شبكة جواسيس في الصومال تعمل بتكتيكات عراقية وباكستانية وأفغانية

تستخدمهم حركة الشباب في معركتها الدامية من أجل السيطرة على العاصمة مقديشو

قراصنة صوماليون ألقي القبض عليهم في ابريل (نيسان) 2009 كما بدوا في قاعة محكمة كينية في مومباسا أثناء جلسة محاكمتهم أمس (أ ب)
TT

خلال النهار، يقوم محمد محمود بإحصاء عدد قوات حفظ السلام التابعين للاتحاد الأفريقي داخل الحي الذي يقيم فيه ويكتب ملاحظات عن مواقعهم. وفي الليل، يعطي هذه المعلومات إلى المسؤولين عنه من ميليشيا «الشباب» الراديكالية، التي تسعى إلى تقويض الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والتي تدعمها قوات حفظ السلام. ويقول محمد: «نحن موجودون في كل مكان».

وفي المعركة الدامية من أجل السيطرة على العاصمة الصومالية، يعمل جواسيس، مثل محمد، سرا خلال حرب أهلية تشهدها هذه الدولة الفاشلة. وقد تمكن المسلحون الذين يدعمونهم من إضعاف الحكومة والحد من قدرتها على حماية السكان، وتعد هذه نفس التكتيكات التي استخدمها متمردون داخل بغداد وكراتشي وكابل.

ويقول عبد الرحيم أدو، وهو قائد عسكري ومقرب من الرئيس الصومالي شيخ شريف أحمد: «نقاتل في حرب صريحة، وفي حرب أخرى تحت السطح».

وتعرض المقابلات التي أجريت مع جواسيس وجواسيس سابقين داخل مقديشو إطلالة نادرة على الطريقة التي تعمل بها حركة الشباب، التي تصنفها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، داخل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. ويساعد الدور المتزايد لحركة الشباب على توضيح كيف عجزت الحكومة وقوات حفظ السلام – البالغ عددها 6000 فرد تدعمها مئات ملايين الدولارات من واشنطن وحلفائها – عن القضاء على ميليشيات تحظى بدعم شعبي قليل.

وتم الوصول إلى محمد، 41 عاما، من خلال وسيط، ووافق محمد على الحديث شريطة عدم ذكر اسمه كاملا. وعادة ما يستخدم الصوماليون 3 أو 4 ألقاب. وأكد مسؤولون صوماليون وقادة منشقون من «الشباب» التفاصيل التي ذكرها محمد. وبينما كان يتحدث، خلال مقابلة داخل مبنى على بعد أقل من ربع ميل من القصر الرئاسي داخل الصومال، كانت أصوات المدفعية والطلقات النارية تتردد في كل مكان. وكان جنود صوماليون ومسؤولون أمنيون يقومون بدوريات في الخارج. ولكن لم يبد على محمد القلق من ذلك. وقال: «أدخل إلى أي مكان بحرية»، ورسم على شفتيه ابتسامة.

ويعيش محمد في حي حاماروانا بالقرب من الميناء الذي يبعد قليلا عن وزارات حكومية هامة. ولديه 10 أطفال، ويقول إن حركة الشباب تدفع له 100 دولار شهريا وتساعده على دفع الإيجار وجلب الطعام. ويضيف: «لا أقوم بذلك من أجل المال، بل أنا مؤمن بكل ما يمثله (الشباب)». وكان محمد يرتدي ملابس تقليدية وصندلا بني اللون.

وانضم محمد لأول مرة إلى جناح مسلح لحركة إسلامية معتدلة وقفت ضد أمراء الحرب الفاسدين داخل الصومال عام 2006. وفي العام التالي، قامت إثيوبيا – تدعمها أموال سرية من إدارة بوش – بغزو الصومال. وبحلول 2007، كان محمد يقاتل على الجبهات مع حركة الشباب التي ظهرت كقوة راديكالية.

وبعد انسحاب الإثيوبيين من الصومال العام الماضي، عززت حركة الشباب من قبضتها على رقع كبيرة داخل جنوب ووسط الصومال. وقامت بفرض قرارات على غرار قرارات فرضتها حركة طالبان، فحظرت كرة القدم والموسيقى. وخلال العام الحالي، أعلن المسلحون بيعتهم لتنظيم القاعدة وعززت من تقدمها داخل العاصمة، التي تسيطر الحكومة فيها على أميال قليلة.

