واشنطن تحارب عدوا ساعدت على ظهوره وقدمت له 3 مليارات دولار

الأصوليون يعتبرون أن أميركا خانتهم بعد أن خاضوا لها حربا ثم انسحبت وتركتهم في الصحراء

TT

يعترف المسؤولون الاميركيون والباكستانيون ان الولايات المتحدة مسؤولة جزئياً عن الظروف التي أدت الى نشوء طالبان وبروز بن لادن. ويقول احد كبار المسؤولين بالمخابرات الاميركية ان الولايات المتحدة توشك ان تدخل الحرب مع عدو ساعدت على خلقه في الثمانينات.

نائب قائد حركة طالبان، الملا حسن أخند، قال في محادثة تلفونية من كابل «نحن لا نرغب في مواجهة مع الولايات المتحدة، ولم نسع لها. ولكن اذا كان الرئيس بوش يرغب في الحرب، فاننا سنعطيه ما يريد. وقل لبوش ان جنود طالبان لن يولوا الأدبار. نحن جاهزون».

ومع ان طالبان ليست تنظيماً كبيراً، او حسن التجهيز العسكري، الا ان له مزايا ثلاثاً: سيحارب على ارضه، وسيحظى بتعاطف الكثيرين من مسلمي العالم الذين يبلغ عددهم ملياراً من البشر، ويعتقد جنوده انهم ينفذون ارادة الله.

قوات الطالبان التي تتراوح اعدادها بين 50 و60 ألفاً، قوّت عودها المواجهة مع المعارضة الافغانية المتراجعة، والتي تستولي على 10% فقط من الأراضي الأفغانية. وقد تم اعدادهم لشن الحرب في المعسكرات التي يديرها بن لادن وشحنتهم بالحماس دعوات قادتهم لشن الجهاد ضد الغرب، وخاصة الولايات المتحدة.

ويقول احد المسؤولين بالمخابرات الباكستانية ان الطالبان ينشرون الدبابات والجنود على طول حدودهم مع باكستان ويحفرون الخنادق لمواجهة القوات الخاصة الاميركية التي يتوقعون وصولها للقبض على بن لادن او اغتياله. ويظهر بعض جنود طالبان استعدادهم للقتال.

وقال جواد عبد الرحمن، 31 سنة،: «نحن نقاتل لله». وكان بصحبة زوجته وأطفاله الستة عندما غادر افغانستان يوم الأحد، قاصداً معسكر اللاجئين بمدينة بيشاور الحدودية. وقال رحمن انه تلقى تدريباته بمعسكرات بن لادن من مارس (اذار) وحتى سبتمبر (ايلول)، ويخطط للعودة الى مدينة قندهار ـ عاصمة طالبان ـ يوم الجمعة استعداداً للحرب.

تكوين «العدو الجديد» بدأ عام 1979، عندما قام الاتحاد السوفياتي بغزو افغانستان لدعم الحكومة الأفغانية الشيوعية وقتها. ولأن الولايات المتحدة كانت حريصة على وقف انتشار الايديولوجية الماركسية فقد انفقت 3 مليارات دولار، على تسليح واعداد المتطوعين المسلمين، الذين كانوا يعرفون بالمجاهدين. فقد كان هؤلاء المتمردون رافضين للدولة «العلمانية العميلة».

اشتملت الأسلحة الاميركية على صواريخ «ستنغر» المضادة للطائرات، والتي تستخدم الآن في حماية بن لادن، ويمكن ان تستخدم ضد الطائرات الاميركية في حالة الهجوم الانتقامي. وربما تشتمل مستودعات طالبان على 650 من الدبابات المتهالكة وحوالي 10 مروحيات و25 طائرة مقاتلة، ترجع الى الحقبة السوفياتية.

بعد عقد من القتال الذي شُبه بتجربة الولايات المتحدة بفيتنام، انسحبت القوات السوفياتية المنهكة من افغانستان عام 1989 وتوقفت الولايات المتحدة عن دعم المتمردين. ولم تتبرع الـ«سي. آي. إيه» بالمشاركة في تنمية البلاد او تغيير الحكومة القائمة. وسرعان ما اندلعت الصراعات المحلية بين القبائل الأفغانية، وحدث من الدمار ما جعل 21 مليوناً، هم سكان البلاد، بلا مياه جارية، ولا عناية صحية، اي في افتقار تام لكل ضروريات الحياة.

