فرنسا تكلف دبلوماسيا محنكا إحياء المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية

باريس تحاول تعويض الدور التركي.. ومصادر في دمشق ترحب بدور متمم لأنقرة

TT

مع استمرار الخلاف التركي - الإسرائيلي الذي استعر بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في مياه المتوسط ضد «قافلة الحرية» لغزة في 30 مايو (أيار) الماضي، وامتداداتها السياسية والدبلوماسية على العلاقات بين تل أبيب وأنقرة، بدا لباريس أنه سيكون من الصعب على تركيا أن تعود للعب دور الوسيط بين سورية وإسرائيل من أجل إيجاد أرضية مشتركة لتسوية سياسية بينهما. ولذا فإن أوساطا سياسية في باريس تفسر تكليف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للسفير جان كلود كوسران رسميا مهمة إعادة إحياء المفاوضات السورية - الإسرائيلية بأنه رغبة رئاسية بأن تلعب فرنسا «دورا سياسيا ما» في الشرق الأوسط استنادا إلى ما تعتبره باريس «علاقاتها الجيدة» مع الجانبين السوري والإسرائيلي.

ويأتي ذلك بعد نحو أسبوع من تأكيد الرئيس السوري بشار الأسد على أن «احتمالات الحرب والمواجهة تزداد في المنطقة» و«طيف السلام الحقيقي في المنطقة يبتعد».

وقالت مصادر مطلعة في دمشق لـ«الشرق الأوسط» إن «سورية كانت تؤكد دائما ترحيبها بأي دور لدفع عملية السلام كدور متمم للدور التركي الذي كسب مصداقية في رعاية المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل» وأضافت المصادر «كما أن سورية تؤكد دائما استعدادها لسلام عادل وشامل وفق مبادئ الشرعية الدولية واستعادة كامل أراضي الجولان المحتلة» لافتة إلى «قناعة سورية بعدم وجود شريك حقيقي لعملية السلام، سيما أن هذه الحكومة الإسرائيلية ليس لديها إرادة حقيقية لتحقيق السلام».

وفي باريس يوصف كوسران بـ«رجل المهمات الصعبة» بالنظر إلى المهام المعقدة السابقة التي أسندت إليه ومنها مهمة سياسية في لبنان عام 2007 أيام الأزمة السياسية وصعوبة اختيار خليفة للرئيس إميل لحود. وبحسب الخارجية الفرنسية، فإن كوسران البالغ من العمر 66 عاما يتمتع بمعرفة عميقة بالعالم العربي والشرق الأوسط حيث إنه عمل دبلوماسيا «سفيرا أو مساعدا» في طهران وبغداد ودمشق وأنقرة والقاهرة. وشارك في العامين 1985 و1986 بالمفاوضات التي أفضت إلى إطلاق سراح الرهائن الفرنسيين الذين كانوا محتجزين في المنطقة الغربية من بيروت.

وبالنظر لكفاءاته، فإن رئيس الحكومة الفرنسية الاشتراكي ليونيل جوسبان عينه رئيسا للمخابرات الخارجية. ومن المتعارف عليه في الوسط الدبلوماسي الفرنسي أن لكوسران «ميولا» اشتراكية، إذ إنه عمل مع وزيري خارجية اشتراكيين هما كلود شيسون ورولان دوما. واتهمته أوساط مقربة من شيراك بأنه قام بتحقيق سري حول مزاعم امتلاك الرئيس الفرنسي السابق حسابات سرية في اليابان. لذا، حاول شيراك تحجيمه فأزاحه من رئاسة المخابرات الخارجية وعينه سفيرا في مصر.

وفي الفترة الأخيرة، كان كوسران أمينا عاما للأكاديمية الدبلوماسية الدولية في باريس التي دأبت على دعوة مسؤولين أجانب وخبراء في العلاقات الدولية والاقتصادية والأكاديمية، وهي مؤسسة «مستقلة ومحايدة» كما تقدم نفسها على موقعها على الإنترنت. ومن الذين يساعدونها ماليا الأغا خان الذي يرأس الأكاديمية. ومن الباحثين فيها اللبناني جوزيف بحوت والسورية بسمة قضماني.

وعلى الرغم من أن الرئيس ساركوزي هو من كلف كوسران بمهمته الجديدة، فإن الأخير سيعمل تحت إشراف وزير الخارجية. وقالت الخارجية إنها أبلغت الجهات المعنية بتعيين كوسران في مهمته الجديدة.

وترى المصادر الفرنسية أن تكليف كوسران ينم عن رغبة فرنسية بالقيام بعمل دبلوماسي في الشرق الأوسط بالتوازي مع ترؤس باريس لمجموعة الـ20 ولمجموعة الـ8 الاقتصاديتين ابتداء من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ولمدة عام. وينتظر أن تنعقد قمتا المجموعتين في مدينة نيس الساحلية المتوسطية في الربيع المقبل وفق المعلومات الأولية المتوافرة. ويريد ساركوزي من القمتين ومن محاولة تحقيق «اختراق ما» في الشرق الأوسط العودة بقوة إلى الساحة الدولية كما فعل عند ترؤسه الاتحاد الأوروبي وتصديه بنجاح لأزمة جورجيا وحربها مع روسيا والأزمة المالية الدولية.

غير أن مصادر دبلوماسية أجنبية في باريس تنظر للمبادرة الفرنسية على أنها من نوع «طواحين الهواء» إذ إن سورية تفضل الوساطة التركية، وإسرائيل لن تقدم «هدايا» على شاكلة «تنازلات» إلا للولايات المتحدة الأميركية. لكن باريس لا تيأس وهي لم تتخل عن مشروعها للدعوة إلى «قمة» سلام للشرق الأوسط أو لإطلاق مبادرات جديدة بالاستفادة من القمة الأطلسية التي من المفترض أن تعقد مبدئيا في نوفمبر المقبل في مدينة برشلونة الإسبانية.

يبقى أن ساركوزي يعتقد أن لديه «مساحة» للتحرك الدبلوماسي على الملف السوري - الإسرائيلي بالبناء على علاقاته الجيدة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومع الرئيس السوري بشار الأسد على حد سواء. وكانت الوساطة التركية عام 2008 قد ضيقت الفجوة بين الجانبين السوري والإسرائيلي. وخلال زيارته الأخيرة إلى باريس، أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أن الخلاف بينهما «انحصر في عدة كلمات». لكن حرب إسرائيل على غزة نهاية 2008 وبداية 2009 التي أوقعت 1400 قتيل فلسطيني أطاحت بالمفاوضات غير المباشرة. وجاءت حكومة بنيامين نتنياهو لتدخل علاقات تل أبيب وأنقرة في عهد جليدي. ومن المرجح أن يكون هذا الواقع وصعوبة معاودة تركيا لدور الوساطة ما دفع باريس إلى المحاولة وإرسال دبلوماسي محنك في محاولة لتحقيق اختراق ما في ملف يراوح مكانه منذ 20 عاما على الأقل.

وكان الرئيس السوري قال في رسالة وجهها إلى القوات المسلحة بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لتأسيس الجيش السوري «نؤكد للعالم أجمع أننا بحق ننشد السلام العادل وإرساء أسس الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية من العالم وهذا ما لا يمكن أن يتم بلوغه إلا باستعادة كامل الحقوق المغتصبة وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة» وإن «إحلال السلام يتطلب استعادة كامل التراب المحتل حتى خطوط الرابع من يونيو (حزيران) 1967».