعيم قاسم، في مبنى دار الإذاعة العراقية ببغداد من دون محاكمة، تماما مثلما حدث مع العائلة المالكة التي تمت تصفيتها بفعل تهور العسكريين، ومن دون محاكمة أو رأفة بالملك الشاب أو النساء والأطفال.

كما يحيل غالبية العراقيين الأحداث المريرة التي عاشوها منذ تغيير النظام الملكي بصورة غير شرعية، أدت إلى سيطرة الجيش على مقدرات البلد والناس، إلى ما حدث في ذلك اليوم الساخن في منتصف يوليو (تموز) قبل أكثر من نصف قرن، حيث اشتعلت حروب داخلية شنتها الحكومات المتعاقبة على الأكراد العراقيين في شمال البلد، قبل أن يشتعل فتيل أطول حرب بين بلدين جارين، الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، كما عانى العراق من غياب التقاليد الديمقراطية، والتي كان أبرز صورها الحقيقية البرلمان والدستور وحرية الرأي، إذ بقي العراق بلا برلمان حقيقي وبلا دستور دائم حتى تغيير النظام السابق على أيدي القوات الأميركية التي أعلنت احتلالها للعراق في أبريل (نيسان) 2003 لتدخل البلد في تشابكات طائفية وقومية وإرهابية كلفت العراقيين عشرات الآلاف من الضحايا، ومليارات الدولارات من الخسائر المادية.

ومنذ أن اعتبر قاسم يوم 14 يوليو (تموز) عيدا وطنيا للعراق، بقيت الحكومات العراقية تحتفل بهذا اليوم وتعده عطلة رسمية حتى قيام انقلاب البعثيين في 17 يوليو (تموز) 1968 الذين أبقوا على الاحتفال بيوم 14 يوليو (تموز) كعطلة رسمية وأضافوا واعتبروا يوم 17 من نفس الشهر عيدا وطنيا للعراق، ثم قللوا بمرور السنين من أهمية التاريخ الأول ورفعوا من شأن التاريخ الثاني.

ويطلق العراقيون على شهر يوليو (تموز) تسمية شهر الانقلابات العسكرية والسياسية، وهذه الانقلابات كلفت في الغالب الكثير من الضحايا وأدت إلى نزيف المزيد من الدماء، فبعد 20 عاما من قيام انقلاب 14 يوليو (تموز) 1958، وبمرور 10 سنوات على انقلاب 17 يوليو (تموز)، قام صدام حسين بانقلاب حزبي وحكومي ضد قائده، أحمد حسن البكر، الذي كان رئيسا للجمهورية، ورئيسا لمجلس قيادة الثورة وزعيما لحزب البعث العراقي.

ففي يوم 19 يوليو (تموز) 1979، وعندما كان العراق يعيش احتفالات العيد الوطني، أعلن عن تخلي البكر عن مناصبه الحزبية والحكومية لنائبه صدام حسين، ليتم الكشف عن مؤامرة قادها صدام مع أعوانه ضد رئيسه وزعيمه الحزبي، البكر، وتم إعدام كبار البعثيين الذين اعترضوا على هذه الطريقة في تداول السلطة وطالبوا بإجراء انتخابات حزبية لاختيار زعيم جديد للحزب ورئيس آخر للبلد.

ولا يتفاءل العراقيون بشهر يوليو «حيث يخشون حدوث انقلاب عسكري في هذا الشهر، ويوعزون حدوث غالبية الانقلابات في شهر تموز إلى ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز الخمسين مئوية، مما قد يسبب ذلك اضطرابات تقود لأعمال غير مسؤولة» حسب باحث اجتماعي عراقي.