الخرطوم تعتبر قرار «الجنائية» قطعا للتسوية السلمية بدارفور

مبعوث أوباما سيبلغ السودان بضرورة مثول البشير أمام المحكمة الجنائية

TT

حملت الحكومة السودانية بشدة على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإضافة تهمة الإبادة الجماعية ضد الرئيس عمر البشير واعتبرت القرار «محاولة لقطع الطريق أمام التسوية السلمية للأزمة في إقليم دارفور المضطرب في وقت رحبت فيه حركة العدل والمساواة بالقرار»، ووصفته بأنه «يمثل انتصارا عظيما للشعب السوداني عامة ولضحايا الحرب الذين انتظروا هذا القرار بفارغ الصبر بصورة خاصة، كما يمثل القرار انتصارا حقيقيا للعدالة الدولية»، في غضون ذلك كشفت الولايات المتحدة الأميركية أن مبعوث الرئيس أوباما للسودان سينقل للخرطوم موقف واشنطن الداعي لمثول البشير أمام المحكمة الدولية والتأكيد بأن ذلك سيحدث في أي وقت، وسط قلق الأمم المتحدة وترحيب فرنسا بالقرار، إلى ذلك أعلن الجيش السوداني عن تحقيقه انتصارات عسكرية على حركة العدل والمساواة في دارفور مع انطلاق مؤتمر للمجتمع المدني والنازحين بالدوحة لدعم مفاوضات السلام بين الخرطوم والمتمردين.

وقد أعلنت الولايات المتحدة مساء أول من أمس الاثنين أن على الرئيس السوداني البشير المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بعد اتهامه بارتكاب إبادة في دارفور.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي: «عليه المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية والرد على الاتهامات التي سيقت ضده». وأضاف: «كلما كان مثوله أمام المحكمة أقرب كان أحسن».

وحسب كراولي فإن المبعوث الأميركي الخاص للسودان سكوت غريشون، سيصل إلى المنطقة الأسبوع المقبل، وسيجدد دعوته إلى البشير من أجل «التعاون الكامل» مع المحكمة في لاهاي.

وفي الخرطوم، قال وزير الإعلام السوداني والناطق الرسمي باسم الحكومة كمال عبيد «إن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإضافة تهمة الإبادة الجماعية في حق الرئيس البشير يؤكد ما ظلت تقول به حكومة السودان بأنها محكمة سياسية ويدل على ذلك التوقيت الذي تصدر فيه قراراتها المتعلقة بشأن السودان»، ورأى عبيد «أن تلك القرارات كانت دائما محاولة لقطع الطريق أمام أي جهود تبذلها الحكومة لتسوية قضية دارفور». معتبرا «أن هذا القرار الأخير كسابقاته جاء لإفشال الوساطة المشتركة لحل مشكلة دارفور».

وفي ذات السياق قال الناطق الرسمي باسم الوفد الحكومي لمفاوضات سلام دارفور في منبر الدوحة عمر آدم رحمة إن قرار ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية في حق البشير «يصب في خانة إرسال الرسائل السالبة التي من شأنها تعقيد حل مشكلة دارفور واستمرار معاناة أهل الإقليم»، وأشار إلى «أن هذه القرارات سياسية بالدرجة الأولى وأن السودان غير معني بالتعامل معها»، مبينا أن ما يسمى بالمحكمة الجنائية تتعامل مع السودان بطريقة سياسية، لافتا إلى أن العدالة قد ذُبحت في عدد من الدول غضت المحكمة الطرف عنها لأسباب سياسية.

وعلى صعيد المتمردين قال الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة أحمد حسين لـ«الشرق الأوسط». «القرار يمثل انتصارا عظيما للشعب السوداني عامة ولضحايا الحرب الذين انتظروا هذا القرار بفارغ الصبر بصورة خاصة، كما يمثل القرار انتصارا حقيقيا للعدالة الدولية وللشعوب المحبّة للسلام التي تناهض الإفلات من العقوبة. فالتهنئة الخالصة لأهلنا في معسكرات النزوح واللجوء وكافة الضحايا وذويهم بهذا النصر المؤزر». وأكد دعم الحركة ومساندتها الكاملة للمحكمة الجنائية الدولية في سعيها لتحقيق مقتضيات العدالة والوقوف بصلابة في وجه محاولات الإفلات من العقوبة، وناشد حسين المجتمع الدولي الوفاء بالتزاماته تجاه «إيقاف الإبادة الجماعية المستمرة في دارفور وفقا لاتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، وندعوه لاتخاذ التدابير الكفيلة بتنفيذ أمري التوقيف في حق المتهم عمر البشير». وطالبت الحركة الحكومة «بتقديم مصلحة الشعب السوداني على مصلحة الفرد، والتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية والامتثال لأمرها في تنفيذ أمري التوقيف حتى لا يتعرض الشعب والوطن بأكمله لحصار وعقوبات».

