عرب 48 يطالبون بإعادة التحقيق في مجزرة كفر قاسم

قتل فيها الجيش الإسرائيلي 49 فلاحا في طريق عودتهم لبيوتهم

TT

توجه القادة السياسيون للمواطنين العرب في إسرائيل (فلسطينيي 48)، بنداء إلى الحكومة الإسرائيلية والمؤسسات القانونية أن تعيد فتح ملف مجزرة كفر قاسم وتحقق في أهدافها وكيفية وقوعها وإن كانت تستهدف فعلا ترحيل الجماهير الفلسطينية من الوطن. وجاء هذا النداء، في الذكرى السنوية للمجزرة، الذي صادف يوم أمس، حيث شارك الآلاف من أهالي المدينة ووفود كثيرة من القرى والمدن العربية في المنطقة ومعهم عشرات المواطنين اليهود في إحيائها.

يذكر أن المجزرة وقعت في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 1956، خلال العدوان الثلاثي (إسرائيل وفرنسا وبريطانيا) على مصر. ففي حينه كان الحكم العسكري مفروضا على المواطنين العرب في جميع أنحاء إسرائيل طيلة 8 سنوات، واستمر حتى 1966، فقرر الحاكم يومها فرض منع التجول المفاجئ على البلدة. وتم قتل 49 فلاحا كانوا عائدين من الحقول بدعوى أنهم لم يلتزموا بالأمر العسكري، علما بأنهم لم يكونوا يعرفون بوجود أي أمر عسكري. فأمر قائد الفرقة العسكرية بـ«حصدهم» وعندما استفسر أحد الجنود عن معنى هذه الكلمة قال: «الله يرحمهم».

وبقيت هذه الجريمة في طي الكتمان، إلى أن علم بها قائد سياسي في حزب مبام الصهيوني اليساري، يوسف خميس، وكان شريكا في الاتئلاف الحكومي، فأخبر قادة الحزب الشيوعي بالأمر، مئير فلنر وتوفيق طوبي واميل حبيبي. كما أخبر صحافيا يهوديا اسمه لطيف دوري بها. فحاول حبيبي أن ينشر عن المجزرة في صحيفة «الاتحاد» التي كان يرأس تحريرها. لكن الرقابة العسكرية منعته. وبادر طوبي وفلنر إلى زيارة كفر قاسم، فحاول الجنود منعهما من الدخول واعتدوا عليهما. وقام دوري بتسريب المعلومات عنها رويدا رويدا، إلى أن انكشفت الخيوط.

وفي محاولة لتخفيف وطأة الحدث، أعلن رئيس الحكومة يومها، ديفيد بن غوريون، عن التحقيق مع الفاعلين. وتقديمهم إلى المحاكمة. وعقدت المحكمة وانتهت بفرض غرامة على المجرم الأساسي، يعقوب شدمي، مقدارها قرش واحد. واشتهر هذا القرش في حينه باسم «قرش شدمي» ليصبح تعبيرا عن السياسة الحكومية الإسرائيلية تجاه هذه الشريحة من العرب الفلسطينيين، بأن إسرائيل تقدر قيمتهم بقرش واحد.

ومع مرور السنين، اتضح أن المجزرة لم تكن عفوية ولا من صنع ضابط واحد، بل كانت محاولة إسرائيلية لتجربة إمكانية ترحيل فلسطينيي 48. فاعتقدوا انهم سيكررون خطأ أهلهم ويخافون المجزرة فيهربون من الوطن. وبما أن العالم كله كان مشغولا يومها بالحرب على مصر، فلم ينتبه أحد لهذه الفئة الصغيرة من الفلسطينيين. ولكن فلسطينيي 48، الذين بقوا في الوطن في ظروف أشد بؤسا، تمسكوا بأرضهم ولم يرحلوا. ومنذ ذلك الوقت كشف النقاب عن عدة خطط إسرائيلية لاستغلال حرب 1956 من أجل التخلص من أكبر قدر من العرب.

وبدافع القلق من خطط كهذه، طرح المطلب بإجراء تحقيق مجدد في المجزرة لمعرفة أسرارها وأهدافها. وفي المسيرة السنوية التقليدية «لإحياء ذكرى شهداء مجزرة كفر قاسم»، أمس، طالب رئيس بلدية كفر قاسم، المحامي نادر صرصور، والنائب جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي البرلمانية، وصالح عامر، رئيس اللجنة الشعبية في كفر قاسم، والنائب إبراهيم صرصور، رئيس الحركة الإسلامية، والنائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، ورئيس بلدية الناصرة ورئيس لجنة رؤساء البلديات العربية، رامز جرايسي، بإعادة التحقيق ووضع حد للقوانين العنصرية ضد العرب.

وأجمع المتحدثون على ضرورة مواجهة الحملة العنصرية بوحدة صف كفاحية. وقال النائب زحالقة إن العقلية التي أنتجت مجزرة كفر قاسم ما زالت قائمة، وتتخذ اليوم شكل هجمة عنصرية غير مسبوقة على الجماهير العربية في الداخل، تستهدف وجودها. وأضاف أنه رغم كل ما قيل وكتب عن مجزرة كفر قاسم فإن الحقيقة لم تكشف بعد، وبالأخص دور المستوى السياسي، وتحديدا بن غوريون والقيادة العسكرية العليا، في التحضير لمخطط استكمال الترحيل الجماعي في منطقة المثلث، إذ أشار الضباط والجنود الذين شاركوا في المجزرة خلال محاكمتهم التي لم تنشر إلا أجزاء قليلة منها بأنهم كانوا يعملون من خلال مخطط كبير، ويقومون بعملية تشابه ما قامت به قوات عصابة الهاغاناه خلال ترحيل أهالي البلدات الفلسطينية عام النكبة 1948.