برنامج ابتعاث الطلاب الأميركيين إلى دول عربية أصبح الأسرع نموا

يمضون سنتهم الثالثة في تعلم العربية ويتعرفون على منطقة الشرق الأوسط وثقافتها

الطالب بالجامعة الأميركية في القاهرة ويليام زيمان يتدرب في صحيفة «ديلي نيوز» المصرية التي تصدر بالإنجليزية («نيويورك تايمز»)
TT

من يراهم يعتقد للوهلة الأولى أنهم طلبة جامعيون أميركيون تقليديون في عامهم الدراسي الثالث في الخارج يتبادلون الروايات عن غرائب اللغة والصراعات الثقافية ويتقاسمون الأخبار بشأن المعالم السياحية وعروض السفر. غير أن هؤلاء الطلاب لا يدرسون في أوكسفورد أو السوربون أو معهد الفنون في فلورنسا، بل يدرسون اللغة العربية وما يختص بالقضايا الدينية والاجتماعية والثقافية للمنطقة هنا في الجامعة الأميركية بالقاهرة، بصورة أعمق مما هو في إسبانيا أو إيطاليا. وعلى الرغم من توجه نظرائهم الأوروبيين إلى هايدلبيرغ في ألمانيا في عطلات نهاية الأسبوع لحفلات، تجد هؤلاء الطلبة يزورون أماكن لا يعرفها الأميركيون سوى عن طريق التقارير الإخبارية - الضفة الغربية وإثيوبيا وحتى شمال العراق. ولا يرد على قوائم اهتمامهم القيام برحلات للمتعة.

جدير بالذكر أن أعداد الطلبة الأميركيين الذين يختارون قضاء سنتهم الثالثة للدراسة في الخارج في أماكن مثل مصر ولبنان وسورية والأردن والإمارات، في ما يطلق عليه المسؤولون البرنامج الأسرع نموا للابتعاث الخارجي، رغبة منهم في دراسة العالم العربي بعيدا عن الحدود ووجهات النظر الأميركية، شهدت زيادة كبيرة خلال الأعوام القليلة الماضية.

فيشير التقرير الصادر في فبراير (شباط) 2010 عن معهد التعليم الدولي، المنظمة الخاصة غير الربحية التي تدير برنامج فولبرايت لحكومة الولايات المتحدة، إلى تضاعف أعداد الطلاب الأميركيين الذين يدرسون في الدول العربية إلى ستة أضعاف من 562 في عام 2002 إلى 3.399 في عام 2007.

وعلى الرغم من ضآلة الرقم بالنسبة إلى الطلبة الذين توجهوا إلى المملكة المتحدة والذين يقدر عددهم بـ33 ألفا في عام 2007، والصين والذين بلغ عددهم 13 ألفا، فإن الشرق الأوسط يمثل الإقليم الأكثر نموا للدراسة فيه في العالم. فبين عامي 2006 و2007 ارتفع عدد الطلبة الدارسين في الدول العربية إلى ما يقرب من 60 في المائة في الوقت الذي زاد فيه معدل الطلبة المتوجهين إلى الصين بنسبة 19 في المائة وإنجلترا بـ1.9 في المائة.

ما من شك في أن هذه الأعداد دعمت برنامج منحة اللغة الحيوي، الذي بدأته وزارة الخارجية في عام 2006 - مبادرة حكومية تأسست لتشجيع الطلبة في سن الجامعة لدراسة اللغة العربية، إضافة إلى 12 لغة أخرى منها البنجابية والأذربيجانية. ومنذ تدشينه، حظي البرنامج بإقبال كبير (فقد تقدم أكثر من 12 ألف طالب لبرنامج اللغة العربية منذ بدايته، حصل 800 منهم على المنحة)، إلى حد قصر المنحة في العام الحالي على الطلبة الجامعيين والخريجين الذين قضوا عاما واحدا، على الأقل، في تعلم العربية.

وتقول ليزا أندرسون، المدير الأكاديمي للجامعة الأميركية في القاهرة، التي يبلغ عدد طلابها 7 آلاف «إنها شهدت زيادة كبيرة في عدد الطلاب الأميركيين المهتمين بالمنطقة»، مشيرة إلى أنه قبل الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) كان عدد الطلاب الأميركيين الذين يدرسون العربية كل عام يتراوح ما بين 50 إلى 75 طالبا كل عام، مقارنة بـ350 طالبا في الفصل الدراسي الآن.

