مجلس أمناء الوكالة الذرية سيكتفي بإصدار «توصيات» لحث سورية على التعاون

مصدر غربي لـ«الشرق الأوسط» استبعد اتخاذ قرار يلزم دمشق بفتح منشآتها «لتفتيش خاص»

TT

قلل مصدر دبلوماسي غربي رفيع في حديث خاص مع «الشرق الأوسط» من احتمالات أن يطلب مجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية في دورته المنعقدة حاليا، من مدير عام الوكالة اتخاذ قرار يلزم سورية بفتح منشآتها لطلعات «تفتيش خاص» تتيح للمفتشين الدوليين صلاحيات أوسع أثناء أدائهم لمهامهم.

وأشار إلى أن مجلس أمناء الوكالة الذي يواصل منذ صبيحة أول من أمس جلسات اجتماع دوري هام، سيكتفي في الأغلب بـ«توصيات» تحث سورية على مزيد من التعاون الشفاف مع التأكيد على ضرورة مسارعتها بتطبيق البروتوكول الإضافي.

ومضى المصدر موضحا أن مجلس الأمناء لن يقرر غير تكرار دعوة سورية لمزيد من التعاون الشفاف مع الوكالة، وأن تسارع لتطبيق البروتوكول الإضافي، وذلك رغم اقتناع المجلس بضرورة مسارعة سورية بالاستجابة لرغبة الوكالة في السماح لمفتشيها للقيام بزيارة ثانية لموقع دير الزور الذي لم تتضح بعد طبيعة النشاطات التي شهدها قبل تدميره في سبتمبر (أيلول) 2007 بواسطة قوات إسرائيلية قصفته وحولته ركاما بدعوى أنه كان منشأة نووية تحت التشييد نجحت سورية في إقامتها بواسطة عون ومساعدة كوريا شمالية.

وكانت الوكالة قد كشفت عن سماعها بمنشأة دير الزور السورية قبل ثلاث سنوات بعد هجوم إسرائيلي تعرضت له المنطقة، وذلك عبر معلومات استخباراتية غربية وصلت للوكالة (وسط صمت إسرائيلي وسوري مطبق) كشفت عن أن الولايات المتحدة الأميركية كانت على علم بالموقع وبالنوايا الإسرائيلية في الهجوم عليه دون أن تبادر بإخطار الوكالة بذلك، مما أثار غضب واستياء مدير الوكالة حينها الدكتور محمد البرادعي الذي شن هجوما شديدا ضد إسرائيل لاعتدائها على ذلك الموقع، مما قلل من مقدرة الوكالة في التحري على طبيعة نشاطاته، كما وبخ المندوب الأميركي لدى الوكالة حينها السفير، غريغوري شولتي، لاعتماده سياسة الصمت رغم أن قوانين الوكالة تحض الدول الأعضاء على الإبلاغ في حالة حصولهم على معلومات كهذه.

هذا ولم تتمكن الوكالة من دخول الموقع وأخذ عينات من حطامه إلا أواخر يونيو (حزيران) 2008 عندما سمحت السلطات السورية للمفتشين الدوليين بزيارته ممتنعة حتى اليوم أن تتكرر الزيارات مرة أخرى، وذلك رغم اكتشاف المفتشين في تلك العينات لآثار تلوث نووي تتمسك سورية أنه نتاج الصواريخ الإسرائيلية التي دمرت الموقع، فيما تتمسك إسرائيل ودول غربية أن التلوث سببه نشاط سوري نووي غير معلن.

في المقابل، أشار المصدر الغربي في حديثه مع «الشرق الأوسط» إلى الصلاحيات التي يمتلكها مدير عام الوكالة بطلب عمليات تفتيش خاص، وفقا لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية الموقعة بين سورية والوكالة، خاصة إذا ما طالبه مجلس الأمناء بذلك، مواصلا أن المجلس لا يزال يمد حبال الصبر تجاه التعنت السوري ورفض السماح للمفتشين بمعاودة دخول الموقع بدعوى أنه أصبح موقعا عسكريا مغلقا.

وفيما أرجعت مصادر دبلوماسية عربية متابعة خشية الغربيين وامتناعهم حاليا رغم تهديدات مسبقة بالمطالبة بفرض عمليات التفتيش الخاص على سورية لخوفهم من إثارة الانتباه إلى أنهم يتشددون ويهاجمون فقط عندما تطال اتهامات دولا مثل سورية وإيران، فيما يعترضون وبشدة على أن تجيز الوكالة أي قرارات تسعى لإخضاع إسرائيل حتى تفتح منشآتها النووية للمراقبة وعمليات التحري والتفتيش الدولية، وذلك في إشارة للمعارضة الغربية الصارخة والقوية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية ومندوبها لدى الوكالة السفير، غلين ديفيز، ضد مساعي المجموعة العربية بالوكالة الدولية لطرح مشروع قرار جديد يقوي ويبقي على فاعلية القرار السابق الذي نجحت المجموعة العربية في تمريره في 18 سبتمبر 2009 وإلزام مدير عام الوكالة برفع تقرير عن القدرات الإسرائيلية النووية وإضافتها كبند من بنود مجلس الأمناء في دورته الحالية المنعقدة منذ صبيحة الاثنين بمقر الوكالة بالعاصمة النمساوية فيينا، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1990.

من جانبه، كان مدير عام الوكالة، يوكيا أمانو، قد كرر الذكر في خطابه الذي استهل به جلسات اجتماع الأمناء أن سورية لا تزال ترفض الامتثال لطلبات الوكالة كما ترفض التصريح للمفتشين بدخول موقع دير الزور ومواقع أخرى ذات صلة، مما يعيق مواصلة عمل الوكالة للتحقق من طبيعة هذه المواقع.

مما يجدر ذكره أن أمانو كان قد ركز على الإشارة إلى أن سورية والوكالة قد توصلتا في اجتماع بتاريخ 3 سبتمبر الحالي لخطة عمل بموجبها تتمكن الوكالة من حلحلة القضايا العالقة بخصوص عينات ظهرت عليها آثار تلوث نووي لمواد غير معلنة كان مفتشو الوكالة قد حصلوا عليها إبان طلعة لمفاعل أبحاث صغير بالقرب من دمشق.

وكان مصدر سوري قد سبق أن أكد لـ«الشرق الأوسط» أن بلاده لن تسمح مطلقا للوكالة بالقيام بطلعات تفتيش خاصة. مؤكدا عسكرة موقع دير الزور، وأن سورية كغيرها من الدول تحافظ على سرية مواقعها العسكرية حتى ولو كررت الوكالة مرارا وتكرارا الحديث عن حفاظها على سرية المعلومات التي يمكن أن تجمعها من تلك المواقع. مما يجدر ذكره أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت قد اضطرت في 1993 إلى إجبار كوريا الشمالية على قبول طلعات تفتيش خاصة، وتلك هي المرة الأخيرة التي يصدر فيها قرار كهذا.