مصدر قضائي لــ«الشرق الأوسط»: مذكرات التوقيف تخالف الاتفاقية القضائية اللبنانية السورية

«المستقبل»: لا تتواءم مع الإيجابية المطردة في علاقات بيروت بدمشق

TT

لم تظهر في الأفق أي بوادر لحلول سياسية أو قانونية لمذكرات التوقيف السورية التي شملت 33 شخصية سياسية وقضائية وأمنية وإعلامية لبنانية وعربية وأجنبية، وجلهم من فريق رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، في ظل تزايد الردود السياسية ذات الوتيرة المرتفعة من قوى «14 آذار» على هذه المذكرات، والتي تقابل بمواقف مؤيدة لها (للمذكرات) من قوى «8 آذار»، وتحديدا حزب الله، الداعية للتعاطي معها بجدية وعدم الاستخفاف بها.

وفيما أخذ وزير العدل اللبناني، إبراهيم نجار، على عاتقه متابعة هذه القضية مع نظيره السوري كشفت مصادر وزارة العدل لـ«الشرق الأوسط» أن «الوزير نجار بدأ اتصالاته الهادفة إلى إيجاد الحلول التي تحترم القانون والدستور اللبناني، وتحقق غاية الطرفين اللبناني والسوري من دون اللجوء إلى التصعيد وخلق تشنجات تؤثر على العلاقات المتنامية من جديد بين البلدين».

في المقابل أكد مصدر قضائي لبناني لـ«الشرق الأوسط» أن «لبنان غير ملزم من الناحية القانونية بالتعاطي مع هذه المذكرات أو تنفيذها، لأنها مذكرات سياسية وليست قضائية»، ولفت إلى أن «القضاء السوري خالف نصوص الاتفاقية القضائية الموقعة بين البلدين، ولم يراع الصلاحية المكانية والذاتية التي تعطي القضاء اللبناني حق النظر في الدعوى المقدمة من جميل السيد ضد الأشخاص المدعى عليهم، سيما أن المدعي والمدعى عليهم لبنانيون، وأن الجرم المدعى به بغض النظر عن صحته أو عدمه وقع على الأراضي اللبنانية، وعدم مراعاة الحصانات النيابية والسياسية والوظيفية التي يتمتع بها المدعى عليهم التي تفرض على القضاء اللبناني مراعاتها، فكيف بالأحرى بالقضاء الأجنبي؟». وذكر بأن «القضاء السوري ومنذ أن بعث إلى لبنان بمذكرات التبليغ فهو لم يودع القضاء اللبناني ملفا قضائيا معززا بأدلة وإثباتات، إنما انطلق في إجراءات الملاحقة بالاستناد إلى شكوى شخصية من جميل السيد وليس إلى ملف وأدلة، واستكمل خطوته هذه بمذكرات التوقيف ما يثبت بشكل قاطع أن هذه المذكرات وكل الملف هو ملف سياسي وليس قانونيا». وجزم المصدر بأن «المذكرات لن تأخذ طريقها إلى التنفيذ لا عبر القضاء اللبناني ولا عبر الإنتربول الدولي، خصوصا أن الإنتربول لا ينفذ مذكرات أو أحكاما إلا إذا كانت متعلقة بجرائم تمس أمن الدولة المعنية أو أمن الدول الأخرى، وإذا ما تأكد أن هذه الجرائم مستندة إلى وقائع ومعطيات قضائية وليست منطلقة من خلفية سياسية».

أما على صعيد المواقف السياسية من هذه المذكرات، فقد استغرب المكتب السياسي لتيار المستقبل إثر اجتماع عقده أمس برئاسة رئيس مجلس الحكومة سعد الحريري «إصدار القضاء السوري ما سمي بمذكرات توقيف غيابية في حق 33 شخصية لبنانية، بما لا يتواءم والإيجابية المطردة في العلاقات بين بيروت ودمشق، ولا يراعي المعابر الرسمية، والأصول المتعارف عليها، من دون النظر إلى صوابها من الناحية القضائية أو عدمه».

