في الذكرى الـ 15 لاغتيال رابين.. أنصاره ينظمون التأبين الأخير

تضاؤل المشاركين يعكس بعد الإسرائيليين عن رؤيته للسلام.. والقنوات التلفزيونية تحجم عن تغطية الحدث

TT

خلال السنوات الخمس عشرة التي مضت على اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحق رابين، على يد يهودي متطرف في أعقاب تجمع للسلام هنا، بدا ميراثه في إسرائيل واضحا؛ المحارب الذي تحول إلى صانع سلام، ورمزا لدولة قوية ذات قدرات واضحة.

واليوم تحمل الكثير من الشوارع والمدارس والميادين، ومنها ذلك الذي شهد مصرعه على يد ذلك الشاب المتطرف، اسمه. وفي كل عام يتدافع الآلاف في مثل هذا الوقت من العام إلى ميدان إسحق رابين حاملين الشموع، ومرددين أغاني السلام، ويقولون الخطب التي تتحدث عن التعايش السلمي واستعادة اللحظات التي انفطرت فيها القلوب، مثل الكلمة التي ألقاها الرئيس الأميركي الأسبق في وداع رابين؛ وداعا يا صديقي.

بيد أن اجتماع السبت من الأسبوع الحالي سيكون الأخير من نوعه، بحسب قول المنظمين، الذين أشاروا إلى تضاؤل أعداد المشاركين في ذكرى التأبين، بالإضافة إلى إحجام القنوات التلفزيونية عن إذاعة الحدث. وقد غزا هذا التحول النقاشات في إسرائيل لدى اقتراب الذكرى السنوية لحادثة الاغتيال. فتساءل البعض: هل فقد الإسرائيليون الرغبة في المشاركة في الاحتفال لأنهم أفاقوا من وهم السلام ورأوا اشتراك رابين في مفاوضات أوسلو خطأ؟ أم أن التفاوض مع الفلسطينيين يسير في الاتجاه الصحيح وأن رابين لم يعد مثالا لها؟

يقول يوسي ساريد، عضو الكنيست السابق عن حزب ميرتس اليساري في صحيفة «هآرتس»: «بعد مضي خمسة عشر عاما لم يعد بمقدورنا التظاهر. لقد كانت جريمة كاملة؛ اغتيل رجل وغطي ميراثه بالدم. لقد هجر الجميع درب رابين، أثناء الحداد».

بيد أن بين درور يميني، كاتب الرأي المحافظ في صحيفة «معاريف» يرى خلاف ذلك، فكتب: «الحقيقة خلاف ذلك. لقد أنقذ مقتل رابين اليسار الإسرائيلي»، مشيرا إلى أنه قبل مقتله: «كانت هناك حوادث إرهابية أسهمت في تردد عبارة (ثمن السلام). وقد تنبأت استطلاعات الرأي بهزيمة ساحقة لحزب العمل، وسيطرة الجناح اليميني، الذي لم يسيطر على العنف والشوارع الغاضبة وحسب، بل على قلوب الأفراد أيضا».

رابين، رجل الدولة العسكري، الذي كان يتمتع بخجل جم، لا يزال موضع احترام بالغ كرجل. لكن المعركة حول إرث رابين تتمثل في مواقفه، فخلال السنوات الأولى التي أعقبت وفاته، كان أنصاره في اليسار الإسرائيلي يحتفون بذكراه. ورأوا أن عمليات التحريض التي مارسها اليمين ضده - أحد الأمثلة الصارخة على ذلك رفع صورة له في إحدى المسيرات في زي نازي - أسهمت بشكل كبير في اغتياله.

لكن مع فشل اتفاقات أوسلو، وعودة العنف مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والانسحاب من لبنان الذي أدى إلى تعاظم قوة حزب الله، وصعود نجم حماس في غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي منها، ينظر قطاع كبير من الإسرائيليين إلى اتفاق «الأرض مقابل السلام» بتشكك كبير.

أضف إلى ذلك أنه على الرغم من كون رابين من أبرز المدافعين عن التعايش المشترك مع الفلسطينيين، فإنه لم يدع على الإطلاق إلى دولة فلسطينية أو تقاسم القدس. ونتيجة لذلك يؤكد اليمين أنه ليس كثيرا أن نظهر الرجل على حقيقته.

