في قندهار.. واشنطن تستفيد مما تعلمته في بغداد

تكتيكات السيطرة ستساعد على فصل المتمردين عن بقية السكان

TT

بدأت المدينة تبدو شبيهة إلى حد بعيد ببغداد، فالحوائط الخراسانية، الشبيهة بتلك التي تحيط بالمنطقة الخضراء، أصبحت منتشرة في كل مكان. وأقيمت نقاط تفتيش يشرف عليها الجنود الأميركيون على كل الطرق الرئيسية في المدينة. وطلب من السكان التقدم لعمل بطاقات هوية جديدة تطلب تصوير شبكية العين والحصول على بصمات أصابعهم.

ويبذل قادة القوات الأميركية وقوات الناتو جهودا كبيرة لمواجهة نفوذ حركة طالبان في قندهار. ويلجأون الآن إلى تكتيكات السيطرة على السكان التي استخدمت في العاصمة العراقية عندما تم زيادة عدد القوات عام 2007 بهدف الفصل بين السكان السنة والشيعة المتحاربين. ويراهن هؤلاء القادة على أن هذه التدابير ستساعد على فصل المتمردين هنا عن بقية السكان، وهي خطوة أولى أساسية في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لتحسين الوضع الأمني داخل وحول ثاني أكبر مدينة في أفغانستان.

ويقول براجيدير جنرال فريدريك هودجز، مدير العمليات في القيادة الإقليمية لحلف الناتو في جنوب أفغانستان: «إذا لم يكن لديك السيطرة على السكان، لا يمكن أن تضمن أمنهم».

وقد ساهمت نقاط التفتيش وبطاقات الهوية والحوائط الخراسانية التي تحيط بالتجمعات السكنية في الحد من العنف في بغداد بعد أن ذكت الطائفية الصراع بين الفصلين المتناحرين. ولأن المدينة كانت منقسمة إلى أحياء منفصلة للسنة وللشيعة، فقد استطاعت القوات الأميركية وضع حدود بينهما. وقد تقبل الجانبان هذه الإجراءات إلى حد ما لأنهم كانوا يعتقدون أنها ستحميهم من منافسيهم.

لكن الصراع في قندهار أكثر ظلمة. فلا توجد فروق في الدين أو العرق بين السكان: فالجميع تقريبا من البشتون السنة. وعلى الرغم من وجود انقسامات حادة بين القبائل والعشائر، فإنها ليست مؤشرا يعتد به على دعم حركة طالبان. وينظر الكثير من السكان إلى القوات الأميركية باعتبارها سببا لعدم الاستقرار المتزايد، وليس حل له.

ويأمل المسؤولون العسكريون بأن هذه الإجراءات سوف تجعل من الصعب على مقاتلي طالبان نقل العتاد والسلاح إلى داخل المدينة ومهاجمة المباني الحكومية الرئيسية. وسيسمح ماسح للتحقق من الهوية للجنود عند نقاط التفتيش بإلقاء القبض على أي شخص تكون بصمة يده مسجلة في قاعدة بيانات المشتبه بهم كمتمردين.

ويقول هودجز: «لا يعني اختلاف الوضع داخل أفغانستان عن العراق، أن التكتيكات التي حققت نجاح في العراق لا يمكن استخدامها في أفغانستان».

وهناك تكتيك آخر استخدم في العراق، سيتم تطبيقه قريبا في قندهار وهو تخصيص مبالغ كبيرة لصندوق مستقل يمكن أن يستخدمه القادة العسكريون للتمويل السريع لمشروعات إعادة الأعمار. ويطلق الجنرال ديفيد بترايوس، القائد الأعلى السابق للقوات الأميركية في العراق الذي تولى قيادة القوات الأميركية وقوات حلف الناتو في أفغانستان مؤخرا، على هذه الأموال «نظام تسلح».

