الاجتماعات الثنائية تهدئ الشارع في برج أبي حيدر ولكنها ليست كافية لتبديد قلق النفوس وفقدان الثقة

الأهالي: احتجاج على استفزاز الدراجات النارية وتباين من «بيروت منزوعة السلاح»

TT

«منذ تلك الليلة فقدنا أعصابنا وأصبحت وأطفالي نركض كالمجانين عند دوي أي صوت، ولو كنا نعلم أن مصدره مفرقعات»، تقول سيدة عشرينية بصوت متقطّع، تقطن قرب مسجد برج أبي حيدر، الذي شهد اندلاع الشرارة الأولى للاشتباكات بين عناصر من جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، الأحباش، وعناصر من حزب الله الثلاثاء الفائت.

على الرغم من كل مساعي التهدئة السياسية بين الطرفين الرئيسيين المعنيين بالاشتباكات، والتي توجت بلقاء ثنائي جمع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية الشيخ حسام قراقيرة لاحتواء ما حصل، يبدو نبض الشارع البيروتي، لا سيما في منطقة الاشتباكات، يسير بوتيرة تصاعدية، وبطريقة توازي تصاعد السجال السياسي بين حزب الله وتيار المستقبل.

ومع أن هدوء الوضع الميداني يفترض عودة الأمور إلى طبيعتها تدريجيا، فإن ما يرويه أبناء المنطقة يذهب في اتجاه آخر، لناحية إشارتهم إلى أن «الهدوء في الشارع لم يبدد القلق المتزايد والصدمة جراء ما حصل من اقتتال بين أهل الحي الواحد، من دون وجود أي مبرر»، على ما تقول السيدة صباح، جارة السيدة العشرينية التي لم تشأ الإفصاح عن اسمها.

تتشابه السيدتان في مقاربة بعض المسائل وتختلفان في بعضها الآخر، فصباح أكثر تماسكا من جارتها العشرينية. وتعتبر أنه «على رغم الخوف في نفوس الناس، فإن الوضع جيد»، فيما ترى جارتها أن الوضع «مقلق ولا يزال على حاله، فالناس خائفة من النزول إلى الشارع ولا تفعل ذلك إلا لقضاء حاجاتها الضرورية، ولا أحد يثق بالآخر». وفي حين تجمعان على أن «معظم العائلات تلزم منازلها بعد الإفطار، وهو ما لم تعهده المنطقة، التي غالبا ما تضج بناسها وقاصديها في مثل هذا الوقت، من قبل»، يبدو التمايز واضحا بينهما من مسألة إعلان بيروت «مدينة منزوعة السلاح».

تسأل الأم القلقة على أطفالها «من يحمينا كمواطنين وأين أمن الناس؟»، وتستذكر الفوضى العارمة وأزيز الرصاص ودوي القذائف مساء الثلاثاء الفائت بحسرة كما لو أن المواجهات للتو انتهت. وتضيف: «شعرنا بأننا محاصرون وكنا نهرع للاختباء في مدخل المبنى الذي نقطنه»، مشددة على أن «نزع السلاح وحده ما يريح نفوس الناس ويحجب دم العباد».

تحيلنا الأم الشابة مجددا إلى صباح، التي ترفض مقولة أن تصبح بيروت مدينة «منزوعة السلاح»، وتستبدل بها عبارة بيروت مدينة «مضبضبة» السلاح. وتسهب في شرح وجهة نظرها في هذا الإطار: «لا نقبل بمدينة منزوعة السلاح»، تقول. وتضيف: «نريد ألا ينزل السلاح إلى الشارع إلا بقرار سياسي، وفيما لو نزل فعلى كل الأطراف المسارعة إلى رفع الغطاء السياسي عن المخالفين».

تتحدث صباح عن توتر في الشارع منذ نحو الثلاث سنوات، و«كلما حصل إشكال تتجمع الموتوسيكلات»، التي تعتبرها «تسود وجه المقاومة في بيروت». وإذ تؤكد «أننا مع المقاومة ضد إسرائيل، ومع السيد حسن نصر الله الذي لم يخطئ يوما بحق لبنان»، فإنها تشدد على: «إننا لسنا مع الفلتان الأمني والزعران في الشوارع الذي يخفضون رصيد المقاومة في بيروت، جراء استفزازاتهم اليومية وتصرفاتهم غير اللائقة».

يرفض العديد من أهالي برج أبي حيدر التعليق على ما شهدته منطقتهم، ويؤكدون التزامهم بما صدر عن حزب الله وجمعية «الأحباش» لناحية التهدئة وطي الصفحة بين حليفين لن يؤثر حادث فردي على علاقتهما الثنائية.

في المقلب الآخر، تبحث السيدة العشرينية عن إجابات لتساؤلاتها: «إذا استدعت كل كلمة إشكالا وإطلاق نار، ماذا سيحصل بحالنا؟ من هو المسؤول عن سلامتنا ولمن نلجأ؟ كيف يمكن لجيران أن يتقاتلوا». تصمت قليلا ثم تجيب نفسها: «لقد تعبنا ولا نريد إلا أن يهدأ الوضع وتصفى القلوب ونكون يدا واحدة في مواجهة الغريب لا بعضنا البعض».