فيقول بوعز بيسموث، رئيس تحرير صحيفة «حايوم» اليومية المحافظة، في مقابلة عبر الهاتف: «قبل 15 عاما، وبعد حادثة الاغتيال البشعة، كان من المستحيل سياسيا ذكر أشياء معينة ضد سياسات رابين. ونحن يمكننا معارضة أوسلو، دون أن نبدو وكأننا نمجد مقتله. أي سلام؟ بعد 15 عاما، يمكنك القول بكل ثقة إن هذه المنطقة لا يمكن أن تتحول إلى بينلوكس أخرى».

أما الأشخاص الذين عملوا بالقرب من رابين، ويحاولون الحفاظ على ذكراه، فيرون أن هذا التغيير قد خلف تحديا.

إيتان هابر، الذي كان واحدا من الذين أعلنوا، خارج مستشفى تل أبيب، نبأ وفاة رابين متأثرا بجراحه، والذي أنقذ ورقة أغنية السلام من جيبه. هو اليوم أحد كتاب الرأي في صحيفة «يديعوت أحرونوت».

وكتب هابر، يوم الأحد إثر وفاة رابين، مؤكدا أن الجريمة كانت سياسية استهدفت سياسيا حاول تحقيق السلام. وبطبيعة الحال فإن أعمال التحريض من اليمين ستظل تشكل على الدوام جزءا لا يتجزأ من القصة، لكن الوقت قد حان لتوسعة هذا الميراث.

ويقول هابر: «السبيل الأوحد لتحويل تأبين إسحق رابين إلى يوم وطني، يكون عبر تحويله إلى ما لم يكن عليه خلال الدقائق الأخيرة من حياته، وهو أنه شخص تجمع عليه الآراء. يجب أن يستقر في الأذهان أن عملية قتل رئيس وزراء إسرائيل والخطر الكبير للديمقراطية قضايا جوهرية يجب أن تعالج من أحزاب اليسار واليمين على السواء».

من جانبه أكد شالوم أفنيري، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية، اعتقاده بأن التركيز يجب أن ينصب على الديمقراطية واحترام منصب رئيس الوزراء لا سياسات رابين.

وقال في مقابلة هاتفية: «إن التداخل بين الأمور المدنية والسياسية أضعف شرعية رابين، ومن ثم هناك محاولة لإعادة إرث رابين إلى القضايا المدنية».

يركز أحد النقاشات على مكانة إسرائيل في العالم، فيقول رابين في تقديم حكومته الجديدة أمام البرلمان عام 1992: «لم تعد هناك حاجة إلى العزلة، لا بد لنا من الانضمام إلى المجتمع الدولي نحو السلام والمصالحة والتعاون».

خلال حكمه، تداعت المقاطعة العربية لإسرائيل، فزادت التجارة وخيارات المستهلك هنا إلى حد كبير، وهناك الكثير من الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وخلال السنوات الأخيرة، تحولت إسرائيل من دولة في حالة ركود نسبي إلى دولة على النسق الأوروبي تمتلك الثروة والتقنية المتقدمة. بيد أن الاعتقاد، الذي كان شائعا في عهد رابين، بأن السلام والرخاء باتا يواجهان تحديا. فقد تزايد سأم المجتمع الدولي من المعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين في تزايد. وربما يشعر الإسرائيليون بأنهم يعيشون حالة من الاندماج مع الاقتصاد العالمي، لكنهم يشعرون أنهم معزولون سياسيا. ويدور نقاش على الصعيد الداخلي بشأن هذا الأمر أيضا، فيعتقد اليسار أن إسرائيل مسؤولة، إلى حد ما، إن لم يكن بصورة كلية، عن حالة العداء الدولي لها، في الوقت الذي يرى اليمين حالة العداء هذه نتيجة لمعادة السامية والوجود الإسرائيلي، وهو ما تميل إليه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

أما من عملوا على مقربة من رابين، فقد كان هذا التحول مصدر تشاؤم بالنسبة لهم. كتب ساريد، نائب الكنيست السابق، أنه اقترح قانون إحياء ذكرى إسحق رابين قبل 13 عاما، لكنه الآن نادم عليه.

وكتب يقول: «اعتقدت في ذلك اليوم أنه أمر بديهي، ولا غنى عنه، واليوم أعترف أنني كنت مخطئا، فقد أصبح القانون بلا فائدة، بل وأصبح ضارا أيضا. فليس من الصائب استخدام تشريع لفرض يوم من الألم والغضب والرعب على من لا يشعرون بنفس ما أشعر به. ولماذا أجبر من يحتقرونه طوال العام على تكريمه في يوم واحد في العام».

* خدمة «نيويورك تايمز»