ووقع آخر هجوم للميليشيات يوم الخميس، عندما قام مفجرون انتحاريون ورجال مسلحون بتفجير سيارتين مفخختين داخل مطار بمقديشو، مما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، من بينهم جنود ومتسولون. وتقع القاعدة الرئيسية للاتحاد الأفريقي داخل المطار. ووقع التفجير بينما كان مسؤولون بارزون من الأمم المتحدة يصلون لحضور اجتماع رفيع المستوى لم يعلن عنه مع مسؤولين صوماليين، مما أشار إلى أن المسلحين ربما كانت لهم معرفة مسبقة بالزيارة. ولم يصب في هذا الهجوم أي مسؤول من مسؤولي الأمم المتحدة.

وقبل ذلك بأيام، تمكنت الميليشيات من السيطرة لفترة وجيزة على طريق استراتيجي يمر عبر العاصمة، وقتلوا 4 من قوات حفظ السلام في هجوم بقذائف الهاون على القصر الرئاسي، وهاجموا فندق «مونا» الذي يوجد في منطقة بها الكثير من الوزارات الحكومية، وهو ما أدى إلى مقتل 31 شخصا، ومن بينهم 6 مشرعين.

ويقول وزير الأمن القومي الصومالي أحمد عبد السلام: «إنهم يحولون التكتيكات، فهم لا يحرصون على الحصول على مساحات بنفس حرصهم على إثارة حالة من الفوضى وخلق شعور بالخوف والقلق. ولذا علينا أن نقاتل العمل الاستخباراتي بعمل استخبارات، ويجب أن نحصل على معلومات أفضل، ويجب أن ننظم صفوفنا بدرجة أعلى».

ويقول محمد إن هدف الميليشيا «السيطرة على كل أنحاء الدولة وحكمها كإمارة إسلامية». وهناك مجاهدون أجانب داخل الميليشيا تدربوا داخل أفغانستان وباكستان أصبحوا عناصر مؤثرة، بحسب ما يقول محمد، وتوقع وقوع المزيد من الهجمات داخل البلاد المتحالفة مع الغرب أو التي ينظر إليهم على أنهم «غزاة»، مثل التفجيرين اللذين وقعا داخل العاصمة الأوغندية كمبالا في يوليو (تموز) وأدى إلى مقتل أكثر من 70 مشجعا كانوا يتابعون كأس العالم. ويُشار إلى أن معظم قوات حفظ السلام داخل الصومال من أوغندا. وقال محمد: «لن نتوقف عند حدودنا وحسب».

وفي العام الماضي، انضم محمد إلى خلية استطلاعية تابعة لـ«الشباب» تعمل داخل مناطق حكومية. ويعيش الكثير من أفراد عائلته في الحي الذي يقيم فيه، وهو ما يساعده على التحرك بحرية أكبر. ويقول محمد: «عندما نريد القيام بعمليات داخل المناطق الحكومية، نستقل المواصلات العامة ونختلط مع المواطنين العاديين وفي بعض الأحيان نستأجر منازل آمنة حيث يمكننا تصنيع قنابل». ويقول محمد إنه يوجد في كل خلية ما بين 3 و8 أفراد، وكل منهم له هدف. ويقوم البعض بزرع قنابل في جوانب الطرق، فيما يلقي آخرون قذائف على سيارات حكومية. وهناك خلايا تنفيذ عمليات الاغتيال، وخلايا أخرى تشتري السلاح وتنقله إلى مناطق حكومية.

وفي كل صباح، يجري مسحا للمكان الذي يقيم فيه، ويشق طريقه إلى الكيلومتر4، وهي المنطقة التجارية داخل العاصمة الصومالية، ويلاحظ قوات حفظ السلام وأفراد الأمن التابعين للحكومة، وبعد ذلك يمضي إلى المطار ليرى ما إذا كان ثمة أي مسؤولين حكوميين أو جنود جدد أو غربيين قد وصلوا. ولديه شبكته الخاصة من المخبرين الذين يقدمون له معلومات استخباراتية.

