العقوبات تبدد طموحات طهران في أن تصبح أحد المنتجين الرئيسيين للغاز الطبيعي

انسحاب شركات عالمية وأخرى تابعة للحرس الثوري يبطئ العمل في أضخم حقل بجنوب إيران

TT

قادت العقوبات الدولية المتنامية بشأن برنامج إيران النووي إلى إبطاء العمل في أهم مشروع اقتصادي في البلاد بصورة كبيرة، وهو المشروع الذي من المقرر أن يحقق 130 مليار دولار مبيعات سنوية من الغاز الطبيعي بعد اكتماله.

وبعد التهديد بمواجهة عقوبات دولية وأميركية أكثر شدة، والتي تستهدف تمويل مشروعات النفط والدعم الفني لقطاع الطاقة في إيران، انسحبت شركات غربية، مثل «شل» و«توتال» و«هاليبرتون» من تنمية حقل جنوب فارس للغاز الطبيعي. ويعد جنوب فارس هو النصيب الإيراني من مستودع للغاز الطبيعي يقع تحت الخليج بين إيران وقطر. ويعد هذا المستودع أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، حيث يغطي نحو 3745 ميلا مربعا، ويحتوي على ما يقدر بنحو 1800 تريليون قدم مربع من الغاز الطبيعي. ويقع نحو 38 في المائة من هذا المستودع تحت المياه الإقليمية لإيران.

وفي يوم السبت الماضي، انسحبت شركة «خاتم الأنبياء»، وهي الذارع الهندسية والإنشائية للحرس الثوري الإيراني، والتي تخضع أيضا للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة، بصورة غير متوقعة من مشروعين أساسيين لتكرير الغاز. كما امتنعت عن تقديم أي عطاءات بشأن المراحل النهائية الثلاثة في حقل جنوب فارس للغاز، حسبما ذكر محمد حسن موسوي زاده، مستشار فني لشركة «فارس للنفط والغاز»، المملوكة للدولة. وقالت شركة «خاتم الأنبياء» في بيان بعد الانسحاب: «في ظل الظروف الراهنة، من الممكن أن تقود مواصلة النشاط إلى تعريض الموارد الوطنية للخطر».

وقالت مصادر بالصناعة إن هذه المشروعات تتأخر عن الجدول الزمني الموضوع لها نظرا لأن المصارف الأجنبية لا توفر التمويل. وقالت المصادر إن الحرس الثوري يأمل من الانسحاب تجنب مزيد من التأخيرات.

وتولت المؤسسة الصينية للنفط والكيماويات، التي تعرف باسم «سينوبك»، وشركة «إس كي إس» الماليزية بعض المراحل من هذه المشروعات، لكن معظم العمل تنفذه الآن تحالفات محلية غير مشهورة، يتبع بعضها الذارع الإنشائية للحرس الثوري. وينتمي البعض الآخر إلى مصارف وإلى الدولة.

وبالإضافة إلى مشكلات الحصول على التمويل، فإن الشركات تواجه صعوبات في توريد الأدوات الأساسية واستئجار منصات الحفر، حسبما ذكر مطلعون على الصناعة. ونتيجة ذلك، تم خفض هدف إيران بأن تصبح أحد المنتجين الرئيسيين للغاز الطبيعي المسال. وعلى المستوى الرسمي، قالت إيران إن «انخفاض الطلب العالمي على هذا المنتج» هو السبب وراء ذلك.

وبلغت صادرات قطر، التي تشارك حقل الغاز مع إيران، من الغاز الطبيعي 62 مليار دولار عام 2008، في حين أن صادرات إيران كانت في حدود 6 مليارات دولار. بيد أن الأرباح المحتملة لإيران ضخمة، حسبما يقول مديرو المشروع، حيث يقدرون أن إيران من الممكن أن تحقق أرباحا تصل إلى 130 مليار دولار في العام من مبيعات الغاز الطبيعي وخام النفط، التي قدرتها الإدارة الأميركية لمعلومات الطاقة عند 53 مليار دولار عام 2009.

وفي موقع جنوب فارس، انخفض عدد العاملين إلى 20 ألف عامل، مقارنة بما يقرب من 100 ألف عامل عندما كانت مشروعات عديدة في مرحلة الإنشاء.

وقال موسوي زاده: «تم الانتهاء من الطرق والجسور والمطارات. أفضل شيء هو أننا نفعل كل ذلك بأنفسنا».

وقد غيرت حملة مماثلة للاكتفاء الذاتي في تطوير القطاع النووي الإيراني - والعقوبات الناتجة الهادفة إلى تحجيم برنامج طهران لتخصيب اليورانيوم - وجه مشروع جنوب فارس. وكانت اللافتات المعلقة على الطريق وتشير إلى عسلويه، وهي مدينة على الخليج يقع بها المشروع، تقول «مرحبا بكم في العاصمة الاقتصادية لإيران». والآن الزائرون يواجهون شعارات مثل: «جنوب فارس مظهر من مظاهر الإرادة الوطنية». وأثناء زيارة نادرة قام بها الصحافيون للموقع الأسبوع الحالي، كان من الممكن رؤية مجموعات صغيرة من العمال، الذين يرتدون الثياب الزرقاء، يقومون بلحام الأنابيب وصب الخرسانة. وكان في الأفق ملصقات ضخمة لرجال الدين الإيرانيين البارزين وشعار يقول «إننا قادرون». ولم يكن هناك سوى سفينة واحدة في ميناء عسلويه.

وكانت حكومة أحمدي نجاد، التي تبنت نهج المواجهة مع الغرب، وصفت مشروع جنوب فارس بأنه أحد رموز الإرادة الوطنية التي توضح قدرات دولة تحت الحصار. وطالب أحمدي نجاد، الذي زار عسلويه في شهر يونيو (حزيران) الماضي، بالانتهاء من جميع المشروعات في غضون 35 شهرا، وهو الهدف الذي قد يكون من الصعب تحقيقه، نظرا لعدم وجودة أي مظاهر للنشاط في الكثير من مواقع المشروعات في الفترة الحالية.

وقال المهندس سوهراب غاشقاي: «بالطبع سنعمل بوتيرة أسرع مع الشركات الغربية المشتركة. لكننا الآن على الأقل نقوم بتعليم المهندسين الشباب لدينا».

لكن بعض هؤلاء المهندسين الشباب يقولون إن الوظائف في جنوب فارس لم تعد إحدى وسائل التقدم في المسيرة المهنية كما كانت في السابق.

وقال أحد المهندسين الذين يعملون في هذا الموقع منذ عامين: «إن العمل في جنوب فارس كان يعني مرتبا جيدا وعملا شيقا». بيد أن الوظائف انخفضت مع رحيل الشركات الأجنبية، وتدنت المرتبات بصورة سريعة، ولم تعد ظروف الإسكان في الجو الحار في الخليج قابلة للتحمل.

وقال: «أشعر بخيبة أمل. هناك إمكانات كبيرة، لكننا لا نستغلها».

* شاركت المراسلة كي أرمين سيرجوي في هذا التقرير.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»