مستشارة بوزارة الخارجية الأميركية تكرس تجربتها الشخصية لحماية حقوق ذوي الإعاقة حول العالم

قالت لـالشرق الأوسط»: نريد إعطاء صوت لذوي الإعاقة

جودث هيومن («الشرق الأوسط»)
TT

تتبلور الدبلوماسية الأميركية من خلال الكثير من القنوات، من العلاقات الثنائية السياسية إلى البرامج التعليمية وتبادل الخبرات. وتحت إشراف وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، تتوسع هذه الدبلوماسية في مجالات غير مسبوقة، منها قضايا متعلقة بحقوق ذوي الإعاقة وتطبيق قيم عالمية لحماية حقوقهم. وتقود هذه الحملة المستشارة الخاصة للحقوق الدولية للإعاقة في وزارة الخارجية، جودث هيومن، التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية تزويد وسائل لتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من التعليم إلى التنقل. وما يجعل هيومن قادرة على إقناع الآخرين بضرورة اتخاذ الخطوات الملائمة لتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة، بل إقناع الآخرين أيضا بإمكانية تحقيق ذلك لمنفعة المجتمع بشكل عام، هو تجربتها الخاصة وقصتها الفريدة التي تجذب من يلتقيها لمعرفة المزيد عنها ومعرفة سر حماسها على مدار السنوات الماضية لتحقيق تغيير حقيقي في طريقة تفكير العالم حول حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد بدأ صراع هيومن للحصول على هذه الحقوق وهي طفلة صغيرة بعدما منعت من حضور مدرسة ابتدائية اعتيادية بسبب إصابتها بمرض شلل الأطفال الذي جعلها مشلولة منذ الصغر. وقالت هيومن: «تجربتي الأولى كانت عندما كان عمري 5 سنوات، إذ حاولت والدتي تسجيلي في المدرسة، ولكن مدير المدرسة قال إنه من غير الممكن أن أسجل في المدرسة لأنني كنت في كرسي متحرك، هذه ليست قصة نادرة، اليوم باتت قصة نادرة هنا في الولايات المتحدة، لكنها ليست نادرة في دول أخرى». وبسبب رفض المدير، تلقت هيومن تعليمها في المنزل لمدة ساعتين ونصف الساعة أسبوعيا إلى حين أصبحت في الصف الرابع الابتدائي حتى استطاعت دخول مدرسة خاصة تسمى «مدرسة الحفاظ على الصحة» ولم تستطع الالتحاق بمدرسة اعتيادية حتى وصلت إلى المرحلة الثانوية. وأوضحت هيومن قائلة: «دائما أتحدث عن تجربتي الخاصة، هذا أمر مهم ويجعل الأهالي والأطفال يشعرون بأن آخرين مروا بذلك». وتابعت: «نريد إعطاء صوت لذوي الإعاقة». وحصلت هيومن على شهادة البكالوريا عام 1969 من جامعة لونغ ايلاند وشهادة الماجستير في الصحة العامة من جامعة كاليفورنيا في بركلي عام 1975. ولكن حلم هيومن كان الحصول على شهادة تعليم، ولكنها لم تحقق ذلك الحلم حينها بسبب العنصرية ضد ذوي الإعاقة. وأوضحت أنها حصلت على شهادتها في النهاية من خلال اللجوء إلى القانون. وتغيرت أوضاع في الولايات المتحدة من جراء تشريعين أساسيين عامي 1973 و1975 لحماية حقوق ذوي الإعاقة. وقانون 1973 جعل التمييز ضد ذوي الإعاقة ممنوعا قانونيا، وفي عام 1975 أصبحت كل المشاريع التي تمولها الحكومة الأميركية خاضعة لذلك القرار ويجب أن تراعي ذوي الإعاقة. وتجسد ذلك في إطارات عدة، منها الناقلات العامة التي أصبحت ملزمة بأن تكون مؤهلة للكراسي المتحركة وتهيئة المدارس للطلاب الذين يعانون من إعاقة جسدية أو عقلية. ولكن تشرح هيومن أن تطبيق هذا القرار لم يكن سهلا، موضحة: «لم يكن لدى الناس خبرة، من العاملين في المدارس والمستشفيات وغيرها من مؤسسات تحصل على تمويل حكومي، وكان السؤال كيف نطبق ذلك؟ ولكن الوضع مختلف اليوم، إذ تطورنا من التعهد بفعل شيء ما إلى تعليم كيف يمكن تحقيقه».