ولفت عضو كتلة المستقبل النائب سمير الجسر إلى أن «مذكرات التوقيف السورية ليس لها سند قانوني، وهي ذات خلفية سياسية»، مشيرا إلى أن «المادة الرابعة من الاتفاقية بين لبنان وسورية ترفض مبدأ تسليم من يصدر بحقهم مذكرات توقيف إذا كانت التهمة ذات طابع سياسي». وقال: «نحن لسنا قلقين أبدا من الوضع القائم». وسأل: «من له مصلحة في تحريف التحقيق وفي حرفه عن مساره وفبركة شهود الزور القاتل أم القتيل؟». وقال «المحكمة الدولية هي من تحدد شهود الزور بعد صدور نتائج التحقيق، ولهذا السبب تقدم اللواء جميل السيد بطلب الحصول على مستندات التحقيق من المحكمة الدولية كي يتسنى له تقديم دعوى قانونية، لكنه وبغياب هذه المستندات تقدم بدعوى سياسية (في سورية)»، مذكرا بأن «العبث بمسرح الجريمة وشريط أبو عدس هما السبب لتوقيف الضباط الأربعة».

واعتبر عضو كتلة المستقبل النائب خالد ضاهر أن «المذكرات القضائية السورية موجهة إلى المملكة العربية السعودية وإلى الرئيس سعد الحريري وإلى الحكومة اللبنانية وإلى الشعب اللبناني، لأنه يبدو أن هناك فريقا سوريا وآخر لبنانيا لا يريدان للعلاقات اللبنانية - السورية أن تعود إلى طبيعتها وأن تقوم المؤسسات بدورها بين حكومة وحكومة وبين مؤسسات ومؤسسات».

وذكر عضو كتلة المستقبل النائب عاصم عراجي أن «الاتفاق القضائي بين سورية ولبنان لا يشمل الأمور التي لها خلفية سياسية»، داعيا إلى معالجتها ضمن إطار المؤسسات بين البلدين»، وقال «إن الاتصالات التي سيجريها وزير العدل إبراهيم نجار لتبريد الأجواء في هذا الصدد ستكون عبارة عن مذكرة تستند إلى الاتفاق اللبناني السوري بالنسبة للأمور القضائية». واستغرب «صمت حزب الله حيال المذكرات القضائية السورية»، عازيا هذا الصمت «إلى تمرير زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان».

إلى ذلك اعتبرت الأمانة العامة لـ«قوى 14 آذار» أن «مذكرات التوقيف السورية الصادرة بحق عدد من الشخصيات اللبنانية ومن بينها العضو المؤسس في الأمانة العامة أمين سر حركة اليسار الديمقراطي إلياس عطالله، في سياق دعوة سورية معلنة إلى إلغاء المحكمة الدولية، تشكل تحديا صارخا لمشاعر اللبنانيين الذين ينشدون العدالة والاستقرار، كما تشكل انتهاكا موصوفا لسيادة الدولة اللبنانية؛ لكأننا بالقيادة السورية تريد العودة بالعلاقات بين البلدين إلى مرحلة التوتر الشديد والنكاية المتبادلة، ضاربة عرض الحائط بكل الجهود المخلصة التي بذلتها الدولة اللبنانية، لا سيما رئيس الحكومة، لتطبيع العلاقة والسير بها لما فيه مصلحة الشعبين اللبناني والسوري». ورأت أنه «لا يجوز التعامل مع هذه الخطوة بتبسيط وبراءة كما دعا البعض، لترجح شكوك المشككين بجدوى الجهود المخلصة، ولتدفع قوى الفريق الانقلابي نحو مزيد من التحدي والرهانات العبثية».

من جهة ثانية دعا مالك السيد، نجل اللواء الركن جميل السيد، إلى «التعامل مع المذكرات القضائية السورية قانونيا وبجدية»، معلنا أن هذه المذكرات ستسلم اليوم (أمس) إلى الإنتربول». وأعلن أن «الهدف من الدعوى التي قدمها اللواء السيد أمام المحكمة الدولية للحصول على ملفات شهود الزور، هو إظهار مدى مصداقية هذه المحكمة»، معتبرا أنه «إذا سلمت الملفات للواء السيد فستظهر أن لديها مصداقية ما».