الأردن: سجال بين منظمات المجتمع المدني حول مشروع قانون الأحوال الشخصية

تضمن قبول زواج من أكمل سن الـ15 سنة والطلاق الإلكتروني واستبدال الشقاق بالخلع

ردود فعل متباينة أثارها مشروع قانون الأحوال الشخصية في الأردن (رويترز)
TT

أحدث مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد في الأردن الذي أعدته دائرة قاضي القضاة، سجالا بين مختلف الفعاليات الشعبية والرسمية ومنظمات المجتمع المدني حول عدد من القضايا، أهمها تحديد سن الزواج بـ18 سنة وفي حالات محدودة من أكمل سن الـ15 سنة إضافة إلى الطلاق عبر الهاتف الجوال واستبدال قضايا الشقاق بالخلع.

وكان رئيس الوزراء الأردني سمير الرفاعي قد وافق على إطلاق هذا المشروع المهم وإعلانه للعموم، لاستقبال الملاحظات والتغذية الراجعة عليه، تمهيدا لإقراره بعد مروره بقنواته الدستورية.

ويؤكد قاضي القضاة الدكتور أحمد هليل أن «هذا المشروع في حال إقراره سيكون إنجازا وطنيا كبيرا يؤمل من خلاله معالجة الكثير من القضايا الأسرية والوقائع والمستجدات المتعلقة بالأحوال الشخصية»، داعيا العلماء والمختصين والقانونيين وأصحاب الشأن ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بشؤون المرأة والطفل وحقوق الإنسان وكل من له اهتمام بذلك، إلى الاطلاع على النص الكامل للمشروع وتزويد الدائرة بأي ملاحظات يرونها مناسبة.

واحتوت الصيغة النهائية للمشروع على327 مادة في حين أن قانون الأحوال الشخصية المعمول به حاليا يتكون من187 مادة مما يعني زيادة موضوعية ظاهرة في مشروع القانون الجديد.

والتعديلات الجديدة تناولت بنودا متعددة شملت موضوعات مختلفة كعقد الزواج وشروطه وما يتعلق بالمهر والجهاز، وما يتعلق بمسكن الزوجية، والنص صراحة على إنشاء صندوق لتسليف النفقة، وأحكام التفريق القضائي بين الزوجين، والحضانة والمشاهدة، والرؤية والاستزارة، ونفقات الأولاد، وأحكام الغائبين والمفقودين وما يتعلق بشؤون القاصرين وفاقدي الأهلية وناقصيها والولاية والوصاية والوصية والإرث والتخارج.

وعدلت المادة (10) سن أهلية الزواج إلى 18 سنة وفي حالات محدودة ووفق ضوابط أجاز المشروع تزويج من أكمل سن الـ15 وفق إجراءات خاصة وشروط منضبطة، وقد جعل منتهى سن البلوغ هو الأساس للحد الأدنى لسن التزويج ليرتفع في الحالات الاعتيادية إلى 18 سنة.

من جانبه ثمن القطاع النسائي في حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، ما جاء في مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية الأردني الجديد الذي قال إنه تميز باستناد مواده إلى نصوص الشريعة الإسلامية.

وقال القطاع النسائي في بيان له إن قانون الأحوال الشخصية من أهم القوانين المؤثرة في بنية المجتمع واستقراره، لأنه يتعلق بتنظيم العلاقات الأسرية بين الزوجين، والمواريث ورعاية الأيتام، وحقوق الأطفال، وأضاف: «بناء على ذلك فإن القطاع النسائي يرى أن مشروع القانون الجديد يمثل خطوة مهمة وإيجابية في سبيل تحقيق الأمن الأسري، وإنصاف المرأة والرجل معا في الكثير من القضايا التي كانت مثار جدل سابقا».