وأضافت أندرسون، التي انضمت إلى الجامعة قبل عامين من جامعة كولومبيا: «لكن، عليك أن تلحظ أن هؤلاء ليسوا كالمراهقين الذين يذهبون إلى فرنسا لركوب الدراجات، فالكثير منهم يأملون الحصول على عمل في الشرق الأوسط، وربما العمل في وزارة الخارجية أو المنظمات غير الحكومية، وهم جادون بشأن هذه المنطقة من العالم».

ويعد أليكس تومسون طالبا في السنة الأخيرة في جامعة برينستون، والذي قضى العام الماضي في الجامعة الأميركية في القاهرة، نموذجا للطلبة الذين تحدثت عنهم أندرسون. فقد نبع اهتمامه بالشرق الأوسط خلال الصيف الذي قضاه في معسكر «بذور السلام» في ماين لمساعدة الطلاب من المدارس الثانوية من أميركا ومصر وإسرائيل والأراضي الفلسطينية، والمناطق التي مزقتها الحروب للعمل من أجل مستقبل أفضل.

وقال تومسون، الذي قضى إحدى عطلاته الماضية يجوب أنحاء كردستان مع بعض الأصدقاء: «أدركت حينئذ أنني أرغب في معرفة المزيد من الصراع في الشرق الأوسط والحياة هناك، فأخذنا سيارة من تركيا إلى العراق».

كغالبية الطلبة الأميركيين القادمين إلى العالم العربي، قضى تومسون عامين من دراسة العربية الفصحى في برينستون. بيد أن الفصحى لغة رسمية ونادرا ما يتحدث بها الشارع وأشبه ما تكون بلغة شكسبير في الإنجليزية، مما يجعل من الضرورة بمكان لأي طالب جاد أن يتعلم واحدة من اللهجات الإقليمية الكثيرة في المنطقة. تعلم تومسون، الذي يرغب في العمل في التمويل الإسلامي، اللهجة المصرية الدارجة.

بريان ريفيز، (21 عاما)، وليغ نوسبايوم، (20 عاما)، طلاب في السنة النهائية من جامعة برانديس، وهما يهوديان يتحدثان اللغة العبرية وقضوا وقتا طويلا في إسرائيل. ويأمل الاثنان العمل على إحلال السلام، فقد قدموا إلى الشرق الأوسط الفصل الدراسي الماضي رغبة في استكشاف الجانب الآخر من الصراع العربي - الإسرائيلي، إلى جانب تحسين مهاراتهم اللغوية.

وتقول نوسبايوم، التي قضت الخريف الماضي في الدراسة بالجامعة الأميركية في القاهرة وترغب في العمل كدبلوماسية في المنطقة: «العربية هي الروسية الجديدة». ويقول ريفيز الذي اختار جامعة الأردن في عمان، حيث تعلم اللهجة الشامية التي يتحدث بها السكان في الأراضي الفلسطينية وسورية ولبنان: «أردت أن أكتشف الصفات المشتركة بين العرب واليهود، ووجدت أنها كثيرة».

إلى ذلك، تعلم ريفيز التحدث بالشفرة وسط العامة، وقال: «فإسرائيل مثلا تصبح (ديزني لاند) وتل أبيب (إيبكوت) والقدس (قلعة سندريلا)».

وبالنسبة إلى نوسبايوم، فقد كانت تجربة التأخير في الحدود الإسرائيلية لمدة ما يقرب من خمس ساعات عندما حاولت العبور من الأردن إلى الضفة الغربية مثيرة للإحباط وتعليمية في الوقت ذاته، وقالت: «كانت هناك تأشيرات كثيرة في جواز سفري من لبنان وسورية، لذا استجوبوني بصورة مكثفة قبل السماح لي بالمرور. وقد جعلني ذلك أتذوق طعم المعاناة التي يكابدها الفلسطينيون».