واليوم، هيومن في سن الـ62 وما زالت مندفعة إلى تحقيق المزيد من الإنجازات لتمكين ذوي الإعاقة وحماية كرامتهم وقدرتهم على العيش والعمل في المجتمع، ولكن هذه المرة حول العالم. وهيومن قد عملت في هذا المجال على المستوى المحلي في بلدية واشنطن وأيضا على المستوى الدولي في البنك الدولي، كما عملت في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون. وخبرة هيومن جعلتها المرشحة الأبرز لشغل منصب «المستشارة الخاصة للحقوق الدولية للإعاقة» في وزارة الخارجية، وهو منصب جديد، استحدث تماشيا مع سياسة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لحماية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة. وقد صادقت الولايات المتحدة على «اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة» التابعة للأمم المتحدة أخيرا وتعهدت بتنفيذها، وهناك دفع حالي لجعل الدول الـ147 الموقعة على الاتفاقية تصادق عليها، إذ صادقت عليها 95 دولة فقط. كما أن الأمم المتحدة تهدف إلى جعل كل أعضائها ملتزمين بهذه الاتفاقية التي تضمن حقوق وكرامة ذوي الاحتياجات الخاصة.

ولأن هيومن كانت من أبرز الرياديين الذين أدوا إلى تمرير قوانين أميركية تحمي حقوق المعوقين، فهذا ما يجعلها قادرة على توضيح كيفية وضع مثل هذه القوانين، بالإضافة إلى التوضيح للآخرين ما هي الدروس التي استفادت منها الولايات المتحدة، إلى جانب الخطوات العملية المهمة لتسهيل حياة الذين يعانون من إعاقة، وتشرح: «هنا في الولايات المتحدة، هناك أمور مهمة، مثل الشوارع المنحدرة، والناقلات التي يمكن الوصول إليها، بالإضافة إلى مقاعد خاصة لذوي الإعاقة». وأضافت: «لقد عملنا على مدار السنوات الأربعين الماضية على إزالة الحواجز (أمام المعوقين)، وأزيلت بسبب جهود لم تكن دائما سهلة، كان هناك توتر بين المجتمع الدولي والحكومات ومجموعات أخرى كانت لديها آراء مختلفة حول ما يمكن تحقيقه». وستكون هذه من بين القضايا التي تثيرها هيومن في جولات خارجية ولقاءات دولية من أجل الدفاع عن الأشخاص ذوي الإعاقة.

ومنذ توليها منصبها في 7 يونيو (حزيران) الماضي، انشغلت هيومن بالنظر في حقوق وأوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة في مناطق مختلفة حول العالم، منها الشرق الأوسط. وبعد دراسة للأوضاع في المنطقة، قررت هيومن زيارة المنطقة، في أول زيارة خارجية لها منذ توليها منصبها.

وعلى الرغم من سفر هيومن خلال عملها السابق في البنك الدولي، كمستشارة أولى في شؤون «الإعاقة والتنمية»، فإنها لم تزر منطقة الشرق الأوسط من قبل. وبدت من خلال حديثها متحمسة للقيام بهذه الزيارة ومعرفة المزيد عن المنطقة، مؤكدة أن هذه زيارة استكشافية. وتزور هيومن تونس والجزائر والأردن وقطر هذا الأسبوع، حيث تقوم بلقاءات مع مسؤولين في وزارات عدة، مثل وزير الشؤون الاجتماعية التونسي ناصر الغربي، ومؤسسات مثل المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعاقين في الأردن، بالإضافة إلى ممثلين عن منظمات المجتمع الدولي ومسؤولين في مجال التعليم. وشرحت هيومن: «عملنا مع الحكومات والمجتمع المدني وقطاع العمل الخاص والقيادات الدينية والنساء بشكل عام». وأضافت: «مع مرور الوقت، يجب أن نجعل كل الأطراف في المجتمع يتفهمون كيف يمكن أن تصبح الإعاقة جزءا من كل ما نفعله». وخلصت إلى أن تغيير «طريقة التفكير» أمر أساسي في معالجة هذه القضية، موضحة: «من الضروري اتخاذ الخطوات الصغيرة والنظر إلى الجاليات المختلفة، مثل النساء ذات الإعاقة»، وتابعت: «من المهم أن تصبح القيادات الحكومية والقيادات في المجتمع الدولي ملتزمة بالاستماع إلى هذه القضايا، وتعترف بحقيقة أننا لم نقم بما يجب القيام به».