لاجئون أفغان في باكستان يلقون بلائمة الأوضاع في بلادهم على «الأجانب»

TT

كان من المفروض ان تكون مجرد رحلة تستغرق اسبوعا عندما عبرت سارا رؤوف ليوال ممر خيبر الى باكستان قادمة من افغانستان عام 1994، وهي مدة كافية لكي تهدأ الامور في وطنها الذي دمرته الحروب.

لكن الايام السبعة اصبحت سبع سنوات، وقد تمتد الى ما لا نهاية بالنسبة للاجئين من امثال سارا، الذين هربوا من سلسلة من الحروب ليجدوا انفسهم في النهاية محاصرين في حرب اخرى.

ففي الحارات المتشعبة والاكواخ الطينية في معسكر «ناصر باغ» للاجئين، لا تدور الاحاديث حول متى يعود المهجرون الى بيوتهم، ولكن اذا كانت الولايات المتحدة ستهاجم حركة «طالبان» الحاكمة في افغانستان انتقاما لتفجيرات مركز التجارة العالمي في نيويورك ووزارة الدفاع (البنتاغون) في واشنطن الاسبوع الماضي.

وتقول سارا «ان الموقف في غاية الصعوبة الآن، فهو اكثر سوءا، لدرجة انه يصعب عليّ القول اذا كنت سأبقى على قيد الحياة غدا، بل وما اذا كنت سأعود الى افغانستان».

وكانت سارا البالغة 40 سنة، قد تركت وراءها كل شيء عندما غادرت كابل، مع زوجها وسبعة اطفال «اعتقدت انني سأعود بعد اسبوع، ولذا لم احضر معي الا القليل».

كان لدى سارا في كابل، منزل مرمح مليء بالاثاث، به حديقة جميلة، كما خلفت وراءها محلا لبيع ادوات التجميل من كريمات اليد وادوات الماكياج وطلاء الاظافر والمجوهرات وحتى الملابس. وبعد اسبوع من وصولها الى بيشاور في باكستان علمت سارا ان المحل والمنزل دمرا. ومنذ ذلك الوقت تعيش هي واسرتها مع اكثر من 150 الف افغاني آخر في معسكر «ناصر باغ» في بيشاور على بعد 25 ميلا من الحدود الافغانية.

والمجمع الذي تعيش فيه سارا واسرتها مع عدة اسر اخرى فاخر نسبيا، بمقاييس معسكرات اللاجئين، فأرضيته ترابية مغطاة بسجاجيد، وان كانت مهترئة، بحيث تمنع انتشار الغبار. صحيح المكان يكاد يخلو من الاثاث، الا ان هناك مروحة سقف كهربائية ومصباحا يتدلى من السقف المصنوع من القش.

وعلى بعد عدة اقدام من المجمع، توجد بركة من مياه المجاري في حجم حمام سباحة، ولكن سارا وأسرتها لديهم دورة مياه خاصة بهم. أما بالنسبة للاجئين الآخرين، والعديد منهم من ابناء الطبقة المتوسطة في افغانستان، فان معاناة العيش وسط القاذورات تزداد سوءا بالاعتقاد ان مأساتهم هي نتيجة للتدخل الاجنبي في شؤون بلادهم، وهو التدخل الذي يبدو من المرجح ان يؤدي الى غارات اميركية اذا رفض النظام الافغاني تسليم اسامة بن لادن، المتهم الرئيسي في تفجيرات نيويورك وواشنطن.

ويقول زوجها عبد الرؤوف «نحن عبيد لعديد من السادة، وما يأمر به هؤلاء السادة ينفذه اذنابهم، تلك المشاعر تتردد عبر المعسكر».

ويؤكد تيمور شاه البالغ 37 سنة «نحن غاضبون من اميركا، لأن الافغان ليست لهم اية علاقات بالنشاطات الارهابية. اسامة الذي فرض علينا، ليس افغانيا». واضاف شاه، الذي فر من افغانستان قبل تسع سنوات عندما كان جنديا في جيش الحكومة الشيوعية آنذاك «لقد سلح حلف شمال الاطلسي (الناتو) وغيره تلك الجماعات ودربوها».

وكانت «طالبان» قد هددت بالحرب ضد اي دولة تتعاون مع الولايات المتحدة وهي رسالة واضحة الى باكستان، التي تتعرض لضغوط من واشنطن لاستخدام اراضيها ومجالها الجوي لشن هجوم على افغانستان. ويؤكد اللاجئون الافغان انه اذا ما وقع هذا الهجوم فان العديد من المدنيين الابرياء الذين سيبقون في بلادهم سيسقطون ضحايا، بينما امثالهم من اللاجئين ستقل فرص عودتهم الى وطنهم.

وقال العديد من اللاجئين انهم لا يؤيدون حركة طالبان، التي تحرم عمل المرأة وتحد من تعليم البنات، كما أدت سياستها الى عزلة اقتصادية وسياسية، الا انهم قالوا ايضا ان على الحكومة الاميركية ان تتأكد من صحة اتهاماتها قبل ان تتحرك ضد بن لادن او حركة طالبان.

وذكر محمد كبير البالغ 42 سنة، انه «اذا ارادت اميركا شخصا ما، فعليها التصرف ضد الفرد وليس الامة الافغانية بأكملها». ووافقه العديد من الاشخاص، وهو يؤكد ان مشاكل اليوم ترجع الى فترة الاحتلال السوفياتي من عام 1979 الى 1989، والعمليات السرية الاميركية، التي تمت على نطاق واسع لانهاء الاحتلال.

جدير بالذكر انه خلال المقاومة الاسلامية للوجود السوفياتي في افغانستان رحبت الولايات المتحدة بتدخل المتطوعين العرب، مثل أسامة بن لادن، بل أمدتهم بصواريخ ستينغر المحمولة على الاكتاف التي افقدت الدبابات السوفياتية فاعليتها في تلك المناطق الجبلية الوعرة.

وانسحب الاحتلال السوفياتي من افغانستان عام 1989، وسقطت الحكومة التي كانوا يؤيدونها عام 1994، الامر الذي ادى الى صراع قوي بين حركات المقاومة الاسلامية المختلفة. ومع الاستيلاء على العاصمة كابل عام 1996، سيطرت حركة طالبان المتشددة على معظم افغانستان.

واوضح محمد كبير «ان الشعب الافغاني ليس له علاقة بطالبان او ببن لادن، فهما ليسا نتاجا لرغبتنا». وكان صوته يكشف عن مشاعر الغضب وهو يصف حياته الماضية ـ حين كان يملك مسكنا من طابقين وسيارة ومياه جارية في منزله ـ كل هذا «ذهب مع الريح».

لقد تسببت الحرب في ظهور دولة لاجئين افغان في باكستان، حيث يقدر المفوض السامي للاجئين عددهم بثلاثة ملايين، بمن فيهم 1.5 يعيشون في معسكرات مثل ناصر باغ، وفر عشرات الالوف من الافغان من المدن الكبرى في الايام الاخيرة تحسبا للقصف الاميركي.

* خدمة «نيوز داي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»