وترى الطالبات الأميركيات كيف تكون الحياة بالنسبة إلى المرأة في الشرق الأوسط. وقضت هانا ماكديرموت، التي تبلغ من العمر 20 عاما وتدرس في السنة النهائية في مدرسة العلاقات الصناعية والعمالية بجامعة كورنيل - الفصل الدراسي الماضي في القاهرة في إجراء أبحاث حول قضايا حقوق المرأة في مصر، بما في ذلك ختان الإناث والاتجار في البشر، لصالح إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة. وعلى الرغم من أنها قالت إن ذلك ساعدها على تقرير مستقبلها (حيث إنها تود العمل في مجال قضايا المرأة في إيران وأفغانستان)، إلا أنها تتذكر شعورها بالغضب من نظرات الرجال إليها على الرغم من أنها كانت ترتدي ملابس محافظة. ولا عجب في أنه من المألوف أن تشعر الأمهات الأميركيات بالقلق على بناتهن اللاتي يدرسن في مصر. وعندما تحدثت ماكديرموت إلى والدتها عن توجهها للدراسة في الخارج، قالت: «لماذا لا تذهبين إلى فرنسا مثل باقي الطلاب».

وواجهت آنا خندروس، (21 عاما)، رد فعل مماثل من أسرتها عندما أخبرتهم بأنها تريد الدراسة في بيروت. وقالت آنا، التي ستعود في العام الدراسي الحالي إلى جامعة براندايس بعدما قضت الفصل الدراسي الماضي في الجامعة الأميركية في بيروت، «ليس من السهل إقناع الوالدين بالذهاب إلى دولة، تحظر وزارة الخارجية الأميركية السفر إليها، وتؤوي جماعة إرهابية بحسب تعريف الولايات المتحدة، وأنهت لتوها حالة الحرب». وحالما وصلت إلى بيروت على الرغم من ذلك تبددت جميع مصادر القلق. وأضافت خندروس، التي تدرس تاريخ الشرق الأوسط الحديث، «تعد الجامعة الأميركية في بيروت مثل المنتجع. كانت غرفتي في المدينة الجامعية تطل على الشاطئ، وتعد بيروت مدينة عالمية وآمنة في أوقات السلم».

وفي العام الماضي، كان عدد الطلاب الأميركيين الذين يدرسون في الخارج والمقيدين في الجامعة الأميركية في بيروت 135 طالبا، وفقا لرانيا مور، المسؤولة عن شؤون الطلاب الدوليين في الجامعة. وقالت رانيا: «في العام الذي تلا الحرب (في إشارة إلى الحرب التي وقعت عام 2006)، كان لدينا في الواقع زيادة في عدد الطلاب الأميركيين». وقالت إن الكثيرين فضلوا البقاء في الجبال مع أسر أصدقائهم من الطلاب اللبنانيين على العودة إلى بلادهم أثناء الحرب.

وبعد عام 2006، توقفت الجامعة الأميركية في واشنطن،والتي زاد عدد طلابها الدارسين بمنطقة الشرق الأوسط بواقع 400 في المائة منذ عام 2004، عن إرسال الطلاب إلى بيروت. وقالت سارا دومونت، مديرة الجامعة الأميركية بالخارج، «كان إخراج طلابنا من البلاد أثناء الحرب صعبا للغاية». (تقول إدارة استشارات السفر في وزارة الخارجية الأميركية إن الطلاب الأميركيين يجب أن يرتبوا سفرهم خارج لبنان إذا وقعت أي اضطرابات).

وقال جيه سكوت فان دير ميد، مدير قسم الدراسة بالخارج في جامعة براندايس، إن الجامعة لم تتوقف قط عن إرسال الطلاب إلى بيروت، لكنها الآن تمدهم بنوع خاص من تأمين إجلاء الطوارئ. وقال: «تعتبر منطقة الشرق الأوسط بكل وضوح منطقة مهمة للغاية بالنسبة إلى طلابنا، ولا نريد أن نمنعهم من الذهاب إلى هناك. لكننا نحتاج إلى الحفاظ على سلامتهم».

وعلى الرغم من أن الجامعة الأميركية علقت برنامجها في بيروت، فإنها بدأت برنامجا جديدا في سورية خلال فصل الربيع من العام الحالي. وقالت دومونت: «يتحدث عدد قليل من السوريين اللغة الإنجليزية، لذا فهي مكان أفضل أمام الطلاب الأميركيين كي ينغمسوا في اللغة». وأشارت إلى أنه يتم تدريس اللغة الإنجليزية لمعظم الطلاب في الجامعة الأميركية في القاهرة وبيروت.

