مستشار الرئيس التشادي لـ«الشرق الأوسط»: سعداء بزيارة البشير.. ولن نقبض عليه

قمة ثلاثية في إنجمينا بين القذافي والبشير وديبي حول دارفور

الرئيس السوداني عمر البشير في طريقه إلى تشاد وإلى جانبه نائبه سلفا كير أمس (أ.ف.ب)
TT

وصل الرئيس السوداني عمر حسن البشير أمس العاصمة التشادية إنجمينا للمشاركة في قمة دول الساحل والصحراء (س ص) التي تبدأ أعمالها اليوم في أول زيارة له لدولة عضو كامل العضوية في المحكمة الجنائية الدولية التي تطالب باعتقاله بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، في وقت طالبت «هيومان رايتس ووتش» المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان الحكومة التشادية بإلقاء القبض على البشير، فيما رفضت إنجمينا الخضوع للضغوط وقالت إنها ملتزمة بقرار الاتحاد الأفريقي الرافض للقبض على البشير وتحركات المحكمة الجنائية ضده، لكن مصادر في المحكمة الجنائية قالت إن اجتماع الدول الأطراف والموقعة على ميثاق روما الذي سينعقد في ديسمبر (كانون الأول) المقبل سينظر في مثل هذا السلوك التي اتبعته تشاد العضو في المحكمة. واستقبل الرئيس التشادي إدريس ديبي في مطار إنجمينا البشير وأجرى معه مباحثات مغلقة في صالة كبار الزوار، وشددت إنجمينا على أنها ترفض أي ضغوط سواء من الدول الغربية أو المحكمة الجنائية الدولية، واعتبرت أن قراراتها تنبع من سيادتها الوطنية وحريتها في التحرك الإقليمي والدولي. وتستغرق زيارة البشير إلى إنجمينا يومين يجري خلالهما قمة ثلاثية تضم إلى جانبه نظيريه التشادي إدريس ديبي والليبي معمر القذافي، تتناول الأوضاع في دارفور وسبل التوصل إلى حل سلمي في الإقليم المضطرب إلى جانب علاقات الخرطوم وطرابلس بعد التوترات التي شهدها البلدان بعد استضافة الأخيرة لزعيم حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم. وقال مستشار الرئيس التشادي للإعلام والثقافة عمر يحيى لـ«الشرق الأوسط» إن بلاده سعيدة بزيارة البشير بعد قطيعة بين البلدين استمرت لأكثر من ثلاثة أعوام، وشدد على أن بلاده ملتزمة بقرار الاتحاد الأفريقي الخاص بوقف تحركات المحكمة الجنائية الدولية ضد الرؤساء الأفارقة. وأضاف أن «البشير ضيف ورئيس دولة جارة، ولا يمكن أن نقوم بالقبض عليه وتقديمه إلى المحكمة الجنائية وسنؤمن عودته إلى بلاده بعد القمة»، نافيا تعرض بلاده إلى ضغوط من باريس وأطراف دولية أخرى لإثناء حكومته عن استقبال البشير بسبب أمر القبض الصادر من المحكمة الجنائية الدولية. وقال: «نحن دولة حرة وذات سيادة لا نقبل أن يأتينا قرار من دولة أخرى وباريس صديقة لنا لكنها لا تملي قرارات علينا ولا تستطيع إجبارنا على اتخاذ موقف لا يتماشى مع قراراتنا»، وأضاف: «نعم، نحن وقعنا على ميثاق روما وأعضاء في المحكمة الجنائية وإذا كان البشير زار إنجمينا قبل قرار الاتحاد الأفريقي الذي تم في سرت لقبضنا عليه، لكن جاء قرار الاتحاد الأفريقي ماذا نفعل؟». وتابع: «بالطبع سنلتزم بقرار الاتحاد الأفريقي ولن نتراجع عن موقفنا إلا إذا تراجع الاتحاد الأفريقي»، وأعرب عن ترحيب بلاده بقرار الحكومة السودانية بطرد المعارضين التشاديين من السودان. من جهة أخرى، قالت مصادر سودانية لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة السودانية تلقت ضمانات من ذات تأثير في الوضع الدولي بألا يتم اعتراض طائرة البشير، إلى جانب أن الرئيس التشادي إدريس ديبي التقى سرا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو في العاصمة الفرنسية باريس قبل أسبوع، لكن لم يعرف ما إذا كان قد تناول اللقاء خطوة إنجمينا استقبال البشير أم لا، ولم يتسن التأكد من مصدر في مكتب المدعي العام.

