مدارس جديدة في جنوب أفريقيا لخدمة المناطق المحرومة

تتطلع إلى خدمة أبناء الفقراء والطبقة العاملة من السود

TT

على استحياء، اعترف جكوباني مانديني، هذا الشاب الخجول النحيل ذو السبعة عشر ربيعا، أنه تحول إلى عضو في عصابة عندما بلغ الصف التاسع. كانت عصابته الصغيرة التي تطلق على نفسها الطماطم أو «البندورة» تقوم بسلب الأفراد والقتال حول الفتيات والخمور والمخدرات.

وقال: «انضممت إلى العصابة لأنني كنت راغبا في ذلك». لكنه عاد بعد ذلك ليكتشف أن أنسب مكان له هو آخر مكان يمكن أن يتوقعه - مدرسة ثانوية خاصة توفر التعليم العالي للمراهقين السود من سكان المدن الجنوب أفريقية.

ترك جكوباني حياة العصابة، والتحق بالمدرسة لتبرز موهبته في الرياضيات ويسعى للالتحاق بأعرق جامعات جنوب أفريقيا. وعندما نظر معلم داخل صف لطلاب يدرسون حتى وقت متأخر من الليل وسألهم: «هل كل شيء على ما يرام؟»، رفع جكوباني إبهامه إلى أعلى مؤكدا أن كل شيء على ما يرام..

دفع خذلان الكثير من المدارس العامة الجنوب أفريقية لجيل الأطفال الذين ولدوا بعد نظام الفصل العنصري في الأحياء الفقيرة والمناطق الريفية، عددا من المعلمين الناشئين والمتبرعين والآباء الحيارى إلى البحث عن بديل.

كانت البنوك والمؤسسات ترعى على مدار عقود الطلاب النابهين في الأحياء الفقيرة لدخول المدارس التي يرتادها النخبة، التي يشكل البيض غالبيتها. لكن المدارس الخاصة الجديدة الآن تتطلع إلى خدمة أبناء الفقراء والطبقة العاملة من السود، لتقدم للنظام السياسي الحاكم بعض المنافسة، وربما بعض النماذج المبتكرة التي يمكن أن تؤثر عليه في النهاية.

يمثل الطلاب الـ500 الموجودون في ثلاث مدارس تعرف باسم «ليب» إحدى هذه الوسائل. فجميع طلبة المدارس، بمن فيهم جكوباني، قدموا من أحياء السود الفقيرة. وهم محاطون ببيئة تعليمية تماثل في رقيها بعض أفضل المدارس الأميركية.

على صعيد آخر، يحاول القادة المدنيون إحياء مدارس الإرساليات الريفية التي قدمت التعليم للكثيرين من قادة تحرير جنوب أفريقيا، لكنها تعرضت لتدمير كبير من قبل قوات الفصل العنصري التي اشترطت خضوع تلك الإرساليات لإملاءات النظام العنصري، أو تسليم شؤون هذه المدارس إلى الدولة. المدرستان التي تخرج فيهما الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، «هيلدتاون» و«إناندا سميناري»، كانتا من أوائل المدارس الثانوية للفتيات الأفريقيات، وكانت أسستها الإرساليات الأميركية عام 1860.

وفي المنطقة الصغيرة الغنية بالبلاتين والقريبة من جوهانسبورغ، أنشأ ليريو تشكيدا مولوتلغي، مدرسة خاصة بقيمة 72 مليون دولار، تستوعب ثمانمائة طفل، غالبيتهم سيكونون الأولاد والفتيات المحليين.

لكن عددا متزايدا من العائلات، على الرغم من عدم الحصول على دعم خيري، قد أرهقت مما تعتبره مدرسي مدارس عامة غير متحفزين، وتحاول تدبير الأموال لإرسال أبنائها إلى المدارس الخاصة منخفضة المصاريف التي أقيمت في مصانع مهجورة، والمراكز التجارية، والأكواخ، بحسب الدراسة التي قامت بمسح المجتمعات الريفية والحضرية في ثلاثة أقاليم بجنوب أفريقيا.

وجد الباحثون أن أعداد هذه المدارس الخاصة منخفضة التكلفة تفوق الإحصاءات الرسمية بكثير، ومن المثير للدهشة أن تشير الدراسة إلى عدم قناعة المدرسين الحكوميين بمكان عملهم بين الآباء والتلاميذ في هذه المدارس. وعلى الرغم من الحاجة إلى الدراسات الوطنية لقياس البعد الكامل لهذه الظاهرة، يشير الباحثون إلى وجودة أدلة على ازدياد الإقبال على تلك المدارس.

وتقول آن برنستين، المديرة التنفيذية في مركز تنمية الشراكة، الذي أجرى الدارسة: «البعض يتساءل: لماذا لا يصرح الآباء بشأن الحالة المتردية للتعليم العام؟».

يبدأ اليوم الدراسي في مدارس «ليب» في الثامنة والربع صباحا، وينتهي في الخامسة والربع، ويحضر الطلاب المدرسة صباح يوم السبت، ويقضون وقتا إضافيا لدراسة الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية. ويواصل الطلبة، المقدمون على امتحانات القبول في الجامعات التي ستشكل مستقبلهم، الدراسة حتى الساعة الثامنة، ثلاث ليال أسبوعيا.

لعل أهم سمات هذه المدرسة الجديدة الدروس اليومية التي يحضرونها عن التكيف مع الحياة. يتحدثون فيه عن مشكلاتهم الشخصية التي يمكن أن تعطل التعليم - زوج الأم الذي يتوقع ابنة تقوم بأعمال المنزل، بدلا من القيام بالواجب المدرسي، أو طالب يحاول الدراسة في كوخ بينما تعيش باقي العائلة وتعمل في صالون. أو طالبة أخرى تذهب إلى المدرسة جائعة لأن راتب والدتها كعاملة ينتهي قبل نهاية الشهر.