وأضافت: «يعرف هؤلاء الطلاب أن هناك نقصا في عدد المتحدثين باللغة العربية في أميركا. ومن الممكن أن تزيد المعرفة باللغة فرص حصولهم على العمل».

ولتحقيق ذلك، يجري إلزام الطلاب بجامعة ميدلبري بالتعهد بعدم التحدث بأي لغة سوى اللغة العربية خلال الوقت الذي يقضونه في الإسكندرية بمصر (والاستثناء الوحيد هو الاتصال بالأهل). ويتحدث مايكل كريمر، الذي يبلغ من العمر 21 عاما ويدرس بالسنة النهائية في جامعة تافتس، اللغة بطلاقة تقريبا بعد حضور برنامج جامعة ميدلبري. وقال: «لقد تعلمت الكثير من اللغة العربية أكثر من أصدقائي الذين يدرسون في برامج أخرى». وأضاف أنهم يقيمون بمساكن مع طلاب محليين يمارسون معهم التحدث باللغة العربية.

وبالفعل، رأي معظم هؤلاء الطلاب أن خبراتهم في الشرق الأوسط تترجم إلى وظائف ودورات تدريبية. وقضى بريان ريفز الصيف الحالي في العمل لصالح أحد أعضاء الكونغرس في واشنطن، بالإضافة إلى إجراء أبحاث لصالح جماعة الحوار اليهودية، وهي منظمة شعبية تحاول تشجيع المناقشات البناءة حول الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني داخل المجتمعات اليهودية.

وحضر أليكس تومسون، من جامعة برينستون، دورة تدريبية بأجر في القاهرة الصيف الحالي مع منظمة غير حكومية تشجع المشاريع الاجتماعية وتساعد المصريين على كتابة خطط الأعمال. وعاد ويليام زيمان، الطالب بالسنة النهائية بالجامعة الأميركية، من برنامج للدراسة بالخارج في مركز الخدمات التدريبية والتعليمية بين أميركا والشرق الأوسط (أمديست)، ومعه أكثر من 20 قصاصة صحافية، بعضها من الصفحات الأولى، من دورة تدريبية قضاها في صحيفة «ديلي نيوز»، وهي صحيفة إنجليزية في مصر.

والأهم من ذلك، يقول هؤلاء الطلاب إنهم الآن ينظرون إلى هذه المنطقة بصورة مختلفة تماما. وعن الفترة التي قضتها في مصر، قالت كاثرين باكستر، التي تبلغ من العمر 20 عاما وتدرس بالجامعة الأميركية، «لن أنظر على الإطلاق مرة أخرى إلى أي قصة حول منطقة الشرق الأوسط من مثل هذا المنظور أحادي الجانب». وقال أنتوني كلايرمونت، (21 عاما)، الطالب بالسنة النهائية بجامعة ساوث الذي قضى ستة أشهر في المغرب، «لقد استمتعت في الحقيقة بمشاهدة سقوط جميع الأفكار المسبقة عن العالم الإسلامي التي كان يحملها كل فرد منا».

ومع ذلك، لم يقل أي من هؤلاء الطلاب إنهم واجهوا مشاعر معادية لأميركا، باستثناء بعض الخلافات العرضية بشأن السياسة الخارجية. وقال ريتشارد فروليتشستاين، الذي يبلغ من العمر 21 عاما ويدرس بالسنة النهائية بجامعة جورج تاون وقضى الخريف الماضي في الجامعة الأميركية بالقاهرة، «لقد وجدت أنه أثناء وجودي في القاهرة أو أسوان أو عمان أو دمشق، كان الأفراد الذين تفاعلت معهم يريدون الحديث حول الاهتمامات المشتركة، مثل الأسرة والرياضة والموسيقى والاقتصاد، بدلا من الصراعات والخلافات بيننا».

أو كما قالت آنا أولتمان، الطالبة بالسنة النهائية في كلية فرانكلين آند مارشال، حول الفصل الدراسي الذي قضته في مصر: «في مختلف الأحوال والظروف، وبكل تأكيد بصورة مقصودة، ربطت أحداث 11 سبتمبر بين جيلنا من الأميركيين والجيل الموازي له في الشرق الأوسط. نحتاج أن نتعرف عليهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»