في غضون ذلك قال وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في بيان وزع حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه من سفارة باريس في الخرطوم عقب اجتماعه بالمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو «إن موقف فرنسا ثابت وهي مصممة كليا على التصدي للإفلات من العقاب فيما يخص الجرائم الأكثر خطورة التي ارتكبت في دارفور». من جانبه أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن قلقه، وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق خلال مؤتمر صحافي، إن الأمين العام للمنظمة الدولية يبدي قلقه بشدة حيال طبيعة الاتهامات التي وجهت إلى الرئيس البشير. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة حكومة الخرطوم إلى إظهار دعمها الكامل لعمل المحكمة الجنائية الدولية ومواجهة مشكلات العدالة والمصالحة..

وميدانيا قال الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني الصوارمي خالد سعد في تصريحات صحافية في الخرطوم «إن الجيش أجلى قوات العدل والمساواة من منطقة عدولة بين شمال وجنوب دارفور»، إن ثلاثة متحركات من القوات المسلحة قامت بعمليات تمشيط واسعة بمناطق «أم كتكوت وأم سعونة وودعة». وأسفرت الاشتباكات، بحسب الصوارمي، عن سقوط عدد من القتلى والجرحى في أوساط حركة العدل والمساواة، مؤكدا أن الجيش أجلى قوات الحركة عن المنطقة، وأشار الصوارمي إلى خلو منطقة عدولة الآن من قوات الحركة التي يتزعمها خليل إبراهيم، التي حاولت أخيرا أن تجعل من المنطقة قاعدة لها، بعد إجلائها عن معقلها الرئيسي في جبل مون بغرب دارفور، وأكد الصوارمي أن القوات المسلحة لن تسمح لأي متمرد باتخاذ قواعد أو مناطق يسميها بالمحررة وأن أي منطقة تتخذها حركات التمرد رئاسة لها ستكون هدفا مشروعا للقوات المسلحة، وتأتي المواجهات متزامنة مع مؤتمر للنازحين والمجتمع المدني انطلق في العاصمة القطرية الدوحة شارك فيه وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية، والوسيط الدولي للسلام في دارفور جبريل باسولي ووفدا الحكومة وحركة التحرير والعدالة وشدد المتحدثون على ضرورة تحقيق السلام.

إلى ذلك اعتبر مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو أمس أن على الصين والولايات المتحدة وروسيا أن «تتخذ بوضوح موقفا» بعد اتهام الرئيس السوداني عمر البشير الاثنين بارتكاب أعمال إبادة من جانب قضاة المحكمة. وقال في مؤتمر صحافي في باريس: «أحتاج إلى أن تتخذ الصين والولايات المتحدة وروسيا موقفا بوضوح»، مؤكدا أنه ينتظر من هذه الدول الثلاث الأعضاء في مجلس الأمن الدولي «مواقف سياسية قوية». واعتبر التفاهم الدولي هو أمر ضروري للتوصل إلى توقيف ومحاكمة الرئيس السوداني.

وأضاف أوكامبو أنه في حال تم عزل البشير على الساحة الدولية «لن يكون رئيسا بعد اليوم». ورأى أن قرار المحكمة الجنائية الدولية «سيجبر العالم على مشاهدة الحقيقة» ويشكل «الفرصة الأخيرة لوقف الإبادة في دارفور»، مشددا على الثقل الذي تتمتع به هذه الدول الثلاث التي لم تنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأعلن قضاة المحكمة الجنائية الدولية الاثنين: «هناك أسباب تدفع إلى الاعتقاد بمسؤولية (البشير) الجنائية في 3 تهم إبادة بحق إتنيات فور ومساليت وزغاوة» في دارفور الذي يشهد حربا أهلية منذ 2003.