وقد وافق وزيرا الدفاع روبرت غيتس مؤخرا على طلب من بترايوس لإنفاق 227 مليون دولار من هذا الصندوق، وهي أكبر دفعة من المال تنفق مرة واحدة، على شراء مولدات جديدة وملايين الغالونات من البنزين لزيادة الكهرباء في قندهار. وقد دعم بترايوس وكبار القادة العسكريون في أفغانستان هذه الجهود المكلفة لأنهم يعتقدون أن زيادة الكهرباء ستجعل السكان ينظرون بشكل إيجابي أكثر إلى الحكومة، وهو أمر بالغ الأهمية في حملة مكافحة التمرد.

لكن بعض المسؤولين الأميركيين المدنيين في أفغانستان يتشككون في أن زيادة الكهرباء، التي ستوجه إلى المحال والمصانع، ستساعد على كسب قلوب السكان. وأكد المسؤولون على أن الولايات المتحدة سيتعين عليها الاستمرار في ضخ ملايين الدولارات لتمويل شراء البنزين كل شهر أو المخاطرة بمواجهة غضب أكبر من سكان قندهار وذلك لأن المشروع الكهرومائي الذي يعلقون الآمال عليه ليحل محل المولدات سيستغرق سنوات حتى يكتمل.

وقد أقام المقاولون التابعون للقيادة الإقليمية لقوات الناتو بالفعل 7000 شريحة خرسانية - كل منها عرضه ثمانية أقدام - حول قصر المحافظ ومكتب العمدة وعلى الطرق الرئيسية وأمام أقسام الشرطة. وقد ازداد الطلب على الحوائط الخراسانية بشكل كبير لدرجة أن العديد من مواقع التصنيع انتشرت على الطريق السريع المتجه إلى المطار.

وعلى الرغم من أن المسؤولين العسكريين يقولون إن استطلاعات الرأي غير الرسمية التي قاموا بها تشير إلى وجود دعم واضح من قبل السكان لنشر الحوائط ونقاط التفتيش، فإن القادة المحليين قد عبروا عن قلقهم من هذه الإجراءات. وقد قال محافظ قندهار، توريلي ويسا لجنرال هودجز إنه لا يرغب في أن يتحول جزء من مدينته إلى منطقة خضراء شبيهة بتلك الموجودة في العراق.

وأشار مسؤولون عسكريون إلى أنه على الرغم من قيام موظفي المجالس المحلية بتسجيل نحو 20000 من السكان في قاعدة البيانات الحيوية وإعطائهم بطاقات هوية بلاستكية، فإن الرئيس الأفغاني حميد كرزاي قد أصدر قرارا الأسبوع الماضي يقضي بوقف التسجيل في قاعدة البيانات هذه بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية.

وهناك شكوى أخرى. فقد اشتكى الأهالي الذين توجد بالقرب من مساكنهم نقاط تفتيش من أن أجهزة التشويش الإلكتروني التي يستخدمها الجنود من أجل منع تفجير القنابل عن بعد تشوش على التليفون الجوال. كما أشتكى أصحاب المحال بأنهم يفقدون عملهم.

وقد اشتكى رجل كبير السن يسمى رفيع الله للجنرال هودجز عندما كان في زيارة لمحلة الصغير الكائن بالقرب من إحدى نقاط التفتيش على الحدود الغربية قائلا: «منذ أن وضعوا الحوائط الإسمنتية والوضع الأمني تحسن لكن لا يأتي أحد للشراء من المحل». وقد وعده هودجز «بحل المشكلة». لكن إزالة أي من هذه الحوائط تأتي على حساب حماية القوات الموجودة في المدينة. وقد قتل ثلاثة جنود أميركيين وأربعة مترجمين أفغان الشهر الماضي عندما أقتحم انتحاريون أحد المقار الأمنية التي لم تكن قد تم إحاطتها بشكل كامل بالحوائط الخراسانية.

وأوضح هودجز أن نقاط التفتيش قد أجبرت المتمردين على البحث عن طرق بديلة للدخول إلى المدينة، سواء من خلال الصحراء أو الممرات القذرة وهو ما يحد من سرعتهم على التحرك والأشياء التي يستطيعون نقلها.

* خدمة «نيويورك تايمز»