مسلمو التبت في نيبال.. أقلية داخل أقلية

يتحدرون من نسل المهاجرين الذين تزوجوا مسلمات

TT

اعتاد أحمد كمال، 35 عاما، على ارتداء سراويل الجينز وقمصان الـ«تي شيرت» قصيرة الأكمام ويبدو من مظهره أنه ينتمي إلى دول منطقة شرق آسيا أكثر من انتمائه لجنوبها بينما هو يجلس في مكتبه في كاتماندو. وتتسم لغته النيبالية، التي تمتزج بها بعض الكلمات الإنجليزية، بلهجة تبتية خفيفة. ويمثل كمال واحدا من أكثر المجتمعات الإسلامية رسوخا، رغم أن هذا المجتمع يتألف فقط من نحو 50 أسرة.

وينحدر مسلمو التبت من نسل المهاجرين النيباليين الذين تزوجوا مسلمات - ومن ثم كان عليهم اعتناق الإسلام - بينما كانوا في التبت.

وكان جد كمال من ذرية لواحدة من مثل تلك الزيجات ووافق على عرض المواطنة من جانب كاتماندو، التي تمتد تلقائيا إلى كل من يخرج من نسل أي رجل نيبالي.

واتجه إلى نيبال، مسقط رأس أبيه، لكنه جلب معه لغة أمه التبتية وعاداتها ودينها وهو الإسلام.

ومنذ ستينات القرن الماضي، شجع الوضع السياسي في التبت أولئك الذين يجمعهم نفس الوضع على المطالبة بالجنسية النيبالية والعودة إلى نيبال أرض آبائهم أو أجدادهم.

ويقول محمد (28 عاما) وهو مسلم نيبالي آخر في تقرير وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن جده الكبير، وكان موظفا في القنصلية النيبالية في لاسا، تزوج امرأة تبتية مسلمة هناك. وعادت أسرته بعد جيلين وعاشت في نيبال منذ عام 1960.

وتزايدت أعداد مسلمي التبت في كاتماندو اليوم لتصل إلى نحو 400 فرد يحافظون على لغتهم التبتية وتقاليدهم الإسلامية، ونادرا ما يتزوجون من خارج مجتمعهم.

وحصل محمد، الذي طلب أن يشار إليه باسمه الأول فقط، على جنسية جده الأكبر وديانة جدته الكبيرة.لكن على غرار الكثيرين من مسلمي التبت الآخرين في نيبال، فإنه تلقى تعليمه في مدرسة مسيحية تبشيرية في منطقة دارجيلينج الهندية الواقعة عبر الحدود مباشرة. وفي المدرسة، كان يصلي في الكنسية الصغيرة بالمدرسة ويقوم بترديد الترانيم الدينية مع جوقة المدرسة.

وقال بينما ارتسمت الابتسامة على وجهه: «عندما أتيت لقضاء العطلات في نيبال - مرتين في العام - كنت أردد صلوات وقت الطعام وأدركت عندما كبرت أن أسرتي كانت تفعل أمورا مختلفة.. لكن الصلاة هي صلاة في أي دين».

وتعمل سلمى خاتون (32 عاما) موظفة في برنامج الغذاء العالمي. وتعلمت في طفولتها بمدرسة مسيحية تابعة لأحد الأديرة في الهند، شأنها شأن محمد.

ويقول كمال الذي تلقى تعليمه أيضا في مدرسة داخلية هناك: «كان اتجاه إرسال الأطفال إلى الهند للتعلم قويا للغاية عندما كنت أشب عن الطوق. لذا فإن مسلمي التبت، على غرار الكثير من النيباليين يرسلون أبناءهم إلى مدارس مسيحية في الهند». ومن الناحية السكانية فإن مجتمع مسلمي التبت في كاتماندو يتضاءل أمام تزايد أعداد مسلمي البلاد البالغ عددهم نحو 1.2 مليون مسلم، لكن شعورهم بالانتماء لا يهتز.

