الغجر: عاشت أزمة انتماء منذ 1967

القوات الإسرائيلية تجنبت احتلالها في حرب الأيام الستة

TT

تعتبر بلدة الغجر اللبنانية البلدة الجنوبية الوحيدة التي يخترقها الخط الأزرق، الذي تم ترسيمه بين لبنان وإسرائيل بإشراف الأمم المتحدة، بعد تحرير الجنوب اللبناني عام 2000. وتعد البلدة، التي تقع على الحدود المشتركة بين لبنان وسورية، على مقربة من الجولان السوري المحتل، واحدة من المزارع المعروفة بمزارع شبعا، ويقدر عدد سكانها بنحو 2700 نسمة.

تعود تسمية البلدة إلى نسبتها لسكانها من الغجر الذين اعتمدوا على النشاطات الزراعية البدائية وتربية المواشي. ويحدها شمالا بلدة عين عرب اللبنانية، وغربا بل دة الوزاني ومجرى النهر، وشرقا قريتا العباسية والمجيدية، ومن الجنوب مفتوحة على الأطراف الشمالية لسهل الحولة.

وشكلت بلدة الغجر واحدة من أكثر المشكلات القائمة بين لبنان وإسرائيل تعقيدا، بسبب توزع أهاليها بين جزئيها وتنوع الهويات التي يحملونها، وتفرد البلدة من حيث موقعها الاستراتيجي والثروات الطبيعية التي تختزنها، لا سيما المياه، التي تشكل واحدا من أبرز الأطماع الإسرائيلية في جنوب لبنان.

يعود تاريخ أزمة الانتماء التي تعاني منها بلدة الغجر إلى عام 1967، تاريخ احتلال إسرائيل لهضبة الجولان، ووقوفها على تخوم البلدة، التي وجدت نفسها وحيدة، فلا هي خاضعة للسلطة اللبنانية ولا السورية ولا من يسأل عنها، خاصة بعد أن وضعت إسرائيل شريطا شائكا حول البلدة أدى إلى فصلها عن باقي الأراضي اللبنانية. وتنقل تقارير صحافية ميدانية عدة عن قاطني البلدة إشارتهم إلى أن «إسرائيل احتلت في يونيو (حزيران) 1967 منطقة الجولان السورية، لكن جيشها لم يدخل قرية الغجر لاعتبارها لبنانية، استنادا إلى الوثائق التي كانت لديه».

وفي عام 1978، احتلت إسرائيل الأراضي اللبنانية حتى نهر الليطاني، وسيطرت قواتها العسكرية على جانبي الحدود وتوسعت الغجر شمالا داخل الأراضي اللبنانية. واللافت أن سكان البلدة يحملون جنسيات متعددة، فبعضهم يحمل الجنسية السورية، والبعض الآخر حصل على الجنسية الإسرائيلية منذ عام 1982.

في عام 2000 ومع ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل إثر التحرير، اخترق الخط الأزرق بلدة الغجر، مقسما إياها إلى نصفين: شمالي يتبع الأراضي اللبنانية، وجنوبي يتبع الجولان السوري المحتل. وبين عامي 2000 و2006 انتشرت قوات «اليونيفيل» والجيش اللبناني في القسم الشمالي من القرية، بينما سيطرت إسرائيل على القسم الجنوبي.

إلا أنه بعد حرب يوليو (تموز) 2006، احتلت إسرائيل الشطر الشمالي من الغجر، ولم تثمر كل الضغوط التي مارسها لبنان عبر القرارات الدولية وقوات «اليونيفيل» في دفع الإسرائيليين إلى الانسحاب منها. وكان القرار 1701 نص على وجوب انسحاب إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة، ويعتبر استمرار سيطرتها على هذا القسم من الغجر خرقا فاضحا للقرار الدولي 1701.

ومنذ أغسطس (آب) 2006، شكلت قضية الغجر البند الأول المطروح على كل الاجتماعات الثلاثية التي تعقد دوريا في مقر قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان في الناقورة، التي تضم ممثلين عن الجيشين اللبناني والإسرائيلي بمشاركة «اليونيفيل».

وتعليقا على إقرار الحكومة الإسرائيلية الأمنية المصغرة أمس الانسحاب من الشطر الشمالي من قرية الغجر، على أن يتم ذلك بالتنسيق مع قوات «اليونيفيل»، من دون الإعلان عن موعد محدد لهذا الانسحاب، اعتبر عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب علي خريس أن «إسرائيل لا يمكن أن تضحك علينا بمثل هذا الإجراء على الرغم من أهميته لأن المطلوب منها الانسحاب من كامل الأراضي اللبنانية»، مشددا على أن «أي انسحاب إسرائيلي من أراضينا هو مكسب للبنانيين».

واعتبر النائب في كتلة «التحرير والتنمية» قاسم هاشم أن «القرار الإسرائيلي بالانسحاب من الغجر مناورة إسرائيلية يخشى أن تكون لتحسين صورة العدو الإسرائيلي المشوهة في فلسطين، ومحاولة للتنصل من التزاماته الدولية»، معتبرا أن «الانسحاب الإسرائيلي لا يحتاج إلى مقدمات، فهذا الانسحاب إن حصل، يأتي تنفيذا للقرار 1701 وللشرعية الدولية».

وأشار، خلال جولة قام بها إلى منطقة الوزاني المحاذية لبلدة الغجر، إلى أنه «لا يجوز تحت أي ذريعة أن لا تعود الغجر للسيادة الوطنية اللبنانية، فإن سُلمت للأمم المتحدة حسب الكلام الإسرائيلي، فهذا يعني أنها ما زالت تحت الاحتلال»، مؤكدا «الاستمرار في العمل لبسط السيادة اللبنانية عليها من خلال دخول الجيش اللبناني إليها».

وتعليقا على اعتصام أهالي الغجر احتجاجا على القرار الإسرائيلي، دعا هاشم الأهالي إلى أن «لا يساهموا بالوقوف وراء أكاذيب العدو لعدم تنفيذ انسحابه من الغجر، بل عليهم مطالبة العدو بالانسحاب من شطري الغجر الشمالي اللبناني المحتل والجنوبي، لأن ذلك مكسب». وقال: «على أهلنا في الغجر أن لا يخافوا من المستقبل، فإن حقهم بعد تحرير بلدتهم سيكون كحقوق أهلنا في الوزاني وعين عرب ومرجعيون وشبعا وغيرها من بلدات الجنوب».