بعد عام من إنكار أنه كان ضمن عصابة، قال جكوباني إنه بدأ في مواجهة عواقب خياراته في دروس التكيف مع الحياة، في الوقت الذي كان فيه أصدقاؤه يموتون خلال القتال بالأسلحة البيضاء. وقال لوتشيندا بلاتجيا: «أحيانا ما يواجهه الفصل بأكمله».

أتت هذه العملية التعليمية القائمة على منهج أكاديمي قوي وصدق عاطفي ثمارها، فقد تفوق تلاميذ مدارس «ليب» على المستوى القومي في امتحانات القبول بالجامعات. فتسعة من كل عشرة طلاب اجتازوا الاختبارات خلال السنوات الخمس الماضية، وجميعهم وصلوا إلى التعليم الثانوي.

تراجعت نسب النجاح في الاختبارات على المستوى القومي خلال السنوات الست الماضية لتصل إلى 6 من كل 10 العام الماضي. وقد تأخرت الكثير من المدارس العامة نتيجة للمدرس غير الخاضع للمحاسبة أو المدرَّب تدريبا سيئا، وهو ما كان سببا في فشل الكثير من الطلبة السود، حسب آراء الخبراء.

مدارس «ليب» واحدة من بنات أفكار جون غليمور، المدرب والمعلم الذي ترك وظيفة مريحة كمدير مدرسة ثانوية كي يقيم هذه المدارس. ويشير غليمور إلى أنه اعتقد ذات مرة أن الرياضة ستكون الحل. لذا قام في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات بتدريب فريق للكريكت من بلدة لانغا، التي أفرزت نجوما في المنتخبات الوطنية. وأضاف: «ثم بدأت حضور جنائزهم، فقد كان اللاعبون مصابين بالإيدز، ومدمنين للكحول والجريمة والعنف».

في التسعينات، بدأ غليمور، كمدير لمدرسة ثانوية عامة للبيض في بينلاندز، برنامجا تعليميا مكثفا للأطفال في حي لانغا، لكن بعد أكثر من عقد لم تتقدم نتائج الطلاب على نحو مرضٍ، ففي عام 2003، العام الذي سبق إنشاءه أول مدرسة «ليب» في بينلاندز لخدمة أبناء لانغا، لم يتقدم سوى ستة طلاب من الحي إلى امتحان القبول، وحصلوا على نتائج تؤهلهم للالتحاق بالجامعة.

حينئذ أدرك غليمور أن الأطفال في كيب تاون في حاجة إلى ما هو أكثر من فرق رياضية، أو المزيد من ساعات التعليم. ومن ثم كانت «ليب» هي النتيجة. يغلب على المدارس - مدرستان في كيب تاون وواحدة في جوهانسبورغ - طابع النفعية في بنائها بطوابق رثة، وطاقم عملها المجتهد الذي يعمل ساعات طويلة لقاء راتب متواضع. يتم جمع الأموال المخصصة لكل طالب، التي تصل إلى 4000 بصورة فردية، وتسهم الحكومة بـ800 دولار من هذا المبلغ. لا تزال المدرسة تحقق تقدما، يتماشى مع روح التجربة، فخلال السنوات الثلاث الماضية، تعاونت «ليب» مع منظمة «تيتش ويز أفريكا»، ومقرها سان فرانسيسكو، حيث أرسلت العام الحالي 22 مدرسا أميركيا بأساليبهم المبتكرة في التدريس.

كانت الحصة الأولى هي المفضلة بالنسبة لجكوباني، هذا هو العام الثالث له الذي يدرس فيه مادة العلوم على يد روس هيل، 31 عاما، وابن راعي كنيسة سابق ومدرس الأحياء في المدرسة الثانوية الذي يعرف امتيازات نشأته كرجل أبيض في جنوب أفريقيا، ويشعر بالمسؤولية في تخفيف معاناة السود.

وقال جكوباني، الذي دخل الفصل للمرة الأولى كطالب في الصف العاشر، إن السيد هيل علم عن سمعة الفتى، واستعد للمعركة، لكن لم يحدث أي من ذلك. فقد أحب جكوباني العلوم.

في صباح هذا اليوم بدأ الصف الدراسي بمراجعة كئيبة للتأثير الكهروضوئي، وبدا الأطفال أشبه ما يكونون في سبات، ثم بدأ التفاعل بين هيل وجامي برانديت، أستاذ الفيزياء من مقاطعة مارين كاونتي بولاية كاليفورنيا.

قام برانديت (36 عاما) المتطوع في منظمة «تيتش ويز أفريكا»، بالتعبير عن التأثير الكهروضوئي، عبّر بالتمثيل الصامت، متظاهرا أنه يسير عبر شعاع ضوئي، وجعل الطلاب يصفون ما حدث عندما قطع جسمه التيار. طلب هيل من الطلاب تمثيل التأثير الضوئي. حرك طلبة الفوتونات (قطعة من الزنك)، (مجموعة من الطلبة يتمايلون) متسببة، في انطلاق الإلكترونات (اندفع المزيد من الطلبة). صاح: «هيا اخرجي أيتها الفوتونات.. تدفقي بلطف ومحبة». دفعت طالبة تمثل الفوتون زملاءها الذين يمثلون الزنك، فضج الصف بالضحك، وقال هيل: «يا له من شيء رائع..!».

* خدمة «نيويورك تايمز»