ويقول كمال: «في نيبال، لا يمكن أن يكون مسلم التبت غريبا على الإطلاق»، متذكرا طفولته عندما كان في مدرسة داخلية بالهند. وأضاف يقول: « في اللحظة التي عبرنا فيها الحدود الهندية إلى نيبال، كان هناك هذا الشعور بالأمن.. شعرت وكأننا في وطننا بالفعل».

ويحدق محمد عبر الشارع من نافذة مكتبه إلى السفارة الصينية، التي تشهد احتجاجات عديدة من جانب النشطاء الموالين لاستقلال التبت. ويقول: «أتعاطف معهم لكنني لا أفكر فيها كقضيتي عندما أفكر في الوطن فإنني أفكر في كاتماندو وليس التبت».

وعندما تعرض منزله للتهديد من جانب حشد غاضب في 2004 عندما قتل 12 نيباليا على أيدي مسلحين مسلمين في العراق، تذكر محمد كيف أن المجتمع المحلي جاء لمساعدتهم.

يذكر أن نيبال، التي كانت مملكة هندوسية سابقا، أعلنت نفسها دولة علمانية عام 2008، وتتضمن الأعياد الوطنية أعيادا هندوسية ومسيحية وإسلامية.

ويعود أصل مسلمي التبت إلى النازحين من 4 مناطق هي: كشمير ولداخ والصين ونيبال، ودخل التبت النفوذ الإسلامي عن طريق فارس وتركستان، وظل المسلمون هناك على مدى أجيال يحظون بمزايا عديدة فكان لهم جزء مستقل في التجارة التبتية، وكانوا أحرارا في إقامة مؤسساتهم التجارية، ويستثنون من دفع الضرائب، وبتلك الامتيازات المخولة من الحكومة أخذت تجارتهم تزدهر في البلدان والمدن الكبرى مثل: «الهاسة» و«شيفاتزى» و«تسيدانغ» و«سيلنغ» فكانوا يتوجهون إلى البلدان المجاورة للتبت ويعودون بسلع وبضائع مستوردة.

كما مارس المسلمون عقيدتهم وتقاليدهم الحضارية والاجتماعية بحرية كاملة، وبنوا المساجد والمدارس وقد أرخ لذلك «هيريس هيرر» الذي أقام بالتبت منذ عام 1943 إلى 1950 كل هذا كان قبل عام 1959 أي قبل احتلال الصين للتبت. ولكن بعد الاحتلال ماذا حدث؟

كان أول شيء فعله الصينيون هو سلب المسلمين حريتهم في ممارسة عقيدتهم الدينية، وسلبهم جميع الامتيازات والتسهيلات التجارية الحرة فأغلقت مؤسساتهم مثل المدارس والمساجد، وحتى لم يسمحوا لهم بأبسط الحقوق كدفن الموتى وفقا للتقاليد الإسلامية، وفرض عليهم حظر السفر في البلاد، وتم تجميد ما امتلكوه من سلع، واستمر موقف الصين من المسلمين في التبت عدائيا، كما اشترطت السلطات الصينية على المسلمين التبت أن يتخلوا عن ممتلكاتهم الشخصية مقابل الهجرة إلى أي بلاد إسلامية.. كما فرضت عليهم قيودا ومقاطعات جماعية، إلى جانب منع الناس من بيع أي شيء للمسلمين فلقى الكثير منهم حتفهم كهولا كانوا أو أطفالا بسبب المجاعة.

وفى أواخر 1959 استطاع مئات من المسلمين الهجرة إلى الهند في بلدانها الحدودية مثل: «دار جلينغ» و«كاليم بونغ» و«نمانتوغ» ومنها صاروا يتجهون إلى كشمير بين الفترة من 1961 إلى 1964. كما استطاع «الدلاي لاما» من منفاه أن يتعرف على أحوال المسلمين، وأن يشجع على قيام جمعية لرعاية مسلمي التبت المهاجرين، والتي تكونت بالفعل بمساعدة العالم الإسلامي وتم بناء 144 مسكنا ومسجد واحد تم الانتهاء منه عام 1985، وهذه المساكن لم تكف حاجة المسلمين.