وأشار القطاع إلى أن القانون الجديد فيه ميزات كثيرة، منها أنه «وسع ضيقا في كثير من المواد، ومال إلى حيث مالت المصلحة والنص، وأخذ بالكثير من قرارات محكمة الاستئناف الشرعية، ولم يحصر نفسه في مذهب فقهي واحد، وجاء منظما في مواده، متسلسلا في طرحه، ومفصلا بما يقتضي سهولة التطبيق، وأخذ بعض التغييرات الاجتماعية في الحسبان، مثل التفريق من دون إثبات الضرر، وأقر أن عمل المرأة المشروع لا يحجب عنها حق النفقة، واعتبر أن فسخ عقد الزواج من قبل القاضي ليس طلاقا محتسبا ضمن الطلقات الثلاث».

وأكد القطاع على احترامه للآراء الوطنية المخلصة التي ناقشت القانون استنادا إلى الرأي الشرعي وقيم المجتمع الأردني، فيما انتقد الآراء التي تتبنى أجندات المؤتمرات الدولية والاتفاقات الغربية التي قال القطاع النسائي إنها «لا تراعي خصوصية مجتمعاتنا وثقافتنا»، مشيرا إلى أن «الأخذ بها على إطلاقها لا يحقق أي مصلحة معتبرة شرعا، بل سيؤدي إلى تدمير الأسرة، وتغريب المجتمع».

وتؤكد بثينة فريحات، من المركز الوطني لحقوق الإنسان، ورود عشرات الشكاوى للمركز نتيجة زواج قاصرات وفارق السن بين الزوجة والزوج.

وتقول فريحات لوكالة الصحافة الفرنسية إن «إحدى الفتيات عمرها 16 عاما وتزوجت من رجل عمره 80 عاما!».

وأضافت: «ما لمسناه هو أن القاضي الشرعي يوافق على طلب الزواج من قاصر من دون النظر إلى حاجتها إلى الزواج أو إذا ما كانت هناك ضرورة لتطبيق الاستثناء».

وطالبت فريحات بسن «تعليمات واضحة حول الحالات والظروف التي ينطبق عليها الاستثناء الذي يسمح بزواج القاصرات للحفاظ على حقوقهن كأطفال ومتزوجات»، مؤكدة أن «الفتيات في عمر 15 عاما غير مستعدات من حيث البنية الجسمية أو القدرة الجسدية على تحمل الزواج».

وبحسب إحصاءات دائرة قاضي قضاة الأردن فقد تزوج 5349 شخصا ممن تقل أعمارهم عن 18 عاما خلال عام 2009 من مجموع 64738 حالة زواج سجلت في المملكة الأردنية لذات العام.

وتزوج 9014 شخصا (ذكورا وإناثا) تقل أعمارهم عن 18 عاما، من أصل 66581 حالة زواج عام 2008. وأظهرت الإحصاءات الرسمية أن هناك 259 حالة طلاق لأزواج تقل أعمارهم عن 18 عاما من أصل 2939 حالة طلاق في المملكة الأردنية العام الماضي.

من جانبه قال رئيس مركز الجسر العربي لحقوق الإنسان والتنمية، المحامي أمجد شموط، إن مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية الأردني الجديد ملتزمة بالدستور الأردني الذي نص على أن قانون الأحوال الشخصية يستمد مواده من أحكام الشرع الحنيف.

وقال شموط إن تحديد سن الزواج بـ18 عاما من دون وجود استثناءات، فيه ظلم للمرأة والمجتمع، وتعد على حقوق المرأة، وإن اعتبار ما جاء في المواثيق الدولية واتفاقية «سيداو» المرجعية الوحيدة «لا يتناسب مع واقع مجتمعاتنا واحتياجاته، ولا يتناسب مع الشريعة الإسلامية». وأضاف شموط أن واقع الحال في الأردن يشير إلى أن نسبة قليلة من الفتيات يتزوجن في سن أقل من 18 عاما، فتشير الإحصاءات إلى أن نحو نصف من يعقدون قرانهم لا يتزوجون إلا بعد مرور عام أو أكثر، وإن ما يثار من أن غالبية حالات الزواج هذه تنتهي بالطلاق غير صحيح. إن المجتمع الأردني يعاني من ارتفاع سن الزواج، ، ومتوسط سن الزواج بالنسبة إلى الذكور يقارب 30 عاما، وللإناث 26 عاما، وأشارت دراسات جمعية العفاف إلى وجود أكثر من 100 ألف فتاة، أعمارهن تجاوزت الثلاثين عاما، ولم يسبق لهن الزواج.