من ناحية أخرى، قال مصدر في المحكمة الجنائية الدولية فضل عدم الكشف عن هويته لـ«الشرق الأوسط» إن نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية ليس فيه نص باتخاذ إجراء ضد دولة عضو لم تلتزم بقرارات المحكمة، وأضاف أن هيئة الدول الأعضاء ستعقد اجتماعها الدوري في نيويورك أو لاهاي في ديسمبر المقبل وربما تناقش الموقف التشادي من استقبالها الرئيس البشير رغم قرار المحكمة الجنائية لارتكابه جرائم إبادة جماعية، الذي صدر مؤخرا، واعتبر المصدر أن مصداقية المحكمة ما زالت ثابتة ولا يمكن أن تتأثر بمواقف سياسية من إحدى الدول الأعضاء. وأضاف: «لكن الثقة يمكن أن تهتز بين الدول الأطراف. وعلى العموم تشاد دولة واحدة من بين 111 دولة عضوا في المحكمة وما حدث يمثل اختبارا لها».

إلى ذلك، قال مسؤولون سودانيون إنهم على ثقة من أن الرئيس التشادي إدريس ديبي لن يسلم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية التي تتهمه بالمسؤولية عن جرائم قتل وتعذيب واغتصاب بإقليم دارفور. من جهتها قالت منظمة «هيومان رايتس ووتش» يوم الأربعاء إن على تشاد أن تلقي القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وممارسة الإبادة الجماعية حين يصل في زيارة للبلاد وأن تسلمه للمحكمة الجنائية الدولية. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد وجهت الاتهام للبشير بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في منطقة دارفور التي يمزقها الصراع العام الماضي وفي الشهر الحالي ضمت الإبادة الجماعية إلى الاتهامات. واتهمته بشن حملة اغتصاب وتعذيب وقتل في هذه المنطقة النائية في غرب السودان.

وستكون زيارة البشير لتشاد المجاورة أول رحلة يقوم بها إلى الخارج منذ صدور أمر اعتقاله بتهمة الإبادة الجماعية والمرة الأولى التي تطأ فيها قدمه دولة عضوا بالمحكمة الجنائية الدولية. وقالت «هيومان رايتس ووتش» ومقرها نيويورك في بيان يوم الأربعاء: «يجب أن ترفض تشاد دخول الرئيس السوداني عمر البشير أو تلقي القبض عليه لمحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية إذا زار البلاد». وقالت ايليز كيبلر المستشارة البارزة ببرنامج العدالة الدولية بالمنظمة: «تجازف تشاد بأن توصم بأن تكون أول دولة عضو بالمحكمة الجنائية الدولية تستضيف مجرم حرب تشتبه به المحكمة». وليس لدى المحكمة الجنائية الدولية قوة شرطة وتعتمد على الدول الأعضاء لاعتقال المجرمين الهاربين. وتطلب المحكمة أيضا إلقاء القبض على وزير دولة وزعيم ميليشيا بدارفور لكن الخرطوم رفضت تسليمهما. وسلم ثلاثة من متمردي دارفور، تريد المحكمة القبض عليهم، أنفسهم للمحكمة ومقرها لاهاي.

ووقعت الخرطوم على نظام روما الأساسي الذي أنشئت بموجبه المحكمة الدولية، لكنها لم تصدق قط على المعاهدة وترفض الاعتراف بسلطتها. كان الاتحاد الأفريقي قد اتهم المحكمة باستهداف القارة وأوصى الدول الأفريقية بألا تتعاون معها.

واضطربت العلاقات بين تشاد والسودان منذ حمل متمردو دارفور السلاح أوائل عام 2003 متهمين الخرطوم بإهمال المنطقة القاحلة. وينتمي كثير من المتمردين لقبيلة الزغاوة التي ينحدر منها الرئيس التشادي إدريس ديبي.

لكن في العام الحالي وقعت الجارتان اتفاقا على وقف الدعم المتبادل للمتمردين ضد الدولتين والقيام بدوريات على الحدود الطويلة وغير المحكمة بينهما واستئناف العلاقات الدبلوماسية. ودعم البشير الانقلاب الذي قاده ديبي عام 1990 للسيطرة على الحكم. وقال مصدر بالرئاسة السودانية لـ«رويترز» قبل الزيارة: «لو كان هناك شك نسبته واحد في المائة بشأن ديبي فإننا لن نسمح للبشير بأن يذهب أبدا». وطرد السودان اثنين من أبرز متمردي تشاد هما محمد نوري وتيمان ارديمي أول من أمس ويعتبر هذا تنازلا أخيرا لتعزيز العلاقات قبل الزيارة، وغادرت قيادات المعارضة التشادية السودان، حيث ينتظر أن تقود قطر وساطة بين المتمردين التشاديين وحكومة إنجمينا. وقال مصدر دبلوماسي يتابع عن كثب هذا الملف لوكالة «فرانس برس» إن «قادة حركة التمرد التشادية بدأوا بالفعل في حزم حقائبهم. بعضهم رحل منذ بعض الوقت وآخرون على وشك الرحيل». وأضاف: «لكن ليس من الواضح في الوقت الحالي ما إذا كان تيمان ارديمي ومحمد نوري (اثنان من أبرز قادة التمرد) لا يزالان في السودان».