في عام 1994، قام رجل انطوائي، بعين واحدة سليمة، باعلان نفسه «أميراً للمؤمنين»، وبدأ في تكوين ما عرف بميليشيا طالبان، وقال الملا محمد عمر ان الطالبان «آي دارسو القرآن» باللغة الأوردية، تكونت لمحاربة الفوضى والحروب القبلية التي اشتعلت بأفغانستان. ووعد باعادة السلام الى افغانستان وتحويلها الى اكثر الدول نقاءً اسلامياً في العالم. وقد ضمت قواته كثيراً من المجاهدين الذين دربتهم من قبل الولايات المتحدة.

وفي عام 1996، استولت الطالبان، التي دعمتها الحكومة الباكستانية التي اعتقدت انها ستشيع الاستقرار على الحدود، على العاصمة الأفغانية كابل.

يقول المحلل السياسي الباكستاني اياز أمير «في تغيير درامي للأدوار، فان هذه القوات المتمردة التي ولدت في بوتقة الحرب الباردة وعُمدت بواسطة الولايات المتحدة نفسها، تعلنها الولايات المتحدة الآن عدواً أساسياً لها».

في يوليو (تموز) 1999، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على طالبان لاستضافتها بن لادن. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي بادرت الولايات المتحدة بغرض حظر للأسلحة على طالبان. ويشعر كثير من الأفغان حالياً بأنهم استغلوا بواسطة الولايات المتحدة، هو يثير غضبهم.

يقول احمد رشيد، مؤلف كتاب «طالبان: الاسلام الجهادي، النفط والأصولية بوسط آسيا»: «روح العداء لأميركا التي تنامت في هذا الاقليم ترجع الى ما يسميه الاسلاميون «الخيانة الأميركية العظمى»، وهم يقولون: نحن خضنا لكم حربكم ثم انسحبتم وتركتمونا في العراء».

ويقول اتباع الملا عمر انه وضع حداً للفوضى التي كانت تعم افغانستان، وقضى على تجارة المخدرات التي كانت تمثل 75% من الانتاج العالمي. ومع ان المخدر ضار في ذاته، الا انه يستخدم في صنع المورفين وغيره من الأدوية. وقد اصدر الملا عمر فتوى عام 2000 بأن الخشخاش «غير اسلامي وأجبر المزارعين على زراعة القمح وغيره من المحاصيل، التي لا تنافسه لتدني أسعارها».

يقول رحمة الله هاشمي، المتحدث الرئيس باسم طالبان «نحن غيَّرنا اوضاع هذه البلاد».

ولكن رجل دين آخر هو انيس احمد من جامعة باكستان الاسلامية يتساءل «لا أدري من أين أتى اهل طالبان ببعض افكارهم؟ فكثير من هذه الافكار لا علاقة لها مطلقاً، أقول مطلقاً، بالاسلام».

وقد ساهم بن لادن في تمويل طالبان. ومعروف ان ثروته حوالي 300 مليون. ومكنه وضعه المالي من التبرع لطالبان بملايين الدولارات لمساعدتها في حربها ضد التحالف الشمالي، الذي يسيطر على حوالي 10% من الأراضي الأفغانية. ويطلق المسؤولون الاميركيون على بن لادن مازحين اسم «مؤسسة فورد للإرهاب» وذلك تشبها بمؤسسة فورد الخيرية التي تقدم المنح.

وقد زود طالبان كذلك بـ6 آلاف مقاتل تدربوا في معسكراته وأرسلوا لمحاربة التحالف الشمالي. وفي مقابل امواله ورجاله سمح لبن لادن وغيره، مثل ايمن الظواهري، قائد منظمة الجهاد الاسلامي المصرية والقائد العسكري لقوات بن لادن، بالبقاء هناك «ضيوفاً» على طالبان. والظواهري متهم اساسي في قصف المدمرة كول في اكتوبر (تشرين الاول) 2000، باليمن. وأدى ذلك الهجوم الى قتل 17 من البحارة الاميركيين.

تقول الخبيرة في الشؤون الأفغانية جولي سيرز، المحللة السابقة لوكالة مخابرات الدفاع الاميركية، «الخط الفاصل بين طالبان والقاعدة يصعب تحديده. والصحيح ان تنظر اليهما كحلقتين من نفس السلسلة، اي سلسلة الارهاب العالمي».

ويقول الخبراء ان طالبان ستضعف كثيراً اذا سلمت بن لادن، اذ ستفقد مصدراً أساسياً من مصادر تمويلها. فبن لادن استطاع ان يوفر المصادر المالية والبشرية.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»