«السهرات الرمضانية» حلبة صراع بين الزعماء السنة.. والإسلاميون يحذرون

تمدد أنشطة «مؤسسة الحريري» إلى طرابلس يؤرق ميقاتي والصفدي

TT

«الأمسيات الرمضانية» التي يعكف الزعماء السياسيون، لا سيما السنة منهم، على تنظيمها لمواطنيهم هذه السنة، باتت موضع مزاحمة شديدة ومناكفات، يتساءل البعض إن كانت ستتحول إلى القشة التي تقصم ظهر التوافق السياسي الهش الذي جمعهم في الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة. فقد انكشف الغطاء يوم الخميس الماضي، وخلال مؤتمر صحافي عقد في قصر نوفل في طرابلس، للإعلان عن الحفلات الرمضانية التي ينظمها رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي في طرابلس، عن مزاحمة شديدة وقاسية، بينه وبين آل الحريري. فالنائبة بهية الحريري، درجت منذ سنوات على إحياء حفلات رمضانية في مدينتها صيدا، لكنها هذه السنة قررت أن يمتد البرنامج ليشمل بيروت وطرابلس والميناء، واضعة في الاعتبار أن هذه المدن الأربع يقيم فيها 48% من سكان لبنان. وعمدت الحريري إلى زيارة طرابلس بداية الشهر الحالي، ونسقت مع زعامات المدينة وممثلين عن الرئيسين عمر كرامي، ونجيب ميقاتي، وكذلك الوزير محمد الصفدي، للعمل على ترتيب برنامج رمضاني مشترك. لكن المفاجأة كانت في المؤتمر الصحافي الذي أعلنت «جمعية العزم والسعادة» التابعة للرئيس ميقاتي خلاله عن برنامجها المنفرد تحت عنوان «رمضان.. ليلك بالمحبة عمران» ويتضمن 12 نشاطا بينها اثنان فقط ينظمان بالتعاون مع «مؤسسة الحريري للتنمية البشرية». وأوضح رئيس بلدية طرابلس نادر غزال (المحسوب على الحريري) في المؤتمر، أن ثمة برنامجا آخر تشرف عليه البلدية سيتم الإعلان عنه هو بمثابة برنامج مشترك يتم وضعه بالتعاون مع مختلف زعامات المدينة، بالتنسيق بينهم وعبر لجنة مشتركة، لأن «تنزيل التوافق السياسي على الأرض يحتاج إلى جهد، لذلك سعينا إلى العمل مع كل الأفرقاء، وسيتم توزيع البرنامج المشترك فور جهوزيته».

لكن «الشرق الأوسط» اتصلت بـ«مؤسسة الصفدي الثقافية»، ليتبين لها أن وزير الاقتصاد والتجارة، محمد الصفدي، يرتب برنامجه الرمضاني الخاص أيضا بمعزل عن البرنامج الذي يعتبر «مشتركا» بين الجهات السياسية الأساسية. وقال القيمون على ترتيب برنامج الصفدي: «إن التنسيق مع جمعية الحريري يتم فقط فيما يخص مواعيد الأمسيات التي يجب أن لا تتضارب فيما بينها، ولتقديم مسرح المؤسسة لبعض الحفلات، وكذلك لتمويل حفلات من البرنامج المشترك تتناسب وثقافة المدينة، لأن لكل منطقة ثقافتها الخاصة. وما عدا ذلك فإن مؤسسة الصفدي بدأت منذ العام الماضي تقديم برنامج رمضاني، وكان ناجحا جدا وهي تنوي الاستمرار فيه هذه السنة، ولا ضير في وجود عدة برامج في وقت واحد.

ولا يخفي محيطون بكل من الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي، اللذين بدآ نشاطاتهما الرمضانية منذ العام الفائت، أن التمدد الرمضاني لجمعية الحريري إلى مدينة طرابلس، لا ينظر إليه بكثير من الارتياح. وثمة من يتذرع بأن مؤسسة الحريري لا تقدر المناخ العام المحافظ للمدينة. ولا يتوانى بعضهم عن القول صراحة: «ليس كل ما يمكن أن يعرض في صيدا وبيروت، تتقبله مدينة مثل طرابلس. (فأهل مكة أدرى بشعابها)».

ولا يبدو إصرار كل من الصفدي وميقاتي على الاستمرار في برامجهما الرمضانية بريئا، إذ أصبح ما يسمى «البرنامج الرمضاني المشترك» هو برنامج «حريري» بامتياز، وإن شاركا فيه على استحياء لحفظ ماء وجه ما تبقى من توافق سياسي خاضوا على أساسه انتخابات نيابية ومن ثم بلدية.

وعلق رئيس بلدية طرابلس، نادر غزال، على هذا الوضع، خلال المؤتمر الصحافي يوم أول من أمس بقوله: «وفي الخير فليتنافس المتنافسون». لكن الصحافيين طرحوا على رئيس البلدية سؤالا حول إمكانية أن تتحول هذه الأمسيات إلى استفتاء سياسي، على مدى شعبية هذا الزعيم أو ذاك، نسبة إلى عدد الذين يحضرون أمسياته أو يقاطعون أمسيات غيره. لكن رئيس البلدية قلل من احتمالية حدوث اصطفافات من هذا النوع، واعتبر أن الجميع يشارك على قدم وساق لتنمية المدينة، ولكل طريقته.

ولم تبق الأمور عند هذا الحد، بل دخل الإسلاميون أيضا على الخط، وبمجرد أن زارت النائب بهية الحريري طرابلس بداية الشهر الحالي، معلنة عن الليالي الرمضانية، أصدرت 8 جمعيات إسلامية بيانا مشتركا، حذرت فيه منظمي المهرجانات الرمضانية من أن «شهر رمضان هو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن والتوبة، لا شهر الطرب واللهو والغناء والعصيان، وتحويل لياليه المباركة إلى مهرجانات فنية وغنائية واستضافة الغانيات والمطربات». واعتبرت هذه الجمعيات، التي بينها الجماعة الإسلامية، ما يحدث «تشويها مرفوضا لأعظم الشهور وإهدارا صريحا لواجب تعظيم شعائر الله عز وجل، وتوظيفا غير شرعي للمناسبات الدينية باسم تشجيع السياحة». وطالب البيان منظمي المهرجانات: «بتصحيح مسارها وإلغاء كل ما لا يتناسب مع شهر رمضان المبارك وذلك بإبدال البرامج المعلنة ببرامج للفن الإسلامي الراقي والمقاوم الذي أثبت حضوره وتميزه لبنانيا وعربيا وعالميا».