وأشار شموط إلى فوائد ومنافع الزواج المبكر، مبينا أن فيه إحصانا للفتاة في سن مبكرة، والقضاء على ظاهرة العنوسة بل ووأدها في مهدها.

وترد اسمى خضر، رئيسة اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، بأن «جميع الجمعيات تعمل وفقا للتشريعات الوطنية وتخضع إلى رقابة الدولة، ومبادئ حقوق الإنسان ليست مبادئ غربية وإنصاف المرأة ليست فكرة غربية».

وتعتبر خضر، وهي محامية ووزيرة سابقة، أن الأردن شهد تطورا مضطردا في مجال حقوق المرأة وتقول: «تعليم المرأة يشكل إنجازا فالنساء يشكلن غالبية طلبة الجامعات، والمرأة في الأردن يحق لها الانتخاب والترشح وتشغل نساء مناصب عليا في الدولة».

وأضافت أنه «في عام 2001 أصبح بإمكان المرأة التقدم لدى المحكمة بطلب تفريق وفسخ عقد الزواج أو ما يسمى بالخلع على أن تعيد ما قبضته من مهر وتتنازل عن حقوقها المالية، وتم إلغاء المادة 12 من قانون جواز السفر وهي المادة التي تشترط موافقة الزوج أو الولي على حصول الزوجة على جواز سفر».

وتشكل الإناث في الأردن 48.5 في المائة من عدد السكان البالغ 6 ملايين نسمة. وأدخلت إلى مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد مادة تقضي بقبول طلاق الزوجين عبر وسائل الاتصال الإلكترونية، كالاتصالات عبر الهواتف الجوالة والرسائل النصية (SMS)، لكن وفق شروط ومحاذير.

والتعامل مع «الطلاق الإلكتروني» على أنه «طلاق كنائي» يخضع إلى شروط منعا لوقوع إشكالات أسرية قد تحدث عن حسن أو سوء نية.

وإن أهم شرط تثبيت واقعة الطلاق هو أن «تكون الرسائل الإلكترونية واضحة ومفهومة»، بأن يثبت أن الزوج هو من بعث الرسالة لزوجته، وعبارة الطلاق واضحة وموجهة مباشرة للزوجة لا يوجد بها احتمال ولا شك فيها ولا اجتهاد، فيعتبر الطلاق كنائيا وليس صريحا وفق مشروع القانون.

بينما الشرط الثاني بحسب مشروع القانون، فهو أن تكون نية الزوج الطلاق، فإذا ثبت الشرطان يقع الطلاق، على أن يثبته مدعي الطلاق أمام المحكمة. وعالج مشروع القانون انعدام النية لدى الزوج في الطلاق، بأن يحلف الزوج أمام المحكمة بأنه لم يقصد الطلاق.

من جانبه قال المحامي راتب الظاهر، أحد المحامين الذين تم الاستئناس برأيهم حول مشروع قانون الأحوال الشخصية، إن مشروع القانون الجديد يهدف إلى تبسيط الإجراءات واللجوء للتحكيم بين الزوجين ومنح تلك القضايا صفة الاستعجال.

ووفق شرح الظاهر، فإن كلمة «الخلع» هي التي ستغيب عن مشروع القانون، أما مضمونها وروحها فسيبقيان، بعد توسيع قاعدة قضايا الشقاق والنزاع في مشروع القانون. وأوضح أن قضايا الشقاق والنزاع في القانون، وبعد أن كانت لا تتم إلا بأسباب قوية، سيجري العمل على تخفيف أسبابها، وإحالة القضية إلى محكمين يقومون بتقدير الحقوق والواجبات المالية وغيرها حسب الحالة. وكشف الظاهر عن أن الولاية في الزواج والمشاهدة، ستكون ضمن القضايا الحساسة التي سيتم تعديلها في مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد. وزاد قائلا، إن الحضانة والمشاهدة هي من أصعب القضايا التي يواجهها المختصون في المحاكم.