وإذا كانت المعلومات مهمة أو حساسة، على نحو خاص، يقوم رؤساؤه ببعث عميل للاجتماع مع محمد داخل المناطق الحكومية. ويقول: «وبعد ذلك يأخذ هذا الرجل المعلومات الاستخباراتية إلى شخص بارز في (الشباب)». وكان أنس شيخ عبد الله يقود خلية تنفذ اغتيالات داخل مناطق تسيطر عليها الحكومة. وتشمل الأهداف قادة عسكريين وقادة في الشرطة ورجال دين ومسؤولين حكوميين ورجال أعمال بارزين وصحافيين، وجميع الذين يعارضون حركة الشباب.

وكان الهجوم الأكثر نجاحا، عندما قام الفريق التابع له المكون من 5 أفراد بوضع حقائب بلاستيكية تحتوي على متفجرات على جانب طريق المطار، وفجروها بينما كانت 3 سيارات حكومية تمر، وأدى هذا الهجوم إلى مقتل الكثير من الأفراد. ويقول إنه في إحدى المرات قاد شاحنة إلى المطار، الذي تحرسه قوات حفظ السلام وجنود صوماليون، ونقل براميل من النفط. وكانت بعض الأوعية تحتوي على ألغام أرضية مهربة.

ويقول عبد الله، الذي انشق عن الميليشيا قبل 7 أشهر بعد أن عرف أنه مستهدف بالاغتيال لمخالفته أمرا: «من السهل أن تعمل حركة الشباب هنا». وفي الوقت الحالي، يقاتل عبد الله، وهو رجل طويل نحيف يرتدي نظارة مستطيلة الشكل، لصالح الحكومة. ووظيفته الرئيسية وقف جواسيس حركة الشباب وخلاياها التي تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. ويقول: «في الأسبوع الماضي قتلنا اثنين من (الشباب)، وفي الشهر الماضي قتلنا خمسة».

ولكن لدى الميليشيا ما يصل إلى 1000 جاسوس يعيشون داخل المناطق الحكومية، الكثير منهم داخل أماكن استراتيجية بالقرب من المطار والميناء والقصر الرئاسي، بحسب ما يقول. وتعمل الخلايا أيضا داخل المساجد ومدارس القرآن. ويقول عبد الله إن الميليشيا تجيز لجواسيسهم قص شعر الرأس على الموضة وتدخين السجائر «حتى لا تشك الحكومة في أنهم تابعون لـ«الشباب)». ولكن داخل المناطق التي تسيطر عليها «الشباب»، يكون الجلد عقابا لمثل هذه الممارسات. ووصف الرجال من أمثال محمد بأنهم جزء من «الشعبة الأكثر أهمية داخل (الشباب)».

وفي يوم قريب صاح أحد الجنود «لم نحصل على رواتب منذ أشهر»، ووجه بندقيته إلى سيارة تقل صحافيا غربيا. «إذا كان هناك (مشرع) في الداخل، فاطلب منه الخروج حتى يمكننا قتله». ويستفيد المسلحون من مشاعر الإحباط هذه. ويقول عبد الرحمن عمر عثمان، وزير الإعلام الصومالي، إنهم يستعملون جنودا حكوميين بوعد الحصول على المال. ويقول عبد الله إنه من المحتمل أن يكون المسلحون قد تسللوا إلى وزارات حكومية وإلى الشرطة. ويقول: «لديهم المال، والحكومة فقيرة».

وقد كان نجاح المسلحين في اختراق الحكومة واضحا في الهجوم الذي استهدف فندق «مونا» الذي استغرق إعداده شهرين، بحسب ما يقول محمد. وخططت للهجوم خلية تقيم في أحد أقدم المربعات داخل مقديشو. ودرست العناصر المكان، وقيمت عدد الحراس المسلحين والحراس الشخصيين المكلفين بحماية المسؤولين. ولكن كانت الاستراتيجية المركزية هي عنصر المفاجأة، وكان المهاجمان الملغمان بالمتفجرات يرتديان ملابس الجيش الصومالي. ويقول محمد: «كان من السهل الحصول على الملابس، واشتريناها مقابل 10 دولارات من بعض الجنود».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»